دونالد ترامب وشارع الحمرا

دونالد ترامب وشارع الحمرا

06 فبراير 2016
دونالد ترامب (Getty)
+ الخط -
يشتكي عرب ومسلمون من خطاب عنصري يستهدفهم في السينما والتلفزيون الأميركيين. وهو خطاب ليس وليد لحظة 11 سبتمبر وما تلاها، بل أقدم. فقد بدأ عندما ربطت صورة العربي في ثنائية الشيخ والخيمة، وتوصيفه بالإرهابي حليف السوفييت لاحقاً في فترة الحرب الباردة، وصولاً إلى اليوم حيث يسود العالم رهابٌ جماعيُّ من الأصوليّة الإسلاميّة المقاتلة.
ولا تقتصر هذه النظرة العنصرية على العرب والمسلمين فحسب، بل طاولت أيضاً الهنود الحمر، والألمان في أغلب الأعمال التي تناولت الحرب العالمية الثانية، والروس، إضافة إلى المكسيكيين والكولومبيين.
لكن ذلك لا يعني طبعاً أن السينما الأميركية لم تطرح قضايا محقة بعيداً عن العنصرية تجاه الآخر، أو أن الأميركيين وحدهم من يبرزون جوانب عنصرية في فنونهم، غير أن الدعاية والانتشار الواسع للنتاج الفني الأميركي على مستوى العالم جعلهم الأكثر سطوعاً في هذا المجال.
مسلسل "أرض الوطن" الأميركي المثير للجدل، والمستمر في موسمه الخامس، سبق وواجه موجة احتجاج على بعض مشاهده، كمشهد قتل دبلوماسي أميركي في شارع في باكستان على أيدي جموع غاضبة. أما المشهد الأكثر غرابة فكان في بيروت؛ ففي حلقة حملت عنوان "بيروت تعود"، جرى تصوير لقاء قمة بين زعيمي حزب الله وتنظيم القاعدة في شارع الحمرا. واللقاء جرى في الشارع العام الشهير نفسه وليس داخل شقة محصنة. إذ تجوب الشارع سيارة محملة بمسلحين يلبسون العباءة العربية مع العقال والكوفية لإخلائه من الناس بالقوة، ثم يترجل الزعيمان ويجري اللقاء في عرض الطريق، وهناك تكون فرقة أميركية جاهزة لقتلهما، وفيما تنجح في قتل الأول، يلوذ الثاني بالفرار.
تبدو استحالة هذا المشهد مضحكة بالنسبة لنا، إذ لا نحتاج تعمقاً في السياسة لمعرفة أن قائد حزب الله يخضع لحماية أمنية فائقة النظير، وهو لا يلتقي أحداً في الشارع. أما الأمر الثاني المثير للسخرية، فهو تصوير حزب الله وتنظيم القاعدة كحلفاء، وهو يحاكي فرضية رائجة عند أوساط سنية عن تحالف أميركي- شيعي ضد السنة، وأخرى عن تآمر أميركي مع حكومات وأطراف سنية ضد محور الممانعة الشيعي. وهكذا يتكون مثلث كل طرف فيه يؤمن بتحالف الطرفين الآخرين ضده!
هذه المقاربة الساذجة للمنطقة وقواها وعلاقاتها ليست هامشية للأسف، فالمسلسل متابع جداً، وحاصل على عدّة جوائز مثل "إيمي" و "غولدن غلوب”، وهذه الجوائز تُشكِّل معيارًا لمدى نجاح الأعمال الدراميَّة الأميركيَّة.
وباعتبار أنَّ الدراما التلفزيونية مع السينما تساهمان في تشكيل الوعي السياسي الخارجي لدى الأميركيين، بات سياق بعض تصريحات دونالد ترامب، المنافس على ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسيَّة الأميركيَّة، مفهوماً. فكلام من قبيل منع المسلمين من دخول أميركا، وبناء جدار كبير على الحدود المكسيكية لمنع التسلل عبرها، مع ما يتضمنه من فجاجة عنصرية، يبدو مقبولاً عند شرائح أميركية لا تعرف عن العالم الخارجي أكثر من التعميمات التبسيطية التي تسوقها مشاهد كالتي يعرضها "أرض الوطن" وغيره.
فترامب ذو الخلفية الإعلامية التلفزيونية الناجحة، يحاول محاكاة أيقونة اليمين الأميركي الرئيس الأسبق رونالد ريغان القادم إلى السياسة من عالم هوليوود، وله خبطات صحافيّة شبيهة بتلك التي يدلي بها ترامب اليوم، كما عندما أراد تجريب الميكرفونات أمامه قبل تسجيل لقاء تلفزيوني، فأمر افتراضياً سلاح الجو الأميركي بالانطلاق لتدمير “إمبراطورية الشر" السوفييتية.
يُنظر لريغان اليوم باحترام شديد في أوساط محافظة، تعتبره القائد الصلب الذي أنهك الاتحاد السوفييتي مما ساهم في تفكيكه! وهو جاء للرئاسة بعد ما تعتبره هذه الأوساط فترة رخاوة في عهد جيمي كارتر، وهي ذات الفكرة التي يسوَّق من خلالها لترامب كرئيس "صلب"، لما بعد عهد أوباما العاجز عن ردع الأعداء الجدد.

اقرأ أيضاً: عوالم السوريين

المساهمون