لبنان نحو الانهيار

لبنان نحو الانهيار

24 ابريل 2024
+ الخط -

لم تتراجع كثيراً مخاطر التصعيد ونشوب صراع آخر في الشرق الأوسط في لعبة الردود بين إيران وإسرائيل، واحتمال أن تثير حرب غزّة حرباً أوسع، حيث انتقل العالم في ليلة المسيّرات باتجاه الأراضي المحتلة من الرؤية الملتزمة بالسلام العادل والتعاطفات الكبيرة مع القضية الفلسطينية، بتأثير السياق السياسي والأمني لحرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل، إلى حيث متغيّرات معادلة العلاقات بين إيران وإسرائيل، وما ينظر إليه الغرب على أنه بات تهديداً وجودياً للكيان المحتل.

أحدث الرد الإيراني و"استعراض القوة" خروجاً من حرب الظل الدائرة بين الجانبين تفاعلات كبيرة، أشعلت حمّى الاتصالات الدولية من أجل التوصل إلى هدنة في قطاع غزّة، مرفقة بالتهديد الإسرائيلي باجتياح رفح، واستمرار القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية الى غزّة، وارتفاع حدّة المواجهات في الضفة الغربية وعلى الجبهة الشمالية مع لبنان. ويعكس ذلك رغبة إسرائيل في تعزيز أمنها وتأمين حدودها، في ظل التهديدات التي تواجهها من مختلف الجهات، بما في ذلك تعزيز بناء التحالفات الإقليمية والدولية، وبهدف تعزيز مكانتها المتآكلة وتأثيرها في المنطقة وخارجها.

في المقابل، يمكن أن يكون للسياسات والتحرّكات الإيرانية وتحركات شركائها تأثير كبير على الديناميكيات الإقليمية والدولية. وقد يدفع ذلك إسرائيل إلى تبنّي استراتيجيات معينة للتصدّي لهذه التحدّيات، وتتعزّز المخاوف من اتساع رقعة العمليات الحربية، ووضع لبنان والمنطقة على مفترق طرق في إطار إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية.

يمكن أن يكون للسياسات والتحرّكات الإيرانية وتحركات شركائها تأثير كبير على الديناميكيات الإقليمية والدولية

في هذه الأثناء، كان من المنتظر أن يبادر حزب الله إلى التهدئة لتحاشي الممارسات الإسرائيلية العدوانية، ترجمة للرسالة التي حملها الوسيط رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش جوزف عون إلى باريس، بحيث يتم التقدّم خطوة في تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701، كنتيجة سياسية لطلب ميقاتي من المجتمع الدولي مساعدة لبنان في مجالات عديدة، ومن فرنسا والقوى الدولية استخدام نفوذها لإقناع مختلف التيارات اللبنانية بانتخاب رئيس للبلاد يحظى بقبول جميع الأطراف من أجل طيّ صفحة الفراغ السياسي، والوصول إلى سلّة متكاملة، يدعى حزب الله إلى مناقشتها، تفضي إلى استقرار أمني وسياسي واقتصادي في لبنان.

رفض الحزب مناقشة الأجوبة الفرنسية (بموافقة أميركية)، مع انتقادات وجّهها إلى مقترحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي تتقاطع مع طروحات اللجنة الخماسية "فصل الوضع اللبناني عن الوضع في غزّة". وصعّد الحزب من تهديداته وأعماله العسكرية مع "كتائب القسام" في الجنوب، بالتوازي مع استئناف الحشد الشعبي عملياته في العراق عقب عودة السوداني، رفضاً لأي غطاء أميركي تتكشف عنه زيارته الأخيرة إلى واشنطن.

تظهر هذه الديناميكيات التنافس السياسي والأمني في المنطقة. ويمكن للطرفين الإيراني والإسرائيلي أن يتفاخرا بالنتائج العسكرية والسياسية بأبعاد دولية، علماً أن الرد الإسرائيلي كان ليستهدف مبنى وزارة الدفاع في طهران بفعل الغطرسة الإسرائيلية، واقتصر (منعاً لمناكفة الحلفاء) على ضرب منطقة حساسية في أصفهان.

حزب الله في جنوب لبنان بات يحلّ محل دولة فاشلة، ويهدّد بحرب واسعة

حزب الله في جنوب لبنان بات يحلّ محل دولة فاشلة، ويهدّد بحرب واسعة، هل يصعد ليتناقش مع الإيرانيين، أم مع الإسرائيلي والأميركي ومحاذرة الحرب الفعلية؟ أم هو الخوف من الوضع الداخلي في لبنان "كتيبة إسرائيلية في البلد" (نواف الموسوي)، أم هو انعدام الرؤية الاستراتيجية عند اللبنانيين والحزب معاً. وأي تصعيد قد يتسبّب بتداعيات خطرة على السكان المدنيين (نحو مئتي ألف نازح)، ويأخذ البلد إلى الدمار الشامل مع استمرار التهديدات الإسرائيلية، سيما عندما تنتهي الحرب الوحشيّة على غزّة، وتقترب ساعة الحسم على الحدود مع لبنان.

مقدار كبير من القلق والمخاوف والحذر من الدور السياسي والعسكري لحزب الله، موضوع استقطاب وانقسام، وهو يتعرض لانتقادات داخلية وخارجية تجاه المسائل التي يريدها محجوزة له في مجتمع متنوّع وديمقراطي، وهو يريد أن يكون مجلس الإدارة في كل شيء. وبتأثير سلبي على الاستقرار الوطني، وعرقلة الجهود المبذولة للإنقاذ. فيفقد لبنان المزيد من العلاقات الدولية، ويعرّضه للعقوبات والعزل السياسي والتدهور في علاقاته التجارية والاقتصادية. ومن الضروري النظر بعناية في الآثار المحتملة لأي تحرك أو قرار يتخذه الحزب، أو أي جهة أخرى في لبنان، فقد تكون التعقيدات العسكرية كبيرة للغاية أمام التقدم التكنولوجي العسكري الأميركي - الإسرائيلي، والاصطفاف الأميركي - الغربي بمواجهة تهديد إيراني وروسي متعدّد الوجوه.

وجد الحزب في حرب غزّة منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي فرصة حقيقية للتضامن مع حركة حماس من خلال الصواريخ والقذائف التي تطلق من جنوب البلاد. أي ردّ، باستخدام الوسيلة نفسها "رقصة مشفّرة "، حيث كان الطرفان المتحاربان يسعيان الى عدم التمادي في مخاطر الانزلاق خلف المبارزة بالمدفعية على طول الحدود.

فرصة أخرى ألا يكون هو المستهدف بعد الغارة الجوية الإسرائيلية على القسم القنصلي في دمشق، وبأن يتخلى جزئياً عن صفة شريك المواجهة بالوكالة، ويقرأ في تكاليف المواجهة بوصفه طرفاً ثالثاً، بانتظار ما ستصل إليه مرحلة ما بعد الحرب. فتطرح القضايا السياسية بشأن حركة حماس والقضية الفلسطينية، مع السعي إلى محاصرة التطرّف في الحكومة الإسرائيلية اليمينية والضغط لتسوية الدولتين، وحيث تستمر الأخيرة في ممارسات التنكيل برفح والضفة الغربية وتصعد في حجم عملياتها ضد حزب الله وإضعافه في لبنان وسورية، وإشهار تفوقها العسكري في الشرق الأوسط.

يخشى اللبنانيون من حساسيّة حزب الله ومن نزعة عنف في مناقشة الأوضاع الداخلية

حزب الله في حرب استنزاف طويلة، رغم التهديدات التي ترتفع وتتراجع حيناً، لمجرد الاستفزاز، ليس بهدف اختراق، أو مشروع آخر. ذلك أن إيران قادته مع شبكة من المليشيات العربية لفرض مكاسبها والحفاظ عليها كقوة إقليمية عظمى، ويمثل الحزب كل شيء في خدمة إيران بين الأحزاب التي تضم الروابط الدينية والسياسية والعقائدية.

يخشى اللبنانيون من حساسيّة الحزب ومن نزعة عنف في مناقشة الأوضاع الداخلية، وسوف تنسب المسؤولية إليه حين تتعطل كل المسارات لانتخاب رئيس للجمهورية، وللإتيان بمواصفات حكم يعتمد عليه في إجراء إصلاحات هيكليّة، أو انفجار الوضع الأمني، الذي يشهد اهتزازات مناطقية بسبب النزوح السوري، وما يثيره من أعمال انتقامية وعنصرية تعيد تشكيل صورة حرب أهلية (باسكال سليمان)، إلى تعطيل استحقاقات امتحانات رسمية وانتخابات بلدية ووقائع تجارية واقتصادية كمخزون النفط والقمح والمواد الغذائية والأدوية على صورة الانهيار التام. الأكثر من ذلك أن أولوية الحزب في النظام الإيراني ليست الدفاع عن "حماس"، أو حتى القضية الفلسطينية بشكل عام. إيران منشغلة بتطور مشروعها النووي العسكري الذي سيشكل ضمانة لبقائها الأبدي.

إيران في معادلة العلاقة مع" النظام الشرير في إسرائيل" لا تدري ما إذا كانت ارتكبت خطأ أم لا في مرحلة الحروب "المنظمّة"، والأميركي يمسك العصا من الوسط، ويضغط للعودة إلى ما قبل عملية القنصلية الإيرانية في دمشق، ومتابعة المفاوضات بشأن حرب غزّة وجنوب لبنان. هذا خلاف وتحوّل عقائدي على حساب الطرف الفلسطيني، الذي تخلى العالم عنه وعن نضال بطولي لا مثيل له، وسط انعدام الرؤية السياسية والاقتصار على البعد الأمني في مقاربة كل ما يخصّه، وكل ما يحتاجه وقف الحرب وزوال الاحتلال. من دون ذلك لا معنى لشيء.

يقظان التقي
يقظان التقي
إعلامي وأكاديمي ومترجم لبناني، له عدد من الكتب، دكتوراة في الدبلوماسية والعلاقات الدولية.