حفلة تعرٍّ دولية

حفلة تعرٍّ دولية

28 مارس 2024
+ الخط -

ليس الوقت صيفاً، ليس وقت سباحة، ليس حفلة عرضٍ لزيّ الإمبراطور الجديد، ليس عرضاً لكمال الأجسام، ليس سعياً وراء فيتامين دال ولا فيتامين قاف، لكن أميركا وربيبتها عاريتان. سقط النصيف ولم تتق أميركا الإجماع الدولي والعالمي باليد، فهي وحدها في مواجهة العالم برهان ذلك التصويت في مجلس الأمن، عارية من غير بلاج، عارية من غير ورقة توتٍ أو صنوبر، فالناس تجد صعوبة في تبرير التجويع والقتل، الحجّة التي تساق هي هجوم 7 أكتوبر، التي صارت خطيئة أولى، خطيئة أصلية.

يدهشك إعلام دول القانون الدولي بالأجوبة التسويغية المبرّرة للقتل، التي لا تخطر إلا على بال الشيطان، كقول الناطق باسم الاحتلال في قتل الشابّين الغزّيين، وكان أحدهما يجرُّ درّاجة، بأنهم اشتهبوا في حمله رشاشًا.

الفرق بين الحق والباطل كالفرق بين الدرّاجة والمدفع، لكنهم لم يعتذروا عن جريمة قصف الشباب الأربعة والتي روّعت الساسة، وماتوا عرايا من دون درّاجات، والوقائع الفردية تؤثر في الناس أكثر من القتل الجماعي، و"الشرّ خيرٌ إذا كان مشتركاً". انتشرت صورة لمئات الأطباء والممرّضين والمرضى عراة من غير درّاجات.

يبدو أنهم يحبون رؤية ضحاياهم عراة، شأن كل الطغاة. انتشر بالأمس فيديو لجنود اقتحموا محلًا في الخليل، فوجدوا طفلًا يرتدي قميصًا عليه صورة بندقية، فأمروه بأن يتعرّى وقدّوه من قُبل ومن دُبر، وصفعه أحدهم، وخرجوا منتصرين، ثم عادوا وصادروا وثائق الكاميرا، فالاحتلال والطغاة يأنسون بالأثر: إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا. ... الاستتار بالأكاذيب ومصادرة الكاميرات، ومولدات الدخان، وقتل الصحافيين، وأقرباء الصحافيين.

أغلب الظن أن غزة المصلوبة تقدّم منذ ستة أشهر آية للعالمين، لكن ثمة عار آخر، فقد اضطرت القوى العالمية، في مقدمتها أميركا ووصيفاتها إلى خلع ثيابها المزركشة ومعاطفها المكشكشة، ووقعت في حيرةٍ من أمرها، عجزًا منها عن تبرير كل هذه الجرائم، وتجاوزا للقوانين الدولية والإنسانية. ولو ذكرنا استنكارات المنظمات العالمية لطال المطال وطال وطوّل. مؤسّسات دولية؛ مثل العفو الدولية، ومؤسّسات الأمم المتحدة الكثيرة، الفاو، الصحة العالمية، منظمة الغذاء العالمية، لبلغت دفترا، حتى أنَّ الأمين العام للأمم المتحدة، غوتيريس، ظهر مسكيناً ويتيماً وأسيراً، وهو يرجو ويتوسّل ويتضرّع إلى العالم بالضغط على إسرائيل لإدخال الغذاء إلى شعب محاصر يأكل الأعشاب ويسفّ التراب. بحّت حنجرة المتهم بمعاداة السامية، وهو يستغيث بأنَّ الوقت قد حان لإدخال المساعدات (وفي ذيله سبع لفّات)، وذهب إلى معبر رفح، وجمع الصحافة، وخطب، لكن حاله كحال دعبل الخداعي، (وما أَكثَرَ الناسَ لا بَل ما أَقَلَّهُمُ/ اللَهُ يَعلَمُ أَنّي لَم أَقُل فَنَدا/ إِنّي لَأَفتَحُ عَيني حينَ أَفتَحُها/ عَلى كَثيرٍ وَلَكِن لا أَرى أَحَدا).

دخل الامبراطور الحفلة عارياً موهوماً، بأنه يلبس أفضل أزياء العالم، في الحكاية الشهيرة. أما إسرائيل وماما أميركا فقد دخلتا الحفلة وهما ترتديان أجمل الأزياء العالمية؛ فستان التقدّم، تنّورة الإنسانية، باروكة الديمقراطية، توشية العدالة الدولية، لكن غزّة صاحت: الملك عريان.

الحديث عن العري يستدعي الحديث عن العين، وعن الكاميرا، فقد قصفت أميركا مكتبي الجزيرة في كابول وفي بغداد. ناهز عدد الصحفيين الشهداء في غزّة 136. حارَ قابيل كيف يواري سوأة أخيه، وكان يواري سوأته هو، فرائحة الجثة ستؤذيه وتذكّره بجرمه. المجرمون و(المساكين) أتقياء يمشون بجانب الحائط ويقولون يا رب السترة، فسبحان من جمع الشتيتين!

ذُعر الجند الذين يرتدون الحلل العسكرية المدرّعة من رسمة بندقية، فنزعوا قميص الولد ومزّقوه، سيقول قائل: إنهم أفضل من جند بشّار الأسد، فقد اكتفوا بتمزيق القميص وصفعةٍ وديّة، وإنَّ الطفل حيٌّ يرزق، وإنه كان درساً تجنّب العنف، الدولة كما تعلمون تحتكر العنف والبنادق والقمصان والدرّاجات.

تسعى بعض الدول التي يرتدي حكّامها أزياء أنيقة، لكنهم عراة من تحت جلودهم إلى ستر عوراتهم بالدعوة إلى وقف إطلاق النار في شهر رمضان، أو ما بقي منه، وإدخال المساعدات في ليلة القدر لقتل الناس جياعا أو بالطعام الفاسد أو بصناديق الطعام الساقط من غير مظللات!

أما آن لعيد المساخر الدولي أن ينتهي!

683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."