مسمّيات عبقرية... أسماء على مسمّى

مسمّيات عبقرية... أسماء على مسمّى

23 سبتمبر 2023
+ الخط -

بكل فخر، أعلن المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، بدء مخطّط تطوير حديقة الحيوانات الشهيرة في محافظة الجيزة، متضمّناً تغيير اسمها لتصبح "جنينة الحيوانات!". قد يتساءل القارئ، البريء أو المغرض لا فرق، عن الفارق بين كلمتي حديقة وجنينة، لكن المتابع لمجريات الأحداث في مصر لن يندهش أو يطرح مثل هذه التساؤلات، لأن هذه التسميات العبقرية أمرٌ مكرّر.

ففي إبريل/نيسان الماضي، قرّرت شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير تغيير اسمها إلى مدينة مصر، وذلك "تجسيداً للقيم المتمثلة في التميُّز والنمو والابتكار"، على حد قول بيان أصدرته الشركة حينذاك!. وبالطبع، لا حاجة إلى السؤال عن سبب هذا التغيير، ولماذا أصبح اسم الشركة مدينة مصر بدلاً من الاكتفاء باسم مصر؟ وما علاقة قيم "التميّز والنموّ والابتكار" بالاسم الجديد؟ فما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ويكاد المرء يجزم أن أحداً في الشركة، أو في غيرها من المؤسّسات المصرية، لا يعلم سبب أي قرار يُتّخذ أو سياسة تُتبع.

ولكن بتتبّع سوابق المسؤولين المصريين في إطلاق الأسماء ونحت المصطلحات، نجد أن هناك سياسة شبه ثابتة، هي عدم التفكير مطلقاً في أسماء! بل اعتماد الاسم الذي يعبر عن الوظيفة مباشرة، من دون تكبّد عناء إعمال العقل، وذلك بدءاً من "العاصمة الإدارية الجديدة"، التي فتحت الباب لمثل هذا النوع من التسميات، فالمتابع لا بد أن يُصاب بالحيرة، بسبب عدم اعتماد اسم محدّد للمدينة، واستمرار المسؤولين في استخدام هذا الاسم الطويل. وقد يكون القرار مؤجّلاً حتى افتتاحها المرتقب بعد أشهر، وربما نجد اسماً جديداً لا يقلّ روعة وعبقرية عن "العاصمة الإدارية الجديدة"!

نجد التفكير نفسه حتى في المجالات غير السياسية، فالشركة المختصّة بتطوير الملاعب اسمها "استادات"، والتطبيق المخصّص لحجز التذاكر اسمه "تذكرتي"، والمؤسّسة التي تضطلع بتقديم خدمات تطوير ورفع كفاءة المساجد وتشغيلها أُطلق عليها اسم "مساجد"، والشركة التي ستتولى تطوير حديقة الحيوان، عفواً جنينة الحيوانات، اسمها "حدائق".

لا يسع المتابع إلا أن يدعو الله ألا تتدهور الأوضاع في مصر، وألا تشهد "القفزة الهائلة إلى الأمام"

 

جانب آخر من خطط المسؤولين العبقرية، إطلاق أسماء أجنبية على مؤسّسات، لمحاولة إخفاء ملكيتها الحقيقية. من ذلك إنشاء فريق رياضي للمشاركة في بطولة الدوري، تحت اسم "فيوتشر"، بمعنى "مستقبل"، حتى لا ينتبه أحد إلى أن النادي مملوك لقيادات من حزب "مستقبل وطن" الموالي للنظام والمسيطر على مجلس النواب، وهو ما جعل بعضهم يسخر من هذه الفكرة، مطلقين على النادي اسم "فيوتشر وطن".

وكانت هناك محاولة لتغيير اسم مدينة سانت كاترين في شبه جزيرة سيناء لتصبح "التجلي الأعظم". كان هذا القرار إن اتخذ سيمثل كارثة محقّقة على السياحة في مصر، لأن سانت كاترين هو الاسم الذي تعرف به المنطقة منذ القدم، وهو الذي منحها شهرتها العالمية، لكن يبدو أن المسؤول العبقري الذي كان وراء الأسماء السابقة كان يريد أن تمتدّ عبقريته إلى هذه المدينة كذلك، قبل أن تنفي الحكومة نيّتها تغيير الاسم، متّهمة مواقع التواصل الاجتماعي كالعادة بالمسؤولية عن إطلاق "الشائعة"، رغم أن الخبر نشر في مواقع إخبارية مملوكة للدولة، ولا يُتصوّر أن يكون قد نشر بدون علم أو موافقة رسمية. لكن يبدو أن ردات الفعل أجبرتهم على التراجع وعدم تغيير الاسم، والاكتفاء بالتخريب في أماكن أخرى.

وفي الاقتصاد، حدّث ولا حرج عن محاولة إخفاء النتائج الكارثية للسياسات الرسمية خلال الأعوام الماضية، عبر اختراع (وتسويق) مصطلحات جذابة لا تعبر عن حقيقة الأوضاع، فقد برّرت وزارة التموين، على سبيل المثال، زيادة أسعار السلع التموينية قائلة إن ما حدث "تصحيح للأسعار وليس زيادة سعرية". أما وزير التموين نفسه، فقد استخدم مصطلح "تعديل أسعار الكهرباء" في إطار حديثه عن زيادتها. ويبشّر وزير المالية المصريين، من آن إلى آخر، بقدوم "استثمارات" جديدة في سندات الخزانة المصرية وأذونها، بدلاً من استخدام الاسم الحقيقي لتلك "الاستثمارات"، أي الديون. أما القروض، فتسمّى، وفقاً لهذا المنهج الجديد، "تمويلاً"، أو "حزم تمويلية"، وكأن الجهات التي تمنح تلك القروض تعمل لوجه الله ولا تبغي جزاء ولا شكوراً، أو كأنها لن تحصلها بفوائدها أضعافاً مضاعفة. ونظراً إلى أن الجنيه المصري سيشهد مزيداً من الانخفاض في قيمته، سنجد استخداماً مكثّفاً لمصطلح "التعويم" عند الحديث عن هذا التخفيض المرتقب. وفي النهاية، لا يسع المتابع إلا أن يدعو الله ألا تتدهور الأوضاع في مصر، وألا تشهد "القفزة الهائلة إلى الأمام" التي حدثت في الصين خلال عهد ماو تسي تونغ. ونترك للقارئ مهمة البحث عن معنى هذا المصطلح "الجذاب" وحقيقته.

D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.