"نظريات" ويجز... وصفات غنائية من أجل البقاء

27 فبراير 2023
في نهائي كأس العالم لكرة القدم 2022 (فريد قطب/ الأناضول)
+ الخط -

"ويجز هو رئيس المرحلة دي". بهذه العبارة، أشاد الموسيقي هاني شنودة، بتجربة مغني الراب المصري أحمد علي، الشهير بـ "ويجز". وهذا فعلاً ما تشير إليه الأرقام والإحصائيات في العامين الماضيين، باحتلال الرابر الشاب لقوائم الأكثر استماعاً في مصر وعدة بلدان عربية، فضلاً عن مشاركته في فقرة غنائية في نهائي بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر 2022.
رغم اعتياد الجمهور في السنوات الأخيرة على ظهور مغنين شباب، خاصة في مجال الراب والمهرجانات، وتصدرهم الإحصائيات، وتحقيق نجومية كبيرة في فترة قصيرة واختفائهم في فترة أقصر، إلا أن ما وصل إليه ويجز كان أبعد من ذلك ومن العديد مما يحققه أقرانه.

ما الذي يفعله ويجز ليطيل مدة بقائه في الصدارة، وينجو من فخ الاختفاء السريع مثل البقية؟
تعطي معظم تصريحات ويجز في لقاءاته الإعلامية القليلة، إشارة واضحة إلى دراسته لسوق الغناء وقواعده وتقلباته منذ بداياته في عام 2017. وابتعد المغني الشاب منذ اللحظة الأولى عن تصنيف نفسه كمغني راب فقط، واعتبر نفسه "فناناً" يريد تقديم كل شيء ويرفض التصنيف، مدركاً أن التصنيف يمثّل أول العوامل التي قد تكون سبباً في غلق منافذ جماهيرية جديدة له في المستقبل.
طبق ويجز هذه النظرية في طريقة بناء صورته الذهنية بجانب أعماله الفنية، وابتعد تدريجياً عن الارتباط بمشهد الراب المصري، متجنباً التورّط في مقارنات مع أبناء جيله، أو استخدام نفس أسلوبهم الدعائي، مثل الدخول في صراعات أو تبادل أغان هجومية في ما بينهم، صاحب هذا الترفع أعمال غنائية عديدة لا تندرج تماماً تحت تصنيف "الراب".
يستدعي ويجز دائماً التصنيفات العمرية لجمهوره في حديثه عن تنوع أعماله الغنائية، وهو ربط يشير بقوة إلى اعتماده الأساسي على الإحصائيات ودراسة الجمهور قبل طرح الأغاني، وبالطبع في طريقة تقديم نفسه للجمهور. ففي بداياته كان يقول إنه يستهدف فئة الشباب من عمر 16 عاماً إلى 35 عاماً، لأنهم الفئة الحاضرة في الشارع، وتتعرض للأغاني والمنتجات الفنية، وبعد سنوات من ظهوره، تحدث عن أهمية الأطفال في زيادة شعبيته، لأنهم ساهموا في تعرف الكبار إليه.
وبعد إطلاق أغنيته العاطفية الشهيرة "البخت"، في العام الماضي، كشف ويجز في تصريحات أخرى عن طريقته في دراسة الجمهور ودورها في نجاح الأغنية الساحق، معتبراً أن أغانيه بمثابة اختبارات للجمهور التي يجمع من خلالها البيانات لنفسه، وأنه جمع بين الإيقاع الرائج عالمياً في الفترة الحالية ،"الإيقاع الأفريقي" مع الراب والمحتوى العاطفي، لذلك نجحت التوليفة بالفعل في زيادة حجم مستمعيه من الجيل الأكبر المحب للأغاني العاطفية، والأجيال الشابة المتعلقة بـ"الأفروبيت".


غلبة المنهج البحثي على طريقة عمل ويجز، جعلته لا يحتفل كثيراً بفترة نجوميته ولا يصدقها أحياناً، على عكس زملائه الذين في الغالب يتجهون إلى استغلال هذه الفترة الرائجة، ليحضروا بكثافة مبالغين بتفاخرهم بهذه الشهرة، قبل أن تضيع سريعاً. لذلك، هو يعترف أنه سيتراجع في المنافسة الغنائية في سنوات قليلة: "حاسس إنها هتروح عليا في وقت ما في الغناء..". تنبأ ويجز بمصيره من خلال الدراسات أيضاً، مبرراً ذلك بظهور جيل جديد لن يستطيع التواصل معه بنفس تعامله مع الجيل الحالي، لذلك فهو يبحث عن منافذ أخرى بديلة للاستمرار.
انعكست هذه الأفكار في سعي ويجز إلى إطالة فترة بريقه بعدم الظهور المكثف، وطرحه أغاني على فترات متباعدة، بأفكار مختلفة في كل مرة، بداية من استلهام روح المهرجانات والأغاني الشعبية في أغنية "دورك جاي"، إلى أغاني الأفلام مثل "الغسالة"، والأغاني الاحتفالية في "كيفي كدة"، وكذلك العاطفية مثل "البخت" و"أميرة" وغيرها. وكانت هذه الإصدارات بمثابة تنقلات أكثر منها أغاني متتالية، وتخللتها أغان مشتركة مع أسماء متنوعة لزيادة الجماهيرية مثل حسن شاكوش في المهرجانات وأحمد مكي من الجيل القديم للراب مع نجومية التمثيل، والجراندو طوطو، مغني الراب الأشهر في المغرب.


قد تساهم هذه الطريقة في الحفاظ على بريق ويجز لفترة أطول من المعتاد، خاصة أنها مصاحبة لأسلوب خاص في إدارة نجوميته، واستلهم معظمها من الجيل القديم، كالابتعاد عن الظهور المتكرر واللقاءات، وفك الارتباط مع أبناء جيله، مثل واقعة عدم حضوره لاجتماعات نقابة الموسيقيين مع مغني الراب، ما جعله يحظى بوضع خاص إعلامياً على الأقل، وعدم اعتباره مجرد فرد من جيل فني، وتظهر أيضاً في محاولات اندماجه مع الوسط الفني من الممثلين الشباب، الأمر الذي يساعده في خوض تجارب تجارية جديدة، مثل الغناء في الأفلام واحتراف التمثيل والاستفادة من القوة الدعائية لهم، بجانب الترقي اجتماعياً.
استفاد أيضاً ويجز من الغموض حوله، سواء المقصود أو الناتج تلقائياً من طريقته الدعائية، بداية من الغموض حول مؤهله الدراسي، فتحدث في لقاءات قديمة له عن فشله في إتمام الدراسة في الجامعة، ونشأته في حي شعبي بسيط في الإسكندرية، وهي الرواية التي تتناقض مع المعلومات المتداولة حول تخرجه من الجامعة الأميركية، المرتبطة بالطبقات العليا في مصر، وربما استخدم ويجز الرواية الجديدة لصالحه للهروب من التصنيف الطبقي في الوسط الفني، كما يظهر في تبرير هاني شاكر، نقيب الموسيقيين السابق، عدم توقيعه عقوبات على ويجز لأنه "شاب جميل ومثقف وخريج جامعة أميركية".

خلق ويجز غموضاً آخر حول أغانيه، ساهم في انتشارها بكثافة أيضاً، مثل الجدل الذي أثير وقت أغنية "دورك جاي"، وربطها بخلاف له مع محمد رمضان، وتكرر نفس الأمر وقت أغنية "البخت" بربط الأغنية بحالة ويجز العاطفية الشخصية وبعلاقة الأغنية بممثلة مصرية شابة. وخُلقت حول هذه الأغاني العديد من القصص والشائعات والتأويلات التي قد تكون غير مقصودة ولكنها بالطبع ستجعل نجومية ويجز أطول عمراً، وتبعده عن كونه مجرد ابن للترند المؤقت فقط.

المساهمون