ما "التميّز" في أحمد عزّ لمنحه جائزة "التميّز"؟

ما "التميّز" في أحمد عزّ لمنحه جائزة "التميّز"؟

21 يوليو 2023
أحمد عز: أيّ "تميّز" فيه وفي أفلامه؟ (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

 

أنْ يكون الممثل المصري أحمد عزّ "نجم شبّاك (تذاكر)"، و"أفلامه تحصد ملايين الجنيهات (المصرية)"، فهذا ليس دافعاً إلى منحه "جائزة فاتن حمامة للتميّز"، في الدورة الـ45 (15 ـ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2023) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي". بل يُفترض بهذا أنْ يحول دون منحه جائزة كهذه، فاختياره لمنحه جائزة يحمل اسمها تعبير "تميّز" يحثّ، أو يُفترض به أنْ يحثّ على طرح سؤال أساسيّ: ما "التميّز" الذي يسم السيرة المهنية لأحمد عزّ؟ ما "الإضافة المتميّزة"، درامياً وجمالياً وأدائياً وفنياً وثقافياً (إلخ)، التي تصنعها أفلامه، والتي يصنعها في أفلامه؟ أمْ أنّ لمفردة "تميّز" في قاموس "مهرجان القاهرة السينمائي" معنى آخر؟

في المقابل: أنْ يُرفَض اختياره للجائزة لأنها تحمل اسم "سيدة الشاشة العربية" فقط، فهذا يُخرج النقاش من صوابيّته الفنية والثقافية، ويُزيد من حدّة أزمةٍ عربية، تتمثّل في تقديسٍ، يُمنَع بموجبه المسّ بأفرادٍ مُحدّدين. أمّا لقب "سيدة الشاشة العربية"، فدافعٌ إلى نقاشٍ آخر، يتناول أوصافاً تُطلق على أفرادٍ من دون آخرين وأخريات، وهذا تمييز غير لائقٍ بسينمائيين وسينمائيات عديدين، لهم تأثير في صناعة السينما، وفي اشتغالاتها المختلفة، وفي قراءاتها أحوالاً وانفعالاتٍ ومسائل وشخصيات.

رفض اللقب الممنوح لفاتن حمامة، والألقاب كلّها الممنوحة للجميع، لا علاقة له بأي قراءة نقدية لاشتغالاتها واشتغالاتهم. لفاتن حمامة حضورٌ تفرضه بأدائها المنبثق من وعي معرفي، وتدريبٍ مهنيّ، وحُسن تعاونها مع سينمائيين، لكلّ واحدٍ منهم أسلوبٌ وتفكير وهموم وآليات عمل، تُضيف إليها وتُفيدها، فتُتقن توظيفها. هذا كلّه يجعلها ممثلة محترفة ومُبدعة ومبتكِرة، واللقب يُسيء إلى حِرفيّتها وإبداعها وابتكاراتها، فهي أكبر من ألقابٍ، وأعمق من أوصاف، وأجمل من تقديسٍ، بفضل اشتغالاتها التمثيلية، الخاضعة كلّها لنقاشٍ نقدي.

أنْ يكون أحمد عز "نجم شبّاك (تذاكر)"، فهذا غير مانعٍ قولاً مفاده أنّ أداءه عاديّ جداً في أفلامه الكثيرة. أداءٌ لا قدرة في الممثل على تجديده وتطويره، فمعظم أدواره الجماهيرية متشابهةٌ في أفلامٍ، غالبيتها الساحقة رومانسية (باهتة وعادية) وتشويقية (أكشن مسطّح)، مع أنّ أفلاماً قليلة، في بداية اشتغالاته، تدّعي مقاربة أحوال المرأة والناس، مع إيناس الدغيدي مثلاً. أسلوب تمثيله لائقٌ بأعمالٍ (الأفضل عدم تسميتها أفلاماً، مع أنْ بعضها "ناجحٌ" في التزام شروطه الفنية والتقنية والدرامية، نسبةً إلى أفلام التشويق والأكشن تحديداً) تجذب مشاهدين ومشاهدات، يريدون تمضية وقتٍ عاديّ، ومُشاهدة "أفلامٍ" غير مُثيرة لتفكير وتأمّل، بل لكسلٍ وتسلية.

 

 

فهل اختياره لمنحه جائزة "تميّز"، إنْ تحمل الجائزة اسم فاتن حمامة أو غيرها، محاولة (أظنّ، إنْ تكن هناك محاولة فعلاً، فاشلةٌ) لجذب جمهورٍ إلى مهرجان، يفقد مكانته تدريجياً، والجمهور المنشود يحضر جزئياً، ويختار أفلاماً غير معروضة في صالات تجارية؟ أبهذه الطريقة يُجذَب جمهور، لن يتمكّن أصلاً من حضور حفلة التكريم/المنح؟ أيظنّ مسؤولو المهرجان أنّ اختيار "نجم شبّاك (تذاكر)" سيكون إضافة (!)، وتوازناً بين الاستهلاكي (وبعضه عاديّ إلى درجة الملل، إنْ لم يكن مبتذلاً في تقنياته وادّعاءاته وبهلوانيّاته)، المتمثّل بأحمد عزّ، والجدّي الباحث والمتأمّل والمحرّض على تفكيرٍ وقراءة وإعمال عقل وخيال، كيُسري نصرالله، الذي سيُمنح جائزة "الهرم الذهبي لإنجاز العمر"، في الدورة نفسها للمهرجان المذكور؟

التعامل مع تمثيل أحمد عزّ يبقى في إطار تجاري استهلاكي عاديّ ومطلوب تجارياً، فهذا جزءٌ من صناعة متكاملة، وحقّ لمنتجين/مُنتجات يريدون "أرباحاً" في مقابل ما "يدفعونه" لإنجاز الأفلام، وكثيرون/كثيرات يرغبون في هذا النوع من الأفلام. لكنْ، أنْ يُمنح جائزة "تميّز"، أيّاً يكن اسمها، فهذا يُثير ضحكاً ساخراً، ويؤشّر إلى خرابٍ يعتمل في مهرجانٍ، يحتاج إلى تأهيل جذريّ، أو ربما إلى تأسيسٍ جديد لشدّة ترهّله، وللترهّل أسبابٌ كثيرة أخرى، كإدارته وأسلوب عملها، والصالات المختارة، واختيار الأفلام ولجان التحكيم، إلخ. المأزق، أنْ بلداً كمصر، في زمنٍ كهذا، غير ناضجٍ لتحديثٍ أو تجديد أو ابتكارات. بل إنّه غير قادرٍ، أقلّه إلى الآن.

السابق كلّه غير لاغٍ أهمية اشتغالات سينمائية مصرية كثيرة، حالياً. محاولات واختبارات، في صُنع أفلامٍ وإدارة مهرجانات (رغم ندرة الجيّد والمفيد بين كثرة غير جيّدة وغير مفيدة) وتنظيم نشاطات، وإنْ بتفاوتٍ مهنيّ واحترافيّ، تصنع ابتكارات، تمتلك جمالية خلق وتجريب، فتُثير نقداً وتفكيكاً ونقاشاً، ومتعاً بصرية. الواضح، أنّ "مهرجان القاهرة السينمائي" ليس أحد تلك الاشتغالات، رغم محاولات سابقة، قليلة ومتواضعة (تجربتا سمير فريد ومحمد حفظي تستحقّان قراءة نقدية متكاملة، بإيجابياتها وسلبياتها وتحدّياتها المختلفة)، هادفة إلى إصلاحه، أو إصلاح شيءٍ منه على الأقلّ، لكنّها تفشل، كأنّ التغيير الجذري ممنوعٌ، في بلدٍ تحول سلطته الحاكمة دون جعل المهرجانات مؤسّساتٍ، بدلاً من أنْ يُنتَظر، بعد كلّ دورة سنوية، تعيين روؤساء لها ومدراء فنيّين، وغيرهم.

المساهمون