24 أكتوبر 2024
إفطار مع أردوغان
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
جاء نوري وبشّرني، وقال: خال، سنأكل نصف شهر على حساب أردوغان.
وضع يده على أذنه، وقال: اسمع.. كانت موسيقى حزب العدالة والتنمية تصدح في الملعب القريب: بلدية إسطنبول ستستضيف أهل الحي على إفطار يومي في الملعب، أسبوعين، الدعوة عامة. اعتبرنا أنفسنا مدعوين، وقصدنا الملعب قبل الإفطار، كان الصائمون يتوافدون، ويجلسون إلى موائد مصفوفة بعناية، وزّعت عليها أدوات الطعام من أشواك وملاعق، وعلب الشراب والماء. قال لي: خال، أردوغان يرشو الناس، عقد كامل وهو يفوز بالرئاسة بالرز واللحم واللبن.. الرجل يعرف من أين يؤكل الرز.
يبعث رمضان إسطنبول بعثاً جديداً، حتى السياح الأوروبيون يقصدون جامع أبي أيوب والمساجد الشهيرة، ليفطروا على صوت الأذان العذب مع أسر الصائمين. الإفطار مع كلمة الله أكبر تذكير للصائم أن هذه النعمة هي بفضل الله وبكلمته. ما إن ينطق المؤذن مكبراً، حتى تسري المياه في عروق العطشى. الله هو الرزاق وهو البارئ.
يفترش الصائمون الشوارع المحيطة بالمساجد الكبيرة، كل متر مربع لعائلة، تنثر على سفرتها ما لذّ وطاب، بانتظار التكبيرة الأولى. هذه تقاليد اسطنبولية غير معروفة في مدن عربية أو إسلامية. فطرنا أول يوم من رمضان على ساندويشات شاورما، بلا طعم أو مذاق: "الدونر" التركية غبية، هي صمونة اسفنجية كبيرة، تقبر فيها شرائح قليلة من اللحم، وترفق بحاشية باهتة من الخس، أما الساندويشات السورية فلا يعلى عليها؛ خبز مدور رقيق، من طبقة وأحيانا طبقتين، رقائق من الطماطم، معدودة بدقة على العداد، حتى لا يطغى سلطان طعم على سلطان طعم آخر، تقاسم سلطات صحيح وعادل بين الطعوم. يجري إشمام الخبز بالدهن، ويلفح بقبلات من لسان النار، ويطلى بدهن المايونيز، ثم يكبس بعناية بين يدي النار والفخار، حتى تتعانق الأطعمة وتتبادل العناوين والذكريات.. تركيا ابتكرت الشاورما، كان سيخ اللحم نائماً طوال قرون، مثل فلسفة هيغل التي يقال إنّ ماركس أقامها على قدميها، فأيقظه الأتراك وأقاموه على ساقه الحديد، ليحفظ الدهن من الهدر، فسَاَدَ الشرق والغرب. تركيا اكتشفت الشاورما، لكن سورية هي التي ربته وعلمته وطيّبته.
نوري كردي سوري، ناله ما نال بقية السوريين من أذى الأسد ما لا يوصف في كتاب، لكن نوري ورفاقه وجهوا بغضهم لخصم الأسد، أما هو فبات دكتاتوراً لطيفاً، اسمه "بشاركو"، وهو لقب تحبب كردي، السبب: رشوة إدارة ذاتية. أتعرّف أنّ المؤمنين يدخلون الجنة برشوة من هذه يا نوري؟ رشوة السرِّ تطفئ غضب الرب، ما أعرفه أن الانتخابات التركية نزيهة، الأسد كان نزيهاً من الصدق، ولم يكن يرشو شعبه أبداً سوى بالذل، ويفوز بنسبةٍ لا يفوز بها أحد من العالمين سوى رئيس كوريا الشمالية!
كل ربع ساعة تتوقف الموسيقى الحماسية، ويقول المذيع خطاباً قصيراً، ثم يدعو إلى قراءة الفاتحة. أذّن المؤذن بصوته الشجي العذب على مقام نهاوند، فابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله. الوجبة صغيرة، صحن فلين أبيض صغير من الرز، صمونة صغيرة، ثلاث تمرات حسب السّنة، كأس لبن، قطعتا لحم صغيرتان، لم نشبع يا سبعي. بدأ الناس يغادرون وهم يقرأون الفاتحة. غمزني نوري، وذهب إلى الإدارة في العربة المتنقلة وعاد وهو يحمل كيساً، خال: هذه عشرون وجبة، غنائم. أردوغان احتل وطننا، ومن حقنا بعض الأنفال. عدنا إلى العشّة، أفرغنا الرز في منسف، وطرزنا الهضبة البيضاء باللحم، وأحطنا العروس البيضاء بحرس من التمر، والخضار، وقلاع كؤوس اللبن، انخرطنا في التهام غنائم أردوغان اللذيذة، حتى التخمة، وما بقي أكلناه في السحور. عزم نوري على الصوم يوم غد. في الصباح، تعب عند الظهر، وسألني ما إذا كان سيناله أجر؟ فتواي كانت ابتسامة. أخرج منسف الرز، وبدأ ينتقم من أردوغان.
وضع يده على أذنه، وقال: اسمع.. كانت موسيقى حزب العدالة والتنمية تصدح في الملعب القريب: بلدية إسطنبول ستستضيف أهل الحي على إفطار يومي في الملعب، أسبوعين، الدعوة عامة. اعتبرنا أنفسنا مدعوين، وقصدنا الملعب قبل الإفطار، كان الصائمون يتوافدون، ويجلسون إلى موائد مصفوفة بعناية، وزّعت عليها أدوات الطعام من أشواك وملاعق، وعلب الشراب والماء. قال لي: خال، أردوغان يرشو الناس، عقد كامل وهو يفوز بالرئاسة بالرز واللحم واللبن.. الرجل يعرف من أين يؤكل الرز.
يبعث رمضان إسطنبول بعثاً جديداً، حتى السياح الأوروبيون يقصدون جامع أبي أيوب والمساجد الشهيرة، ليفطروا على صوت الأذان العذب مع أسر الصائمين. الإفطار مع كلمة الله أكبر تذكير للصائم أن هذه النعمة هي بفضل الله وبكلمته. ما إن ينطق المؤذن مكبراً، حتى تسري المياه في عروق العطشى. الله هو الرزاق وهو البارئ.
يفترش الصائمون الشوارع المحيطة بالمساجد الكبيرة، كل متر مربع لعائلة، تنثر على سفرتها ما لذّ وطاب، بانتظار التكبيرة الأولى. هذه تقاليد اسطنبولية غير معروفة في مدن عربية أو إسلامية. فطرنا أول يوم من رمضان على ساندويشات شاورما، بلا طعم أو مذاق: "الدونر" التركية غبية، هي صمونة اسفنجية كبيرة، تقبر فيها شرائح قليلة من اللحم، وترفق بحاشية باهتة من الخس، أما الساندويشات السورية فلا يعلى عليها؛ خبز مدور رقيق، من طبقة وأحيانا طبقتين، رقائق من الطماطم، معدودة بدقة على العداد، حتى لا يطغى سلطان طعم على سلطان طعم آخر، تقاسم سلطات صحيح وعادل بين الطعوم. يجري إشمام الخبز بالدهن، ويلفح بقبلات من لسان النار، ويطلى بدهن المايونيز، ثم يكبس بعناية بين يدي النار والفخار، حتى تتعانق الأطعمة وتتبادل العناوين والذكريات.. تركيا ابتكرت الشاورما، كان سيخ اللحم نائماً طوال قرون، مثل فلسفة هيغل التي يقال إنّ ماركس أقامها على قدميها، فأيقظه الأتراك وأقاموه على ساقه الحديد، ليحفظ الدهن من الهدر، فسَاَدَ الشرق والغرب. تركيا اكتشفت الشاورما، لكن سورية هي التي ربته وعلمته وطيّبته.
نوري كردي سوري، ناله ما نال بقية السوريين من أذى الأسد ما لا يوصف في كتاب، لكن نوري ورفاقه وجهوا بغضهم لخصم الأسد، أما هو فبات دكتاتوراً لطيفاً، اسمه "بشاركو"، وهو لقب تحبب كردي، السبب: رشوة إدارة ذاتية. أتعرّف أنّ المؤمنين يدخلون الجنة برشوة من هذه يا نوري؟ رشوة السرِّ تطفئ غضب الرب، ما أعرفه أن الانتخابات التركية نزيهة، الأسد كان نزيهاً من الصدق، ولم يكن يرشو شعبه أبداً سوى بالذل، ويفوز بنسبةٍ لا يفوز بها أحد من العالمين سوى رئيس كوريا الشمالية!
كل ربع ساعة تتوقف الموسيقى الحماسية، ويقول المذيع خطاباً قصيراً، ثم يدعو إلى قراءة الفاتحة. أذّن المؤذن بصوته الشجي العذب على مقام نهاوند، فابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله. الوجبة صغيرة، صحن فلين أبيض صغير من الرز، صمونة صغيرة، ثلاث تمرات حسب السّنة، كأس لبن، قطعتا لحم صغيرتان، لم نشبع يا سبعي. بدأ الناس يغادرون وهم يقرأون الفاتحة. غمزني نوري، وذهب إلى الإدارة في العربة المتنقلة وعاد وهو يحمل كيساً، خال: هذه عشرون وجبة، غنائم. أردوغان احتل وطننا، ومن حقنا بعض الأنفال. عدنا إلى العشّة، أفرغنا الرز في منسف، وطرزنا الهضبة البيضاء باللحم، وأحطنا العروس البيضاء بحرس من التمر، والخضار، وقلاع كؤوس اللبن، انخرطنا في التهام غنائم أردوغان اللذيذة، حتى التخمة، وما بقي أكلناه في السحور. عزم نوري على الصوم يوم غد. في الصباح، تعب عند الظهر، وسألني ما إذا كان سيناله أجر؟ فتواي كانت ابتسامة. أخرج منسف الرز، وبدأ ينتقم من أردوغان.
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر
مقالات أخرى
10 أكتوبر 2024
26 سبتمبر 2024
12 سبتمبر 2024