الجنرال يلعب على كل الحبال

03 ابريل 2015
+ الخط -

من "تحيا مصر" إلى "تحيا الأمة العربية"، قفز جنرال المواقف المتغيرة، والمبادئ المتبدلة، بسرعة البرق، لمناسبة انعقاد القمة العربية في شرم الشيخ، إذ حاول عبد الفتاح السيسي أن يظهر للحضور أن "عاصفة الحزم" في اليمن هي حلمه الرومانسي، والدور الذي كان يبحث عنه، حتى وجده أخيرا.
وما هي إلا أيام، أو ساعات، أعقبت انفضاض المؤتمر، حتى عادت ميكروفونات السيسي تنعق بالتسفيه والسخرية من عملية "عاصفة الحزم" ضد الانقلاب الحوثي، وسمعنا عجبا ورأينا قبحا يتناثر عبر الشاشات، يعبر عن عقيدة نظام يتعاطى مع العالم بمنطق عمال الأجرة اليومية، الذين يشتهرون في مصر باسم "عمال التراحيل" الذين يشتغلون، كل يوم، في حرفة مختلفة، يحركهم هدف واحد، هو العودة، في نهاية اليوم، بمبلغ من المال.. قد يعمل هؤلاء يوماً في بناء دار عبادة، وفي اليوم التالي، ربما يشتغلون في تنظيف ملهى ليلي، أو صالة ألعاب.
هؤلاء الكادحون جديرون بالاحترام، لأنهم يسعون على رزقهم بأي شكل، من دون طنين بشعارات كبيرة، أو كلام فخم عن ريادة العالم، حضارياً وسياسياً وعسكرياً.
في شرم الشيخ، كان السيسي "عاصفيا حزميا" حتى الثمالة، فقال نصا "وليس أكثر إلحاحا اليوم، ولا أشد تجسيدا للمدى الذي بلغته تلك التحديات من الأوضاع في اليمن، حيث وصلت إلى حد النيل من أمننا المشترك، وليس المساس به فحسب، فما بين استقواء فئة بالسلاح وبالترويع لنقض شرعية التوافق والحوار، وبين انتهازية حفنة أخرى طامعة للاستئثار باليمن وإقصاء باقي أبنائه، وبين تدخلات خارجية تستغل ما أصاب اليمن لنشر عدواها في الجسم العربي، فشلت مساعي استئناف الحوار، وذهبت أدراج الرياح كل دعوات تجنب الانزلاق إلى الصراع المُسلح، فكان محتماً أن يكون هناك تحرك عربي حازم، تشارك فيه مصر من خلال ائتلاف يجمع بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول عربية وأطراف دولية، بهدف الحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه ومصالح شعبه الشقيق ووحدته الوطنية وهويته العربية، وحتى تتمكن الدولة من بسط سيطرتها على كامل الأراضي اليمنية واستعادة أمنها واستقرارها"
كلام جميل، ومنمق، من السيسي، يشي بأن الجنرال يشارك في جلسات القمة بعض الوقت، ثم يهرع لغرفة العمليات العسكرية لمتابعة تحركات قواته، جوا وبحرا وبرا، كما حاولت ترسانته الإعلامية تصوير الأمر، غير أن مجريات الأحداث كشفت، لاحقاً، أن الموقف المصري من "عاصفة الحزم" ليس صادراً عن ذلك الإيمان العميق بالقومية العربية، والدفاع عن الشرعية، بصرف النظر عن كونه نظاما غير شرعي، بل يأتي على طريقة "كذابي الزفة" الذين يخال لمن يشاهدهم أنهم أصحاب الفرح، ثم يصدمه أنهم جاءوا، فقط، من أجل وجبة دسمة، تشتمل على الأرز بالطبع.
في لقائه بالندوة التثقيفية للقوات المسلحة، أخيراً، يحرك السيسي المؤشر، مغادراً "تحيا الأمة العربية" إلى "تحيا مصر" مرة أخرى، ليعلن موقفاً آخر "نداء لكل أطراف الأزمة في اليمن مراجعة أنفسهم". هنا، لم يعد السيسي طرفاً في تدخل، وصفه هو شخصيا بالمحتم، لردع انتهازية ما أسماها "الحفنة الانتهازية الطامعة". هنا، يقف السيسي على مسافة واحدة من الانتهازيين والإقصائيين، والضحايا من جهة أخرى.
ثم يزيد "جيش مصر لمصر فقط"، هنا يرتدي السيسي وجه أنور السادات "مصر أولا وفقط"، ويخلع عباءة عبد الناصر، "تحيا الأمة العربية ووحدتها"، ويسكت الكلام عن أنه مضى العهد الذي يكون فيه الأشقاء العرب مهددين، ولديهم جيش مصري تذوب تحت أقدامه المسافات، ويصل بأسرع مما يتخيل أحد.
يقف الجنرال في تلك الزاوية الصغيرة على مسرح الأحداث، يلعب بكل الأوراق، وعلى كل الحبال، من الود مع الحوثي، إلى ركوب العاصفة، ثم الوقوف في المنتصف.. من الانبطاح التام أمام شلالات الأرز، إلى التطاوس الكاذب على إيقاعات "الكبير كبير ومصر قد قد الدنيا"
مصر فعلا كبيرة.. من دونكم.

 

 

 

وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة