مُسِن فلسطيني يبدع مجسمات يدوية: ذكريات لا تنسى في بحر غزة

غزة

علاء الحلو

avata
علاء الحلو
28 مايو 2023
155
+ الخط -

لا تزال فكرة مُرافقة السُياح والوفود الأجنبية وتعريفهم على بحر غزة عالقةً في ذهن السبعيني الفلسطيني توفيق الجوجو من مُخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، غربي مدينة غزة، فطبّقها على قوارب صغيرة، مُجسمة يدوياً باستخدام أدوات بدائية بسيطة.

ولم تكن فكرة السياحة والوفود الوحيدة التي سيطرت على المُجسمات التي يصنعها الجوجو يدوياً، إذ اشتمل مشروعه الصغير على أصناف وأحجام عدة من القوارب الشراعية، والمُدارة بواسطة الماكينات، إلى جانب أفكار عدة تحمل في طياتها رسائل يأمل إيصالها إلى العالم.

وتحمل مجسمات الجوجو، الذي عمل في مهنة الصيد منذ الستينيات، حكايات البحر ومواقفه، إذ تناول قصص الصيادين، وما يتعرضون له في عرض البحر من قِبل البحرية الإسرائيلية التي تُطَوِّق البحر، وتأثير ذلك على لقمة عيشهم، كذلك نقص المُعدات الأساسية، والتي يُحرمون منها بفعل تواصل الحِصار الإسرائيلي منذ عام 2006، كما جسّد مُختلف أصناف المراكب والقوارِب الصغيرة والكبيرة، والشراعية، والمجدافية، وغيرها.

مجسمات الجوجو
(عبد الحكيم أبو رياش)

ويستخدم المُسِن الفلسطيني أدوات بسيطة لصناعة قطعه الفنية، ترتكز بالأساس على الفلين المُستخرج من أبواب الثلاجات القديمة، ومشرط يدوي صغير، وبرداخ "ورق لحف وتنعيم المجسمات"، وأدوات الدهان وبعض الدُمى الصغيرة، للخروج بمراكب تُحاكي مراكب الصيد الحقيقية.

ويقول توفيق الجوجو، لـ"العربي الجديد"، إن رحلته مع البحر وخباياه بدأت منذ عام 1969، وقد تنقل بين العديد من المهن المتعلقة بالبحر، ومنها مُنقِذ بحري، إلا أن شغفه بصناعة مراكب الصيد صغيرة الحجم لم يتزحزح من قلبه رغم تعاقُب السنوات، وخاصة بعد تقاعده في سن الستين، حيث تفرغ لصناعتها، والتوسع في أفكارها، وأنواعها، ورسائلها.

ويوضح الجوجو، الذي بدا مولعاً بالبحر وكُل ما يتعلق به، أن تجسيد القوارب لا يُمثل فقط مُجسمات فنية توضع على رفوف البيت، وإنما يحمل في طياته قصصاً حقيقية، انطلق فيها بتجسيد نفسه على أول قارب صيد بدأ بالعمل عليه، وانتهت بتجسيد شهيد لقمة العيش رامي بكر، الذي مات غرقاً على الحدود المصرية، وقد عُثر على جثته عصر الثلاثاء 23 مايو/أيار 2023، بعد أن فقدت آثاره قرابة أسبوع.

مجسمات الجوجو
(عبد الحكيم أبو رياش)

وتمرّ صناعة مجسمات القوارب بخطوات عدة، تبدأ وفق وصف الجوجو بتوفير مادة الفلين، التي يطلق عليها "الكلكل"، من أبواب الثلاجات القديمة، وقصّها بالمشرط اليدوي، وتشكيلها حسب الحجم والشكل المطلوبين، وحفّها وتنعيمها، وطلائها بمادة الملتينة، وحفهاً مجدداً تجهيزاً لمرحلة الطِلاء بالألوان المُختلفة، والتي يغلُب عليها من الأسفل اللون الأزرق، لون الماء الذي تعتمده مراكب الصيد لعدم إثارة ريبة الأسماك.

ويوضح الجوجو أن كُل قارب يختلف في مكوناته عن الآخر، إذ استخدم الدُمى الصغيرة الملونة للتعبير عن السُياح الأجانب، ووضع ثلاثة منها على قارب كبير يضم القائد والسائق، وإلى جانبه قارب مُساعِد صغير، تَهُم من خلاله سائحة رابعة بالانضمام إلى صديقاتها في رحلة استكشاف بحر غزة.

وتنوعت القوارب التي صنعها باستخدام الفلين، فيجسّد القوارب الشراعية الكبيرة، مع الاهتمام بأقل التفاصيل الخاصة بها، ويحفظها غيباً نظراً لطول مُدة تعامله مع القوارب بمختلف أنواعها، يصنع الشراع الرئيسي والشِراع المُساعِد ويُطلق عليه "الفلوك"، فيما لم يغفل عن تجسيم دفة القارب التي تتحكم في وجهته وسبيله.

وتضمنت المجسمات كذلك قوارب المجداف، التي عَبّر عنها من خلال صياد يحمل مجدافاً ويحركه في الماء لدفع قاربه، وحسكات الصيد الصغيرة وحسكات الصنارة، كما جَسّم قوارب "الشونشيلة" التي تختص بصيد الأسماك عبر الشِباك، علاوة على تجسيد اليخوت السياحية.

مجسمات الجوجو
(عبد الحكيم أبو رياش)

ويرغب الجوجو عبر تجسيد القوارب بأن يعكس جانبين، يتعلق الأول بجمال البحر وتكوينه وطبيعته الخلابة، والثاني بالمعاناة التي يواجهها الصياد الفلسطيني من خلال الخطر المُتعلق بممارسات الاحتلال الإسرائيلي، واستهدافه المُباشر للصيادين، ما يُنغص عليهم رحلة بحثهم عن لقمة عيش أسرهم، وأطفالهم.

ويتمنى الجوجو أن يعكس كل شخص يمتلك فكرة، وتحديداً من فئة الشباب، واقعه عبر موهبته، ويختتم حديثه قائلاً: "كشعب فلسطيني مُحتل، يجب أن نُفعِّل كُل أدواتنا لإيصال رسائلنا إلى العالم بأننا شعب حي، يُحب الحياة، ويتطلع إلى مُستقبل آمِن، وحياة مُستقرة وكريمة".

دلالات

ذات صلة

الصورة
مسيرة في شوارع واشنطن بالأكفان من أجل النساء في غزة - 17 - 10 - 2024

مجتمع

شهدت واشنطن موكباً جنائزياً ومسيرة تضامنية مع النساء في غزة، جابت شوارع العاصمة وصولاً إلى البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية
الصورة
تجمّع عسكري إسرائيلي على حدود لبنان، 30 سبتمبر 2024 (إريك مارمور/Getty)

سياسة

بعد عام على فتح الجبهة اللبنانية تحوّل لبنان من معركة إسناد غزة، إلى الحرب الشاملة، بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المتلاحقة، التي بدأت في 23 سبتمبر الماضي.
الصورة
مسرة في جامعة جورج واشنطن دعماً لفلسطين/22 أغسطس 2024(Getty)

سياسة

خرجت مسيرة احتجاجية في شوارع واشنطن، اليوم الأربعاء، تنديداً باستمرار العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية وغزة.
الصورة

مجتمع

اضطرت عائلة في غزة مبتورة الأطراف إلى النزوح باتجاه مخيم النصيرات وسط قطاع غزة بعد تدمير منزلها في مدينة رفح (جنوب) رغم صعوبة الأوضاع والحركة
المساهمون