أمّهات سورية المغيّبات... كُنَّ بخير

21 مارس 2015
دفعت الأمهات السوريات فلذات أكبادهنّ لأجل سورية (Getty)
+ الخط -

تختنق عيناها بالدموع. ترفع لبنى نظّارتيها بيد ترتجف، لتمسح بيدها الثانية دمعة اندفعت لا إرادياً إلى وجنتها... وتعود لتقليب الصور مجدداً، باحثةً عمّا تبقى من ذكرى والدتها على الحاسوب. 

تحمل لبنى صورة لوالدتها، التقطتها لها في آخر مشوار خرجتاه معاً في حي الشيخ سعد في دمشق، لترفعها على صفحتها الشخصية على "فيسبوك"، وتكتب أعلاها: "إلى أمّي المغيّبة.. كوني بخير.. وكفى".

"اختفت أمي منذ أكثر من أربعة شهور، وهي في طريقها لزيارة أختي المعتقلة في سجن عدرا. أختي أُفرج عنها عقب فترة قصيرة، فيما لا يزال مصير أمي التي أكملت عامها الستين قبل أيام، مجهولاً حتى اللحظة، وأغلب الظن أنها معتقلة لدى قوات النظام"... تحكي لبنى، لـ"العربي الجديد"، بصوت يكاد لا يُسمع، وتضيف: "ست كبيرة.. بس بدي أعرف شو بدهن فيها!". 

اقرأ أيضاً: سأظلّ أشمّ رائحته

صورة أم لبنى كانت من ضمن عشرات الصور التي اكتظت بها صفحات التواصل الاجتماعي لدى السوريين أمس واليوم. وظهرت في الصور وجوه أمّهات من كل المناطق السورية،  بعيدات، معتقلات، شهيدات، ومغيّبات، فضلاً عن أمهات الشهداء، الأمهات اللاجئات، والأمهات الأرامل..

ترافقت الصور مع عبارات: "الله يجمعنا عن قريب، الله يرحمك، الله يصبرك، الله يكون معك، واشتقتلك". إلّا أن صورةً لأمّ صغيرة من حي جوبر الدمشقي، تصرخ أمام جثث أطفالها الثلاثة الذين قضوا في قصف قوات النظام، والحزن والدهشة يظهر على وجوه من حولها، كانت الأكثر انتشاراً وتعبيراً.. 

"الأم السورية هي الأم الأعظم حزناً في العالم، والأعظم أملاً، فقدت زوجها أو أولادها، ربما الاثنين معاً، تم تهجيرها والاعتداء عليها، مستمرة في البذل والعطاء والتضحية، وقلبها مفعم بالشوق إلى الحرية والانتصار لأبنائها، ووطنها"، هكذا عنونت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" بياناً لها، أصدرته اليوم، وقدّرت فيه "حصيلة الأمهات الضحايا بما لايقل عن 5280 أم، عدا عن أكثر من 68 ألف أم تحوّلت إلى أرملة".

اقرأ أيضاً: إعلاميّات أمّهات: مهنة المتاعب حقاً

كذلك أكّدت الشبكة أنّ "قرابة 180 أماً يتواجدن الآن في مراكز الاحتجاز، يتعرضن للتعذيب والاعتداء"، مشيرة إلى أنّها سجلت منذ بداية الثورة السورية وحتى تاريخ اليوم، ما لا يقل عن 11 حالة ولادة داخل مراكز الاحتجاز الحكومية.   

عندما تتصفح حسابات السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنك بكل بساطة، معرفة ما يمرّون به من موت أو قصف أو غربة، أو حتى اشتياق، فهي لربّما صارت متنفّسهم الافتراضي الوحيد، بعيداً عن واقعهم المرّ حيث تختفي الأمهات، كأمّ لبنى.

المساهمون