"الإسلام الأخضر" في مواجهة تغير المناخ

تحرك من أجل تغير المناخ (جاسمين ميردان/ Getty)
21 ابريل 2024
+ الخط -
اظهر الملخص
- خطب الجمعة في العديد من البلدان العربية والإسلامية تعاني من نقص في العمق والتأثير، مما يجعلها تبدو كجزء من الروتين الأسبوعي دون تلبية الحاجات المعرفية للمصلين في الجوانب الدينية والدنيوية.
- القيود المفروضة من الأنظمة الحاكمة تحول دون استغلال خطب الجمعة في تناول قضايا معاصرة مثل التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية بشكل فعال، حيث يغلب التركيز على الجوانب الغيبية متجاهلين الدور البشري.
- إندونيسيا تقدم نموذجًا لكيفية استخدام خطب الجمعة في تعزيز الوعي البيئي وتشجيع المبادرات الإيجابية، مؤكدة على أهمية الديمقراطية وحرية الرأي في إنتاج خطب جمعة مؤثرة ومرتبطة بالواقع.

ثمة شكاوى مزمنة من طبيعة خطب الجمعة في العديد من البلدان العربية والإسلامية، إذ تُوصف بأنها بـ "لا لون ولا طعم ولا رائحة" ولا تروي ظمأ الحضور المعرفي دينيا وبالطبع دنيويا، أو ما يقول عنه الفقيه السوري، علي الطنطاوي، "لا تقولوا قد شبعنا من الخطب، إنكم قد شبعتم من الكلام الفارغ"، ما قد يُفسر بأن تلك الفعالية الأسبوعية الجماهيرية تجري ضمن مجال عام مؤمم، كما تعتبر من بين مظاهر الاجتماعات الشعبية العامة، والتي تحاصرها قوانين وقيود الأنظمة حتى صار الخطيب مثل المذيع في وسيلة إعلام مملوكة للدولة، ومن ذلك أنه يحمل ورقة تملي عبرها السلطات أسبوعيا ما يجب على المصلين سماعه.

وكما يؤثر غياب الديمقراطية ومدى حضورها في طبيعة حرية وحدود تقييد خطب الجمعة، ثمة علاقة بين تفسيرات رجال الدين لتزايد الفيضانات والأعاصير خلال الأعوام الاخيرة (سيول في مصر وأعاصير في عمان والإمارات واليمن وفيضانات درنة القاتلة وزلازل رهيبة في المغرب وتركيا وسورية وجفاف كبير في العراق وسورية) وردودهم عبر المنابرعلى أسئلة من قبيل، هل الزلازل والفيضانات عقاب من الله للناس؟ وما حكم وفيات الكوارث شرعا وهل هم شهداء؟ وقتها تجد أن الخطباء وهم "موظفون حكوميون" بكل ما يعنيه الوصف من روتين، إلا من رحم ربي، يعيدون تدوير ما سبق رغم أنه مكرور ومعلوم بالضرورة يحيل إلى الآخرة وشؤونها الغيبية التي هي حصرا بيد الخالق، فيما يتجنبون ويتجاهلون "شؤون دنياكم"، كما وصفها النبي الأكرم، والتي هي حاضر حياتهم ومشاغل مجتمعاتهم مثل علاقة التغير المناخي بالتهديد المتزايد لأوراح البشر في منطقتنا، والأهم كيف تساهم أخطاء بشرية قاتلة يرتكبها من في السلطة في تزايد مخاطر تلك الكوارث؟ ولعل ما جرى في درنة من إدارة الجنرال خليفة حفتر خير مثال إذ قتل 12833 ليبيا وليبية في ساعات معدودة بسبب إخفاق بائس لإدارة عسكرية تحكم بالحديد والنار وتعنى وتراقب كل نفس قد يهمس به أحدهم بينه وبين نفسه معارضا، لكنها لا تلقي بالا لحياته والحفاظ عليها، كما يمكنك مقارنة العدد الضخم لضحايا زلزال تركيا وسورية (52 ألفا في زلزال بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر) وعلاقته بغش البناء والتلاعب في التراخيص التي تمنحها الجهات الرسمية في مقابل 10 أشخاص راحوا ضحية زلزال تايوان قبل أيام (قوته 7.4 درجات على مقياس ريختر).

في المقابل ثمة قصة نجاح تأتي من منابر إندونيسيا أكبر بلد مواطنوه مسلمون وهي كذلك ثالث أكبر ديمقراطية على مستوى العالم، والتي واجهت 3000 كارثة طبيعية خلال عام 2021 فقط، أي ما يعادل ثماني كوارث من زلازل وأمواج تسونامي وغيرها يوميا، بحسب موقع الأمم المتحدة، هناك يتجمع آلاف المسلمين من الرجال والنساء في مسجد الاستقلال بجاكرتا لسماع خطبة الجمعة من إمامهم نصر الدين عمر، والذي تشكل البيئة موضوعا رئيسيا في خطبه، وبعدما صدمته فواتير خدمات الكهرباء والمياه الفلكية، حدّث أكبر مسجد في جنوب شرق آسيا بـ 500 من ألواح الطاقة الشمسية ما أدى إلى خفض فاتورة الكهرباء في المسجد بنسبة 25 بالمئة، كما دعم تركيب صنابير بطيئة التدفق ونظام إعادة تدوير المياه، وهي تغييرات ساعدت في جعله أول مكان للعبادة يفوز بجائزة "البناء الأخضر" من "البنك الدولي".

وفي خطب الجمعة يحذر عمر الحضور من التعامل مع البيئة والأرض التي وهبها الله للناس على أنها "مجرد شيء"، مشددا على أنه "كلما كنا أكثر جشعا تجاه الطبيعة، كلما اقترب يوم القيامة" ومشيرا إلى أنه مثلما فرض الله صيام شهر رمضان، فإنه من الواجب على كل مسلم أن يكون "خليفة الله في الأرض وحارسا لها" وكما هو الحال مع حث الله للمسلمين بالتبرع وإعطاء الصدقات، فإنه ينبغي على المسلمين أن يساهموا في الحفاظ على البيئة" من خلال المشاركة في مشاريع للطاقة المتجددة أو زراعة الأشجار، وفق ما جاء في تقرير نشره موقع نيويورك تايمز متسائلا ما الذي يمكن أن يحققه "الإسلام الأخضر" في أكبر دولة إسلامية في العالم؟

اللافت أن الإمام عمر ليس وحده من يعمل على إشعال صحوة بيئية عبر تعاليم الدين الإسلامي، إذ بادر كبار رجال الدين وأصدروا فتاوى أو آراء بشأن كيفية التصدي لجائحة تغير المناخ وكبح جماحها (قارن اهتماماتهم وأولوياتهم بما يجري عندنا)، وشددواعلى أن حماية البيئة والحفاظ عليها جزء لا يتجزأ من القرآن والسنة النبوية، ومن بينهم هايو برابوو، رئيس لجنة حماية البيئة في مجلس العلماء الإندونيسي، أعلى سلطة إسلامية في البلاد، والذي قال إن دراسات وجدت أن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق ذات غابات غنية أصبحوا الآن أكثر وعيا بخطأ إزالة الغابات بسبب الفتاوى التي تحرم هذه الأنشطة، بينما ذكر إمام مسجد المُحَرَّم في مدينة يوجياكارتا، أنانتو إيسورو، أن هناك ما يقرب من 700 آية في القرآن وعشرات الأحاديث أو أقوال النبي محمد التي تتحدث عن البيئة. كما تتلقى حركة الإسلام الأخضر أيضًا دعمًا من نهضة العلماء والمحمدية، أكبر المنظمات الشعبية الإسلامية في البلاد، والتي تمول المدارس والمستشفيات والخدمات الاجتماعية. ولديها برنامج "البيئة الروحية" الذي يستخدم التعاليم الإسلامية لدفع الحفاظ على البيئة.

ولعل ما سبق يؤشر بوضوح إلى أهمية الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير بصورها المتعددة ومن ذلك خطب جمعة غير تقليدية في مجال عام مفتوح يناقش فيه الناس همومهم ومشاغلهم، والتي احتكرت الأنظمة في منطقتنا تحديدها، رغم الفشل المتكرر في تلبيتها أو حتى في استنهاض جهود موظفيها الذين يؤدون ما يطلب منهم في جميع المجالات ومن بينها الدينية وفق قاعدة على  "قد فلوسهم" أو رواتبهم.