أميركا وإيران… "تصعيد الضرورة"

أميركا وإيران… "تصعيد الضرورة"

20 اغسطس 2023
+ الخط -

لا يبدو أن الاتفاق الأميركي الإيراني، والذي تم برعاية قطرية قبل أيام، على تبادل السجناء، والإفراج عن بعض الأصول الإيرانية، سينعكس إيجاباً على مسار العلاقات الثنائية، وسيقود إلى العودة إلى مسار المفاوضات على إحياء الاتفاق النووي، في ظل التعقيدات الداخلية الأميركية واقتراب الانتخابات الرئاسية، والتي تعدّ إيران من ملفّاتها الأساسية في ما يخصّ السياسة الخارجية، وهو ما كانت تدركه إدارة الرئيس بايدن منذ اليوم الأول، إلا أنها فشلت في تحقيق إنجازٍ في هذا المجال خلال السنوات الثلاث الماضية، ومن غير المرجّح أن تصل إلى نتيجة أيضاً في ما تبقّى من الولاية الرئاسية. فلم تكد تمضي أيام على الاتفاق المعلن أخيرا، والذي أعطى انطباعات بمهادنة في الملف الإيراني، حتى عادت أجواء التوتر العسكري بين الطرفين في مياه الخليج العربي، إذ عزّزت القوات الأميركية في الأيام الماضية وجودها العسكري، وعبر ثلاثة آلاف جندي أميركي مياه البحر الأحمر باتجاه القواعد الأميركية في الخليج، في وقتٍ حذّرت القوات الدولية المشتركة التي تقودها الولايات المتحدة السفن التجارية والناقلات من الاقتراب من المياه الإيرانية. الذريعة الأميركية لهذا التعزيز هي منع تهريب النفط الإيراني عبر مضيق هرمز والحدّ من عمليات احتجاز السفن التي ازدادت أخيرا هناك.

هذه التعزيزات الأميركية قابلتها تصريحاتٌ إيرانية ترفع سقف التحدّي في مياه الخليج، إذ خرج قائد بحرية الحرس الثوري الإيراني، العميد علي رضا تنغسيري، بأقوالٍ تؤكّد أن الحرس الثوري "يسيطر" على الخليج، مشيراً إلى أن السفن والقطع البحرية الأميركية "ترضخ لقوانيننا" خلال عبورها، مضيفاً أن "دول الناتو لم تكن تحترم قوانين ممرّنا المائي، لكنها اليوم ترضخ لتحذيراتنا. وعلى سبيل المثال، توجهت زوارق الحرس السريعة ذات مرّة نحو حاملة طائرات أميركية، وأجبرتها على الهروب إلى مسافة 180 ميلاً".

التعزيزات الأميركية والتحدّيات الإيرانية تنبئ بأن مرحلة جديدة من التسخين في طريقها إلى الملفّ النووي الإيراني، خصوصاً مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الأميركي، وسقوط رهان بايدن على الوصول إلى اتفاقٍ مع طهران مع نهاية ولايته، الأمر الذي يبدو أنه يدفع الإدارة الأميركية إلى سلوكٍ آخر لدفع الاتهامات التي كانت توجّه إليها من خصومها الجمهوريين بالتساهل مع إيران. والأمر كذلك، كان من بعض دول الخليج التي اتهمت واشنطن بالسماح بالتمدّد الايراني بعد تقليص وجودها العسكري في المنطقة، وهو ما تسعى واشنطن، في هذه المرحلة، إلى دحضه.

لكن يمكن القول إن هذه ليست الرغبة الحقيقية للإدارة الديمقراطية في واشنطن، والتي كانت تسعى إلى إنجازٍ من نوع آخر في الملف الإيراني، غير أنها اصطدمت بمطالب طهران التي لا يمكن تلبيتها، وفي مقدّمتها تقديم ضماناتٍ بأن الإدارة المقبلة لن تلجأ إلى إسقاط الاتفاق كما فعل الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بعد وصوله إلى السلطة، وهي ضماناتٌ غير دستورية لا تستطيع إدارة بايدن تقديمها. الأمر نفسه بالنسبة إلى طهران، فهي كانت تحرص على الوصول إلى اتفاقٍ في ظل الولاية الحالية لبايدن، في إطار مساعيها لتخفيف العقوبات والضغط الداخلي الناجم عن تفاقم الأزمة الاقتصادية، خصوصاً أنها تدرك أن المرحلة الأميركية المقبلة قد لا تكون في مصلحتها، في حال عاد ترامب إلى سدّة الرئاسة، وهو أمرٌ متوقع، لكنها، في الوقت نفسه، لا تحبذ اتفاقاً مرحلياً لا يضمن استقراراً اقتصادياً وسياسياً للبلاد، ما دفعها إلى اللجوء إلى التفاهمات الجزئية، والتي أُفرج بسببها عن بعض الأموال المحتجزة، على غرار الاتفاق الأخير.

ترجّح هذه المعطيات أن تشهد المرحلة المقبلة ما يمكن تسميته "تصعيد الضرورة الانتخابية" في العلاقات الأميركية الإيرانية، من دون أن يعني الوصول إلى أي نوعٍ من المواجهات العسكرية.

 

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".