حكواتي: تطلي الخليل... أو عنطبيخ جنوب إفريقيا

28 ابريل 2014
حكاية "التّطلي" من الخليل إلى جنوب إفريقيا
+ الخط -

كنت أظن أن "التَطْلي" الفلسطينية، أي المربّى، من فعل: طلى يطلي فهو تَطْلي.
طلعت "التَطْلي" تركية. صحتين وعافية.

طيّب ما علاقة هذا بما جرى اليوم؟

اليوم شاهدتُ في "المول" بواقي عنب مستورد من جنوب إفريقيا. قطوف ناضجة حتى الذلّ.

إذن يمكن أن أطبخ عنبية، أو عنطبيخ، وهو الاسم الخليلي لها. والحقيقة أن الاسم فقط من مدينة الخليل، ويلفظونه: عنتسبيخ، فيما العنب غالبيته ملطوش من المناطق الفلاحية المجاورة للمدينة، كما يحدث في كلّ العالم.

اشتريت رطل عنب، أي بما سينتج عنه لاحقًا صحن عنبية فقط، أو "عنطبيخ"، أو "تَطْلي". لم لا؟

ثم اكتشفت بعد ذلك أنّنا، نحن العرب، نسمّي "طبيخ العنب": طلاء. ويمكن الأتراك لطشوه منّا.

المهمّ يابا، قعدت أطبخ العنب. لا فيسبوك ولا تويتر ولا بلايستيشن ولا أيّما شيء يشغلني. فقط أحرّك رطل العنب الذي بدأ يبقبق، لكنّ لونه حتّى يصبح لون "التَطْلي" البنّي الداكن سيأخذ وقتًا طويلًا.

الوقت الذي لن ينتهي إلا حين تسحب مغرفة الخشب في قاع الطنجرة فتترك أخدودًا ينغلق ببطء ببطء ببطء. حينها تكون العنبية أو "التَطْلي" نضجَت تمامًا.

لكنْ هناك شيء غلط تعرفه بحواسّك البدائية، بجسدك المغموس حتّى الثلثين في التاريخ العفوي.

اكتشفتُ أوّل خازوق: العنب من فصيلة "البناتي". يعني لا يوجد فيه البذور التي تُحبّل الأرض.

وعنبية من دون بذور تعني أيّ شيء آخر إلا العنبية.

لست معنيًا سوى بقرقشة البذور في الفم. أما إنّ البذور مفيدةٌ لبشرة النساء حديثًا، أو مفيدة لتضييق جهاز المرأة قديمًا، فهذا ما لا أشتغل به.

العنبية تفسد الآن بين يديّ ولا أعرف ماذا أفعل.

تذوّقتُ بطرف الملعقة فكان الطعم غريبًا.

يضاف إلى ذلك أنّ سقف فمي ملتهب الآن، لأنني تذوّقت العنبية وهي تغلي دون أنفخ على الملعقة ثلاث مرات.

ما هذا العنب يا جنوب إفريقيا!

ثلاث ساعات من التحريك باتجاه واحد ولون العنبية مثل الجرابات البيج.

قرّرت أن أستنفد رصيدي من المغامرة.

أضفتُ رشّة قرفة ثم قرّرت إضافة رشّة محلب، وقلت بالمرّة رشّة يانسون.

كان طعمًا بالغ الرداءة، يشبه طعم كريم شَعَر.. من شوارزكوف.

في النهاية أمسكتُ بـ "التطلي" وحفظتُها في مكان مناسب، أي في صفيحة الزبالة.

فائدة: حتّى تنجح العنبية أو "تطلي العنب" أو "العنطبيخ"، لا يكفي أن تحضر عنب الخليل، بل الخلايلة أنفسهم يجب أن يحضروا، وعجقة السير، وأولاد صغار أحدهم راسب في امتحان الدِّين، والمرأة العجوز التي تلقي تعليمات طبيخ العنبية على بناتها، والبنت الوسطى التي لا تكفّ عن ترديد: "هو ما فشّ حدّ غيري في الدار!".

المساهمون