هل يفوز العالم في السباق المناخي؟

هل يفوز العالم في السباق المناخي؟

30 يونيو 2023
+ الخط -

قال أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في سبتمبر/ أيلول الماضي، إن "حالة الطوارئ المناخية هي سباق نحن نخسره حاليًا، ولكنه سباق يمكننا الفوز به". ويلتقي مبعوث الولايات المتحدة الخاص بالمناخ، جون كيري، مع تخوّف غوتيريس، بشأن تحديد الأزمة الدولية القاتلة، عندما قال في مقابلة مع وكالة فرانس برس، في 6 يونيو/ حزيران الجاري في أوسلو، إن "اتخاذ إجراءات في مجال مكافحة التغير المناخي والانبعاثات سيجعلنا نعيش في عالم أنظف وأكثر أمانًا وصحة، وهذا يصبّ في مصلحة الجميع". وأشار إلى وفاة 15 مليون إنسان سنويًا بسبب تداعيات الهواء الملوث الذي يصدر عن الانبعاثات الكربونية، ومكافحة الانبعاثات بحسبه ستخفّف حتمًا من ذلك الرقم. ولكن: كيف السبيل للتوصل إلى الخفض من نسبة تلك الانبعاثات، في ظلّ عالم متشظي الأهداف يشهد على هول حروب لا تنتهي؟ هل سيستطيع الفوز في السباق؟ نيّة العالم في الفوز بالسباق موجودة، إذ لا أحد يريد أن ينتصر شبح الموت الذي يخيّم على الكرة الأرضية بسبب ازدياد نسبة التلوث المقلقة، إلا أن الأحداث التي تحيط بعالمنا ستجعل الفوز في السباق حلمًا بعيد المنال.

كشف تقرير نشرته وكالة البيئة النرويجية في 9 يونيو/ حزيران الجاري، أن عدد سكان الأرض تجاوز، منذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، رسميًا، ثمانية مليارات، أي ارتفع العدد بمعدّل ثلاثة أضعاف ما كان عليه في عام 1950. وفيما تهدّد احتياجات الغذاء والطاقة موارد الكوكب ومناخه، يُنتظر أن يقترب العدد من عشرة مليارات نسمة (9,7 مليارات) في منتصف القرن، وفق توقّعات الأمم المتحدة.

ليس النمو السكاني العالمي مستدامًا مع توقّع بلوغ عدد البشر عشرة مليارات عام 2050، بحسب كيري، الذي رفض العمل للحدّ من الزيادة السكانية الحاصلة، في الوقت نفسه، رفض مطالبة مواطنيه بتقليل تناول شرائح اللحم المسبّبة للانبعاثات الملوثة. إذ يوضح، في مقابلته عن الرابط بين الزيادة السكانية ورفع نسبة الانبعاثات الملوثة، أنه بمجرد إطعام ثمانية مليارات شخص حاليًا يولد أكثر من ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المسؤولة عن تغير المناخ: 40% بسبب تربية الماشية ونفايات الطعام، والباقي مرتبط بإنتاج الأرز واستخدام الأسمدة وتحويل الأراضي وإزالة الغابات.

لا أحد يريد أن ينتصر شبح الموت الذي يخيّم على الكرة الأرضية بسبب ازدياد نسبة التلوث المقلقة، إلا أن الأحداث التي تحيط بعالمنا ستجعل الفوز في السباق حلمًا بعيد المنال

قد لا يتّجه كيري بدعوته إلى طلب خفض نسبة المواليد عبر العالم، لكنه، في الوقت نفسه، لا يدعو الناس إلى التوقّف عن تناول الشرائح المسببة للانبعاثات. كيف لا، و"المعادلة الطردية" بين عدد السكان ورفع نسبة أرباح الشركات العالمية سياسة معتمدة بعد الحرب العالمية الثانية. تلك الشركات التي نمت مع دخول البشرية في نظام العولمة، حيث تعتبر اليوم واحدة من القوى الفاعلة في هذا النظام. وذلك بينما توجّه البشرية أنظارها إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا، وما يترافق معها من انعكاسات خطيرة على مختلف الصعد، تحديدًا الأمن الغذائي. وفي حين تزداد التوتّرات على أكثر من ساحة دولية منذرة بتوسّع الحروب، على سبيل المثال تلك الاستفزازات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة على جزيرة تايوان، فإن هذا الأمر يفسّره كثيرون بأن الحرب باتت أقرب من المنتظر.

وسط حالة من الفوضى التي تسيطر على المشهدية الدولية، تبرز أزمة التغير المناخي كإحدى أزمات العالم القاتلة، حيث يعيش العالم اليوم أزمةً على صعيد التلوث المناخي، سيما في ما يتعلق بارتفاع درجة حرارة الأرض بنحو 1.2 درجة مئوية منذ حقبة ما قبل الصناعة، ما يترك مجالًا ضئيلًا للغاية لتحقيق هدف اتفاقية باريس المتمثلة في الحدّ من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية.

تبرز أزمة التغير المناخي كإحدى أزمات العالم القاتلة

بالعودة إلى غوتيريس وقوله إن "السباق نخسره حاليًا"، ذلك لأنه يدرك أن العلاقات المتوترة بين الدول الكبرى ستحول دون التعاون بينها لمعالجة موضوع التغير المناخي، فقد علّقت الصين في أغسطس/ آب الماضي تعاونها مع الولايات المتحدة في مجال التغير المناخي، في خطوةٍ يأمل الخبراء أن تكون مؤقتة بين البلدين الأكثر توليدًا للانبعاثات، لتفادي انعكاساتها السلبية على العالم أجمع.

يسارع العالم الخطوات نحو "سباق التسلح" وسط ارتفاع التقديرات بالذهاب نحو "حربٍ عالمية ثالثة". هذا ما قد يعكس نيّة المسؤولين بمزيد من الحروب غير التقليدية، في مقدمتها امتلاك الأسلحة البيولوجية. وأمام تعطيل لغة "الحوار والتلاقي" بين الحضارات، وسط عالم يعيش حالة من الغليان وفي ظلّ القطيعة التي تفرضها الدول الكبرى بين بعضها البعض، سيتأخر حتمًا فريق العالم من الجري مسرعًا لتحقيق الفوز في السباق والوصول إلى النهاية التي افترضها غوتيريس. بينما العكس هو الحاصل اليوم، حيث يزداد التلوث ويتسارع انتشاره، ويأخذ أشكالًا مختلفة تؤدي إلى انعكاسات سلبية على العالم، فحرائق غابات كندا أخيرا، والتي أرجعها رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، إلى تغير المناخ، مثال على ما يحدث في عالمنا.

عذرًا، سيّد غوتيريس، لن يكون المستقبل أفضل من اليوم، وسط عالم منقسم على نفسه، لا يأبه إلا لتحقيق أرباح شركاته، وهو مستعد لتدمير أي شيء للوصول إلى مبتغاه، وما هو حاصل اليوم خير دليل على أننا سنخسر السباق والحياة أيضًا.

B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
B3845DCD-936C-4393-BC7F-0B57226AC297
جيرار ديب
كاتب وأستاذ جامعي لبناني
جيرار ديب