أحداث كولونيا مجدّدا

23 فبراير 2016

نشطاء في كولونيا يساندون اللاجئين السوريين (16 يناير/2016/الأناضول)

+ الخط -

لا أعتقد أن هناك سورياً في العالم، أو عربياً، مقيماً أو مهاجراً، لم يشعر بالحزن وبالعار، حين وقعت أحداث كولونيا، ليلة 31 ديسمبر/ كانون الأول 2015، فقد قيل إن اللاجئين، ومعظمهم من السوريين، هاجموا المحتفلات بعيد رأس السنة، تحرشاً واغتصاباً وسرقة، مثيرين هلعاً بين النساء، ومسبّبين صدمة لألمانيا كلها التي كانت من بين الدول الغربية القليلة التي فتحت ذراعيها لـ 1.1 مليون لاجئ سوري وعراقي. قيل، أيضاً، إن تلك الحادثة المشؤومة منحت الحق، ومزيداً من المبرّرات، لحركات اليمين المتطرف التي سار بعضها في تظاهراتٍ رفع فيها شعار "ضد اللاجئين المغتصبين"، كما سهّلت الأمر على البلدان الأوروبية الرافضة استقبالهم، أو المترددة حيال ذلك، لتحسم أمرها، وهي مرتاحة الضمير.

سال الكثير من الحبر، وتناولت مختلف وسائل الإعلام، الغربية والعربية، الحادثة، وتباينت المواقف بين مدافعٍ ومبرّر وشاجبٍ ومهاجم، حتى أن صحيفة معروفة، كصحيفة لوموند الفرنسية، عنونت صفحتها الأولى: "أعمال العنف في كولونيا تُظهر الوجه الخفيّ لمهاجري ألمانيا".

لكن اليوم، وبعد مضيّ أكثر من شهر ونصف الشهر على ما أجري من التحقيقات، كشف مدّعي عام مدينة كولونيا، أولريش بريمر، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "Die Welt" الألمانية، عن أنه، وبعد استنطاق نحو 300 شخص، ومعاينة 590 ساعة من تسجيلات الفيديو، تم تحديد 73 مشتبهاً فيهم من طالبي اللجوء والمقيمين في ألمانيا بشكل غير شرعي، من بينهم 30 من المغرب، 27 من الجزائر، 3 من تونس، 4 من العراق، 3 من سورية، واحد ليبي، واحد إيراني، واحد من الجبل الأسود، و3 ألمان. ومما قاله بريمر إن الذين ارتكبوا اعتداءات جنسية بحق الألمانيات هم 13 شخصاً، يجري معهم التحقيق حاليا، مبيّنا أن 60 بالمائة من الاعتداءات لم تكن تحرشاتٍ جنسية، وإنما بقصد السرقة. كذّب التحقيقُ، إذن، المعلومات الأولية التي سرّبتها مصادر مجهولة في الشرطة الألمانية التي يُعرف عنها قربها من اليمين المتطرّف، والتي أشارت، مباشرةً، بإصبع الاتهام إلى اللاجئين السوريين والعراقيين.

الحمدالله ! ثبتت براءة اللاجئ السوري، الذي لم يكن ينقصه المزيد من الإهانة والتنكيل والعذاب، وما زال بإمكانه إكمال رحلته نحو عالم جديد. ما زال في وسعه أن يلقى سقفاً، عملاً، أن يضع أولاده في مدرسة، وأن يدّعي أن باستطاعته أن يصبح مواطناً جديداً في وطن جديد.

الحمدالله ! أثبت اللاجئون السوريون أنهم، على عكس ما اتُهموا به، يعرفون كيف يكونون أهلا للثقة، وما الذي يعنيه العرفان بالجميل وأصول احترام المضيف وكرم ضيافته.

وأف، الحمدلله، لقد خرجنا من هذه المحنة الرهيبة سالمين.

حقا؟ ماذا، إذن، عن هؤلاء، المشتبه فيهم والموقوفين قيد التحقيق؟ ماذا عن الـ 57 مغاربياً، ممن يقال إنهم طالبو لجوء ومهاجرون غير شرعيين؟ ألا نحسب هؤلاء "منّا"، أم أنهم لن يُحسبوا علينا؟ أسيمحو كونهم حفنة قليلة سوءَ السمعة عن مئات آلاف الهاربين من الحرب والقتل والدمار؟ أسيميّز الكرهُ والنفورُ وفوبيا الإسلام بين نازح ولاجئ ومهاجر، من هنا أو هناك، أفرادا وجماعات، أم أنه سيجملهم في كتلة واحدةٍ، هي كتلة العرب والمسلمين؟

على الرغم من ثبوت براءتهم، لن ينظر أحد، بعد الآن، في ألمانيا، بعين الرحمة إلى عذابات السوريين، معاناتهم، دروب الهجرة القاتلة التي اجتازوها للوصول إلى هنا، شقائهم، خساراتهم على الطريق، موتاهم، أطفالهم الغرقى أو الضياع. فالإشاعات التي هي لغة المخاوف تمدّ جذورها دوماً، حيث لا تصمد الحقائق. سيقال، مثلاً، إن العرب والمسلمين يحتقرون المرأة، ولا يقيمون لها أي اعتبار،  ولن يقال، مثلاً، إن الفاعلين حفنة، ولا ينبغي أن يجري التعميم. سيقال إنهم سارقون ومتحرشون ومغتصبون، ولن يقال إن أربعة أفراد يشتبه فيهم فقط، من أصل 1.1 مليون لاجئ سوري وعراقي دخلوا البلاد.

سيقال؟ بل ربما قد شاع، وصار حتى من المسلّمات.

 

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"