لم يعد الكاتب السعودي الفائز بجائزة (بوكر) العربية عام 2010 عبده خال، يهتم كثيرا بنشر كتبه في بلده، بعد منع نشر ثماني روايات من إنتاجه، فيما تم السماح ببيع روايتين فقط طوال مشواره الأدبي الممتد لأكثر من عشرين عاما. خال مثل كثير من المؤلفين السعوديين يعانون من تشدد الرقيب الذي يحرمهم من التواجد في السوق السعودية من دون أسباب واضحة، على الرغم من أن كتبهم تملأ الأرفف في الدول المجاورة.
قبل عامين تم منع رواية المؤلف الشاب عبد الله مفلح (حكاية وهابية) لاعتراض الرقيب على العنوان فقط. مثل هذه الأمور يعاني منها حتى كبار الأدباء السعوديين، فالأديب الدكتور غازي القصيبي وزير الثقافة السعودي السابق لم يُسمح لمعظم كتبه بالبيع في السعودية إلا قبل أشهر قليلة من وفاته وبقرار وزاري، أما بقية الأدباء والمؤلفين فما زالوا ينتظرون قرارا مماثلا.
يؤكد خال أنه لا يوجد نظام معين تخضع له المؤلفات، وأن الأمر يخضع، بالدرجة الأولى، لمزاجية الرقيب الذي قد يسمح أو يمنع من دون مسوغ منطقي.
يقول خال لـ"العربي الجديد": "في إحدى رواياتي التي قدمتها للإعلام وضع الرقيب خطوطا حمراء كثيرة على كل صفحة، مطالبا مني أن أعدل طريقة صياغتي للرواية بما يراه. وهذا ما رفضته. وبالتالي صرت أطبع كتبي، ولا يهمني هل تُجاز أم لا، وأوزعها في دول الخليج والعالم العربي فقط، وليس في بلدي".
ويتابع: "مُنع لي ثماني روايات، ولا يوجد لي في السوق سوى روايتين فقط هما (فسوق) و(روعة الحياة). وشخصيا، لا أعرف سبب هذا المنع"، ويضيف: "لا نعرف ما هي المقاييس التي يتم على ضوئها منع أو السماح بنشر الكتب والروايات، ولكن في ظل فورة وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد هناك معنى لمثل هذا المنع؛ سواء اتفقنا على مضمون الكتاب أو اختلفنا معه؛ لأن الباحث أو المؤلف يستطيع أن يصل إلى أي كتاب يريد بضغطة زر في جواله، هناك آلاف الكتب المتوفرة على شبكة الإنترنت. فمن العيب أن تظل هناك قوائم لمنع الكتب".
ويرى خال أن "مسألة المنع قائمة بسبب عدم تحريك أو رفع الحظر من قبل الناشرين عن كثير من الكتب التي مُنعت في السابق، إذ لم يتم تحديث قوائم المنع"، ويؤكد المؤلف السعودي أن ما كان يُخشى أن يحدثه الكتاب قد حدث على أرض الواقع: "بخلق شباب يلوذ بأفكار تحثه على الكراهية ونبذ الأفكار والقتل أيضا، بينما لو توفرت الكتب في وقت مبكر لهذا الشعب لربما أعطته مساحة من اتساع النظر، ومعرفة أن الحياة قائمة على الاختلاف وتكامل الآراء في حوارية حضارية متقدمة".
ويتابع: "أعتقد أن نتاج المنع هو ما يحدث الآن من أفكار داعشية انغلقت على نفسها وعلى رأي واحد، حتى رأت القتل وسيلة للبقاء". ويشدد خال على أن المنع كان فعالا في زمن سابق كانت تحجب فيه الكثير من الأعمال السعودية والعربية والعالمية، ولكنه يشدد على أنه في السنوات الماضية: "حدث نوع من التراخي وعدم الممانعة فيما يعرف في معرض الرياض الدولي للكتاب"، ويتابع: "وجدت أعمالا كثيرة ممنوعة تباع في المعرض".
منع بلا ضوابط محددة
في محاولة من "العربي الجديد" من أجل رصد أهم الكتب الممنوعة في السعودية، وثقنا أكثر من 217 كتاباً تم منعها من النشر، وهي تمثل، حسب مؤلفين، القائمة الأبرز التي تم رفضها. ففي كثير من الحالات لا تقوم الجهات المعنية برفض الكتاب، ولكن تتركه فقط حبيس الأدراج. وتستحوذ الكتب السياسية على الحيز الأكبر في القائمة بـ148 كتابا، فيما مُنع أكثر من 63 رواية وقصة لأسباب مختلفة، وتم منع 19 كتابا دينيا، و6 كتب اجتماعية، و6 دراسات وكتابين اقتصاديين سياسيين وكتاب تاريخي.
يؤكد مدير قناة العرب السعودية وأحد أهم الكتاب العرب، جمال خاشقجي، أنه لم يكن يعرف أن كتابه (علاقات حرجة.. السعودية بعد 11 سبتمبر) ممنوع من النشر، ويقول لـ"العربي الجديد": "حسب علمي أنه موجود في الأسواق، فهو كتاب قديم، ولا يوجد سبب لمنعه، وشاهدته في معرض الرياض للكتاب، ولو مُنع فهو أمر عجيب"، ويشتكي خاشقجي من تأخر إجازة الكتب لأشهر طويلة لدرجة تضر بالكتاب. ويضيف: "آخر كتابين لي (ربيع العرب زمن الإخوان) و(احتلال السوق السعودي) لم يتعرضا للمنع، ولكن تأخر نشرهما بشكل كبير جدا ولأكثر من ستة أشهر. وهذا الأمر يضر بالمؤلف وبالناشر؛ لأن الكتاب له موعده وزمانه، وعندما يتم الحديث عنه في الصحف ثم يبحث عنه القارئ ولا يجده، فهذا يضيع الفرصة على المؤلف. وهذا الأمر يشتكي منه الكثير من الناشرين".
ويشدد خاشقجي على أن أخذ كل هذا الوقت لإجازة كتاب أمر غير مقبول. ويتابع: "الكتاب له زمانه، وعندما يصدر يكون محل اهتمام الصحف والنقاد والقراء، ولكن عندما يبحث عنه القارئ ولا يجده في السوق ينساه، وحتى عندما يفسح له المجال يكون القارئ قد نسي هذا الكتاب تماما".
ويعتقد خاشقجي، الذي ألف العديد من الكتب، بأن عملية الموافقة على نشر الكتب في السعودية تخضع للمزاجية، ويضيف: "الرقيب موظف قد يكون تعليمه متوسطا وليس ناقدا، ولكنه يمارس على الكتاب رقابته المتأثرة بما يتلقى من أخبار وما يقرأ وما يستلم من توجيهات. وفي نهاية الأمر هي قضية اجتهادية، وهو أمر يقيد كبار الكتاب".
رقابة من أكثر من جهة
حسب القانون السعودي، تعتبر وزارة الثقافة والإعلام الجهة المسؤولة عن ممارسة الرقابة والمنع. ولكن هذا لم يمنع جهات أخرى مثل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من التدخل لمصادرة الكتب التي ترى أنها مخالفة للدين، حتى لو كانت الوزارة وافقت عليها سابقا. ولا تخلو دورة من معرض الرياض الدولي للكتاب من مشادات بين مسؤولي المعرض ومحتسبين يحاولون سحب بعض الكتب، وفي أحيان يحاولون التعدي على المثقفين والإعلاميين المتواجدين في المعرض.
وأمام ذلك تم منع كثير من الكتب كان قد سُمح لها بالتواجد في المعرض؛ مثل كتاب منصور النقيدان (الملوك المحتسبون)، وهو عبارة عن دراسة حول هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما تم منع كتاب الناقد محمد العباس عن الرواية السياسية في السعودية، وأيضا رواية (برهان العسل) للروائية السورية سلوى النعيمي، ورواية (حرمة) للروائي اليمني علي المقري. بيد أنه في الفترة الأخيرة بدأت وزارة الإعلام تحدّ من تدخل المحتسبين غير الرسميين.
ويؤكد مدير الشبكة العربية للأبحاث والنشر، نواف القديمي، لـ"العربي الجديد" أن منع الكتب والتضييق عليها قضية حاضرة في معظم الدول العربية، خاصة في منطقة الخليج، حيث تخضع- حسب رأي القديمي- عملية نشر الكتب فيها للرقابة، ويتطلب توزيع الكتب فيها إلى موافقات مسبقة. أما في معارض الكتب فتكون الرقابة فيها أقل تشدداً، وغالباً لا تخضع الكتب للرقابة سوى بعد عرضها في الأجنحة المخصصة. ويضيف متحدثا عن الأسباب: "السبب السياسي هو الأكثر حضوراً وإثارة لحساسية الرقابة، وأحياناً تكون هناك أسباب دينية وأخلاقية للمنع".
ويشدد القديمي على أنهم في الشبكة العربية ومنذ أكثر من ثلاث سنوات لم يرسلوا أي كتاب للحصول على الموافقة عليه من وزارة الثقافة السعودية، لأن: "موضوع الفسوحات (الموافقة) تأخذ وقتاً طويلاً وتتسبب في منع كثيرٍ من الكتب، لذلك قررنا التركيز على معارض الكتب؛ لأنها عادة لا تخضع لرقابة مشددة كما يحصل في طلبات فسح الكتب لبيعها على المكتبات المحلية".
في العام الماضي تعرض جناح الشبكة العربية في معرض الرياض الدولي للكتاب للمصادرة بالكامل والمنع من المشاركة، وهو ما يتذكره القديمي، ويضيف: "منذ بدأت الشبكة العربية عام 2007 في التواجد في معرض الرياض الدولي للكتاب وهي تشارك فيه كل عام، ولكن في المعرض الأخير اختلف الوضع، حيث تم إغلاق جناحنا بالكامل بحجة وجود كتب مخالفة، وتم منعنا من المشاركة في المعرض في الدورات المقبلة، وبالتالي بات طريقنا للسوق السعودي مغلقاً بالكامل".
تسبب هذا الأمر في إلحاق خسائر كبيرة بدار النشر التي تعتمد على المعرض لتحقيق نصف أرباحها، ويتابع: "السوق السعودي هو الأكبر عربياً، ويمثل عند كثير من الناشرين العرب أكثر من 50٪ من دخلهم السنوي، لذلك فإن منع الشبكة العربية من المشاركة في معرض الرياض يسبب لها خسارة مالية كبيرة. كما تم إغلاق جناحنا أيضاً في معرض أبوظبي للكتاب. ولكن هذا لن يمنعنا- بإذن الله- من المواصلة، فهذا طريقٌ اخترناه، مع علمنا بأنه محفوفٌ بالمشاكل السياسية والرقابية، ويجب أن نستمر ونقاوم".
الإنترنت عوّض الورقي
يلجأ كثير من السعوديين إلى تحميل الكتب الممنوعة من مواقع الإنترنت التي تتيح لهم قراءتها بعيدا عن مقص الرقيب. كما تقوم بعض المكتبات المتخصصة في بيع الكتب بعد توفيرها لزبائنها الخاصين عن طريق السفر للبحرين أو قطر، ولكن غالبا ما يتم مصادرة كثير من هذه الكتب عند منافذ الحدود بالتعاون مع الجمارك؛ إذ تصادر وزارة الإعلام الكتب المشتبه بها حتى وإن كانت هذه الكتب متوفرة إلكترونيا.
وتؤكد الكاتبة سكينة المشخص أنه لم يعد هناك أي قيمة لمنع فسح (الموافقة) على الكتب في هذا الوقت؛ لأن النسخ الإلكترونية متوفرة وبكثرة، وتقول لـ"العربي الجديد": "الكتب الإلكترونية تغني عن الكتب الورقية وأكثر تداولا منها، فالمنع لم يعد مجديا" وتضيف: "في زمن المعلومة المتاحة للجميع لا يوجد ما يمكن منعه، فالكتب كثيرة، ولا يمكن الوصاية على العقول في هذا الوقت".
ومن جانبه يؤكد المؤلف والكاتب، طلال الطويرقي، أنه حتى الكتب المشتراة من الخارج تخضع لمزاجية الرقيب. ويحكي لـ"العربي الجديد" موقفا حدث له يؤكد ذلك، ويقول: "كنت أحمل مجموعة من الكتب قادما إلى السعودية، ولكن الرقابة قامت بسحب مجموعة منها، الأمر للأسف كان يخضع لمزاجية الرقيب، ولا يوجد قانون يحدد الأمر، فالكتب التي كنت أتوقع أن تُمنع سُمح بدخولها، والكتب التي كنت أتوقع أنها عادية مُنعت"، ويشدد الطويرقي على أن هناك تعميما صدر من وزير الإعلام منذ مدة طويلة بأن الكتب التي تُجلب للقراءة الشخصية لا يجب منعها: "ولكن المراقبين لا يطبقون هذا الأمر"، ويتابع: "كُتب كثيرة مُنعت من الدخول بلا سبب مقنع". وكغيره يؤكد أن المنع أبدا لن يكون مجديا في ظل توفر الكتب على شبكة الإنترنت ومجاناً.