عودة أجواء التقسيم

عودة أجواء التقسيم

05 فبراير 2016
+ الخط -
تقترب الذكرى المئوية الأولى لاتفاقية سايكس بيكو الشهيرة التي وقعت في السادس عشر من مايو/أيار 1916، ومعها تعود مخططات إعادة رسم حدود المنطقة التي كانت قد رسمتها الاتفاقية. لكن، هذه المرة بحدود أوسع قد تصل إلى شمال أفريقيا. التقسيم الذي فرضه التفاهم البريطاني الفرنسي في ذلك الحين يطل ضمن تفاهمات مختلفة، هذه المرة، بعدما بات الفرنسيون والبريطانيون هامشيين على الساحة الدولية، ليحل محلهم الروس والأميركيون، مع فاعلين صغار في المنطقة، يعملون على ترسيم حدود المصالح والقوة.
أربع مناطق أساسية اليوم تدور حولها مخططات التقسيم، منها ما هو ماضٍ بقوة نحو التطبيق، على غرار الوضع في العراق، ومنها ما لا يزال يترقب رجحان الكفة الميدانية لتحديد وجهة الأمور وحدود الدويلات المرتقبة، وهذا الأمر تحديداً في سورية، ومنها ما هو مقسم بشكل فعلي حالياً، بانتظار توضح المساعي السياسية والعسكرية، لتكريس الحالة النهائية للوضع، وهو الأمر الحاصل تماماً في اليمن وليبيا.
لم يعد الحديث عن التقسيم في العراق يستدعي الكثير من الاستنكار والاستهجان، وخصوصاً ما يتعلق بالتوجهات الكردية الصريحة والواضحة، والذاهبة باتجاه الاستفتاء على تقرير المصير. استفتاء يلقى مباركة من الأطراف الدولية الفاعلة، بعدما بات الأكراد، وتحديداً الممثلين بحكومة كردستان، شركاء فاعلين في التحالفات الدولية القائمة على محاربة الإرهاب، الممثل اليوم بداعش. شراكة أثبتت نجاعتها، وحققت الكثير على الأرض، ليأتي الاستفتاء، أو "الاستقلال"، كجائزة ترضية للأكراد، حتى لو لم يكن الأمر على حساب مصالح دولية، أميركية تحديداً، لا ترى في الانفصال الكردي فائدة استراتيجية. لكن، مع ذلك، لا تبدو الولايات المتحدة معارضة بالمطلق للتوجه الكردي، المدعوم خصوصاً من تركيا. هذا التوجه يبدو أنه سيطلق رحلة مشابهة في مناطق أخرى من العراق، وخصوصاً في الجنوب الداعي، منذ زمن طويل، إلى قيام فيدرالية توصل إلى ما وصلت إليه الأمور في الشمال. وهو أمر لا بد سيحصل لاحقاً في حال مضى الأكراد في مخططهم، وهذا بالأساس ما يثير التحفظ الأميركي على المسعى الكردي الذي ستكون الأشهر القليلة المقبلة حاسمة في تحديد مصيره.
غير بعيد عن العراق، في سورية، تمضي الأمور بشكل أقل وضوحاً. مخطط التقسيم ظهر في الشهور الماضية، ثم اختفى فجأة مع الدخول الروسي على خط المعارك، والذي قلب معادلات القوة قليلاً على الأرض لصالح النظام وحلفائه. لكن، على الرغم من ذلك تبقى الخطة البديلة جاهزة في حال تعدلت موازين القوى مجدداً، وهو ما تحدث عنه وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، قبل يومين، حين أشار إلى أن الروس يعدون "دولة علوية" في الساحل السوري. مثل هذا الإعداد الروسي لم يكن سرياً في الفترة الأولى للدخول الروسي إلى الأرض السورية، بل كان يمضي بشكل حثيث عبر تحضير البنى التحتية للدولة المرتقبة. غير أن الفكرة عادت للتراجع، من دون أن تلغى بشكل نهائي، بانتظار ما ستؤول إليه الأمور. لكن عملياً يمكن القول إن الأرض السورية اليوم مقسمة، بشكل غير رسمي، بين مجموعة من القوى الفاعلة، فهناك النظام والمعارضة وداعش، ولكل من هؤلاء حصته من الأوض والحكم.
وإذا كان هذا هو الوضع في سورية والعرق، فإن الوضعين الليبي واليمني يمثلان النموذجين الأكثر وضوحاً للتقسيم، ولا سيما أن البلدين فعلياً، وليس رسمياً، مقسمان بين سلطتين وحكومتين، حتى أن اليمن بات له عاصمتان، وإن كانت صفة "الموقتة" لا تزال تلحق العاصمة الأخرى، وهي عدن. الوضع شبه مماثل في ليبيا، بين طرابلس وبنغازي، لم يعد هناك عنوان واضح للمركزية الليبية، فكل يسير وفق التحالفات والتفاهمات، بانتظار تبلور مساعي الحل السياسي.
المشهد في العموم قد لا يحمل النهاية نفسها لسايكس بيكو، وخصوصاً أن الأمور لم تصل إلى نهاياتها بعد، لكنه يأتي متزامناً مع الذكرى، ليؤشر إلى خطر لم يفت الأوان بعد لتداركه.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".