01 نوفمبر 2024
العرّاب... باقٍ ويتمدّد
لم تعد اليوم مشاهدة فيلم "العراب" لـ فرانسيس فورد كوبولا، ولا حتى المسلسلات المأخوذة عن الرواية والمعروض بعضها في رمضان الحالي، مثيرة للدهشة، كما كان الأمر مع الإطلاق الأول لهذه السلسلة من الأفلام. لم تعد شخصيتا فيتو كورليوني (مارلون براندو) ومايكل كورليوني (آل باتشينو) تحملان ذلك الأثر في النفوس، وخصوصاً بعدما بات الواقع، وواقع السياسة العربية تحديداً، يحمل لنا نماذج تخطت الفيلم بأشواط.
"عرّابون" كثر شهدهم العالم العربي ولا يزال. نماذج حكم الأب والابن والأخ وابن العم في الدول والأحزاب والوزارات، وصولاً إلى الأصهرة. منذ ما قبل الثورات العربية وما بعدها، لا يزال هذا النوع من الحكم قائماً في مفاصل ما يفترض أن تكون جمهوريات تسير على الخطى الديمقراطية، أو تتغنى في فرادتها بالحريات والديمقراطية.
مناسبة الحديث هو ما شهدته بيروت في الساعات الماضية من حراك تحت مسمى "حقوق المسيحيين"، والذي قاده رئيس التيار الوطني الحر، ميشال عون. ليس مهماً النجاح والفشل الذي حدث في هذا الحراك، لكن من المهم الإشارة إلى الخلفيات والأبعاد الشخصية والعائلية فيه، بدءاً من رغبة عون الشخصية في تولي رئاسة الجمهورية، وصولاً إلى قتاله لتعيين صهره في منصب قائد الجيش، مختصراً "حقوق المسيحيين" في نفسه وأقاربه. فلا حقوق ولا قيام لدولة ما لم تكن من ضمن العائلة. هكذا يختصر عون حراكه الذي قام بالأساس على مواجهة الإقطاعيات السياسية في لبنان، وهي كثيرة، فإذا به يتحول هو نفسه إلى إقطاعية عائلية ينضم إلى ما هو موجود. عدوى "العرّاب" تتمدّد. و"آل عون وأصهرته" يسيرون على هدي آل الحريري وجنبلاط والجميل وبري وفرنجية، وغيرها الكثير من العائلات السياسية في البلاد التي ترث الزعامة والتابعين من دون عناء.
لبنان وعرابوه ليس وحيداً في المشهد العربي، الحديث والقديم، وإذا كان المثال السوري هو الأوضح في هذا المجال، بعدما تم تحويل الجمهورية إلى جملوكية إثر وفاة حافظ الأسد ونقل "الملكية" إلى بشار، مع توزيع حصص الدولة على العائلة، فإن هناك نماذج مخفية أيضاً في العديد من الجمهوريات العربية حالياً. نماذج غير مسلط الضوء عليها إلى الآن، رغم أنها تسير على هدي "التوريث السياسي" نفسه القائم في سورية وفي الأحزاب اللبنانية.
على سبيل المثال، لا يبدو أن فكرة التوريث التي كانت قائمة في مصر، ونقل الدولة من الأب حسني مبارك إلى الابن جمال مبارك، انتهت، وخصوصاً مع بروز ملامح توريث أخرى في السلطة الجديدة بزعامة عبد الفتاح السيسي. إلى الآن ليست من الأب للابن، بعدما بات رئيس أركان الجيش محمود حجازي مرافقاً للسيسي في تحركاته، وهو الذي تربطه به علاقة مصاهرة؛ إذ إن ابن السيسي تزوج ابنة حجازي في العام 2010. قد لا تكون عملية التوريث هنا مكتملة المعالم، لكنها تبقى في إطار تعظيم سلطة العائلة، لشد أزر الحكم وتكريس سلطانه.
ليس بعيداً عن مصر، فالجزائر أيضاً تعيش أحد مشاهد "العراب". ففي ظل مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وعدم قدرته على القيام بأدائه كاملاً، هناك رجل في الظل له الكلمة الفصل في البلاد، هو شقيق الرئيس، سعيد بوتفليقة، الذي تتحدث الصحافة الجزائرية عنه على أنه "مستشار في الرئاسة من دون وظيفة رسمية"، فيما يتهمه سياسيون جزائريون بـ "اختطاف البلاد"، وأنه "الرئيس الفعلي".
العائلية السياسية أيضاً في تونس، قبل الثورة وبعدها، رغم التفاوت في حجم ونسبة المشاركة العائلية في الحكم. فبعدما كانت عائلة الطرابلسي مهيمنة على السياسة والاقتصاد، وإثر هروب زين العابدين بن علي، تبرز ملامح عائلية جديدة في السياسة التونسية، منذ تعيين صهر راشد الغنوشي، رفيق عبد السلام، وزيراً للخارجية، وصولاً إلى تزعم نجل الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، تياراً سياسياً، لشق طريقه إلى وراثة الزعامة.
نماذج عربية كثيرة لا مجال لحصرها عن تمدد النفوذ العائلي سياسياً واقتصادياً، لتؤكد أن عقلية "العراب" متجذرة عربياً، قبل الثورات وبعدها.
مناسبة الحديث هو ما شهدته بيروت في الساعات الماضية من حراك تحت مسمى "حقوق المسيحيين"، والذي قاده رئيس التيار الوطني الحر، ميشال عون. ليس مهماً النجاح والفشل الذي حدث في هذا الحراك، لكن من المهم الإشارة إلى الخلفيات والأبعاد الشخصية والعائلية فيه، بدءاً من رغبة عون الشخصية في تولي رئاسة الجمهورية، وصولاً إلى قتاله لتعيين صهره في منصب قائد الجيش، مختصراً "حقوق المسيحيين" في نفسه وأقاربه. فلا حقوق ولا قيام لدولة ما لم تكن من ضمن العائلة. هكذا يختصر عون حراكه الذي قام بالأساس على مواجهة الإقطاعيات السياسية في لبنان، وهي كثيرة، فإذا به يتحول هو نفسه إلى إقطاعية عائلية ينضم إلى ما هو موجود. عدوى "العرّاب" تتمدّد. و"آل عون وأصهرته" يسيرون على هدي آل الحريري وجنبلاط والجميل وبري وفرنجية، وغيرها الكثير من العائلات السياسية في البلاد التي ترث الزعامة والتابعين من دون عناء.
لبنان وعرابوه ليس وحيداً في المشهد العربي، الحديث والقديم، وإذا كان المثال السوري هو الأوضح في هذا المجال، بعدما تم تحويل الجمهورية إلى جملوكية إثر وفاة حافظ الأسد ونقل "الملكية" إلى بشار، مع توزيع حصص الدولة على العائلة، فإن هناك نماذج مخفية أيضاً في العديد من الجمهوريات العربية حالياً. نماذج غير مسلط الضوء عليها إلى الآن، رغم أنها تسير على هدي "التوريث السياسي" نفسه القائم في سورية وفي الأحزاب اللبنانية.
على سبيل المثال، لا يبدو أن فكرة التوريث التي كانت قائمة في مصر، ونقل الدولة من الأب حسني مبارك إلى الابن جمال مبارك، انتهت، وخصوصاً مع بروز ملامح توريث أخرى في السلطة الجديدة بزعامة عبد الفتاح السيسي. إلى الآن ليست من الأب للابن، بعدما بات رئيس أركان الجيش محمود حجازي مرافقاً للسيسي في تحركاته، وهو الذي تربطه به علاقة مصاهرة؛ إذ إن ابن السيسي تزوج ابنة حجازي في العام 2010. قد لا تكون عملية التوريث هنا مكتملة المعالم، لكنها تبقى في إطار تعظيم سلطة العائلة، لشد أزر الحكم وتكريس سلطانه.
ليس بعيداً عن مصر، فالجزائر أيضاً تعيش أحد مشاهد "العراب". ففي ظل مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وعدم قدرته على القيام بأدائه كاملاً، هناك رجل في الظل له الكلمة الفصل في البلاد، هو شقيق الرئيس، سعيد بوتفليقة، الذي تتحدث الصحافة الجزائرية عنه على أنه "مستشار في الرئاسة من دون وظيفة رسمية"، فيما يتهمه سياسيون جزائريون بـ "اختطاف البلاد"، وأنه "الرئيس الفعلي".
العائلية السياسية أيضاً في تونس، قبل الثورة وبعدها، رغم التفاوت في حجم ونسبة المشاركة العائلية في الحكم. فبعدما كانت عائلة الطرابلسي مهيمنة على السياسة والاقتصاد، وإثر هروب زين العابدين بن علي، تبرز ملامح عائلية جديدة في السياسة التونسية، منذ تعيين صهر راشد الغنوشي، رفيق عبد السلام، وزيراً للخارجية، وصولاً إلى تزعم نجل الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، تياراً سياسياً، لشق طريقه إلى وراثة الزعامة.
نماذج عربية كثيرة لا مجال لحصرها عن تمدد النفوذ العائلي سياسياً واقتصادياً، لتؤكد أن عقلية "العراب" متجذرة عربياً، قبل الثورات وبعدها.