الدراما العربية: هشاشة صورة أم أزمة سيناريو؟

07 ابريل 2024
كتاب السيناريو يخضعون لهواجس شركة الإنتاج وأحلام المخرج (يوتيوب)
+ الخط -
اظهر الملخص
- السيناريو يُعد الأساس الفكري للأعمال الدرامية، مُشكّلاً جسرًا بين النص المكتوب والصورة المرئية، ويُسلّط الضوء على أهميته في تحقيق شروط بصرية تُمكّن من فهم النص وتجسيده بشكل جمالي.
- تُواجه الدراما العربية تحديات في جودة السيناريوهات، خاصة خلال رمضان، مع ظهور أعمال هجينة تُظهر أزمة في الكتابة، مما يُؤدي إلى انسحاب المشاهدين من بعض الأعمال منذ الحلقات الأولى.
- يُناقش النص التحديات التي تواجه كتّاب السيناريو والمخرجين، بما في ذلك تغيير النصوص لأسباب غير جمالية وغياب التكوين الحقيقي لكتّاب السيناريو، مُبرزًا دور السيناريست في اختيار الممثلين وأهمية الحكايات الفردية في خلق أعمال درامية بأفق بصري مختلف.

يعتبر السيناريو داخل الدراما والسينما والمسرح بمثابة الأساس الفكريّ الذي يُشيّد عليه العمل الفنّي، إذ من دون السيناريو لا يُمكن الحديث عن جماليات مسلسل أو سيتكوم. فهذا العنصر يبقى هاماً وضرورياً لتحقيق شروط بصرية سليمة قادرة على فهم النصّ وبلورته جمالياً على عرش الصورة. حيث إن العبور بالحكاية من خطابها المكتوب إلى صورتها المرئية عملية غير سهلة، بحكم ما يشوبها من غموض كبير يطبع مسارها في عملية الانتقال.

ومع كلّ شهر رمضان، تُطالعنا أعمال درامية هجينة وسيتكومات مرتبكة، تُظهر مدى الأزمة التي تطبع عملية الكتابة بالعالم العربي. إذ تبدو مسلسلات 2024 وكأنّها غير مكتوبة، بقدر ما اتفق الممثلون والطاقم التقني رفقة المخرج وفكّروا في التصوير التلقائي المباشر، من دون أيّ تخطيط مسبق على مستوى الكتابة. كيف لا؟ والنصوص في مُجملها مرتبكة وغير قادرة على التأثير في العملية الفنّية، ما جعل العديد من المشاهدين ينسحبون من بعض الأعمال الدراميّة منذ الحلقات الأولى ويهتمّون بأعمال فنية أخرى.

في حين يظلّ السؤال الجوهري مطروحاً حول أيّ قيمةٍ فنّية يُمكن أنْ تُقدّمها هذه الدراما، أمام ارتباك السيناريوهات وهشاشتها المُدقعة؟ كيف يُمكن الحديث عن صناعة دراميّة عربيّة ونحن نُعاين كل سنة بروز نفس الموضوعات ووفق نفس الموّال القديم الذي يهتمّ بالدراما الاجتماعية دون نظيرتها السياسية؟

يختلف السيناريو في السينما عن التلفزيون والمسرح، إذ رغم التقارب الفنّي بين هذه المجالات من الناحية الإبداعية، فلكلّ فنّ اشتغالاته الجمالية وطريقته الفكرية التي بها يُفكّر ويبني علاقته بذلك الفنّ.

والشيء نفسه أيضاً بالنسبة لمفهوم الصورة التي تدخل في علاقة جمالية قوية مع السيناريو، لأنّها بمثابة الخيط الناظم بين المكتوب واللامرئي. وبالتالي، فإنّ الصورة تلعب دوراً كبيراً في تأسيس شرعية تخييلية وحياة أخرى للنصوص داخل المسلسلات والسيتكومات والأفلام. إنّ الصورة عنصرٌ تقني ضروري حتّى تضمن للأعمال الدرامية سيرورتها في وجدان المتلقّي. ولأنّ الصورة في أصلها وماهيتها وتجلياتها عبارة عن براديغم يمزج المرئي باللامرئي، تظل قدرتها على التأثير كبيرة، مقارنة بالخطاب المكتوب حتّى لو كان إبداعياً.

غير أنّ الاهتمام بمجال الصورة يدخل ضمن عمل المخرج وليس السيناريست، فهو يبقى الشخص المؤهّل والقادر على اختيار الصُوَر التي تليق بالمَشاهد واللقطات داخل العمل الدراميّ. بيد أنّه في غمرة التحولات التي طاولت الأعمال الفنية في السنوات الأخيرة، ثمّة العديد من الوجوه التي عُرفت بكتابة السيناريو، لكنّها أصبحت تُمارس الإخراج وتحرص في كلّ عملٍ فنّي جديد لها على أن تخلق عالماً متوازياً بين المكتوب والمرئي وبين التوثيقي والتخييلي.

يُصرّح العديد من كُتّاب السيناريو بأنّ أغلب النصوص التي يكتبونها تتغيّر من تلقاء نفسها بمجرّد أن يغدو العمل في يد الشركة المُنتجة. وهو تغيير غير خاضع لضرورات جمالية، بقدر ما تتحكّم فيه عوامل أخرى ذات صلة بالميزانية وما ينبغي أن يكون ولا يكون. هذه الأمور، يعتبرها كُتاب السيناريو بمثابة عراقيل تلجم أفقهم التخييلي وتُسيّج تفكيرهم وتدفعهم إلى الرضوخ لهواجس شركة الإنتاج وأحلام المخرج.

ثمّة عطبٌ تقني أكثر منه أدبي في تحديد عمل السيناريست، إذ بالرغم من كون المخرج المسؤول الأوّل والأخير عن العمل الدراميّ، إلاّ أنّ السيناريست يبقى الشخص الذي يفهم ويتخيّل المسارات الجمالية التي تمُر منها الحكاية في سبيل استقرارها داخل وجدان المُشاهد.

وهذا مطبّ العديد من الأعمال التي يغدو فيها المخرج سيّد المسلسل، حيث يروم إلى اختيار الممثلين من دون استشارة السيناريست. وغالباً ما تكون هذه المسلسلات معطوبة في عملية الاختيار، بعدما يغدو المخرج غير قادر على إدارة الممثل بقوّة، لأنّ الأصل غائب ومُغيّب ومفقود.

بيد أنّ المخرج الناجح (المتواضع) هو الذي يفرض على شركة الإنتاج أن يكون السيناريست حاضراً لحظة اختيار الممثلين. ففي هذه الحالة، يلعب السيناريست دوراً محورياً وبارزاً في عملية الاختيار التي تكون دقيقة وأصيلة من حيث المبدأ والصناعة.

إنّ اختيار الممثلين من لدن المخرج وبمشاركة السيناريست لم نعرفه بعد في أعمال الدراما العربيّة. وهو غيابٌ لا يُمكن تفسيره إلاّ بتراجع وتدنّي مفهوم الحداثة البصرية في العالم العربي. فالأعمال الدراميّة يُنظر إليها بطريقة "مناسباتية" على أساس أنها أعمال فنية يلهث أصحابها وراء الترفيه والاستهلاك.

سينما ودراما
التحديثات الحية

من بين المشاكل التي تعاني منها الدراما العربيّة، مدى ابتعادها عن الواقع العربيّ بمُختلف تحوّلاته السياسية والاجتماعية. ما يجعل كُتّاب السيناريو يسبحون في ذواتهم وذاكرتهم عبر قصص شخصية وحكايات مُستلّة في عمومها من أجسادهم المكلومة. وهو اختيار أدبي مُفيد للأعمال الفنية، وذلك لكونه يفتح لها أفقاً بصرياً مختلفاً عن دراما الواقع والتاريخ والذاكرة والمجتمع.

إن الحكايات الفردية تظلّ مكوناً أساسياً في العملية التخييلية، خاصّة إذا كانت هناك حكاية نوعية وجريئة في تمثلاتها ومُفكّكة لعاداتنا وتقاليدها، فإنّها لا محالة ترسم أفقاً بصرياً جديداً للعمل الدراميّ. غير أنّ هذه الحكايات الذاتية لا يُمكن أنْ تمُرّ إلاّ عبر جسد الواقع الذي هو بمثابة الجسر أو المختبر الفكري الذي يُبلور الحكايات والقصص.

فغياب الواقع في السيناريوهات جعل العديد من النقاد والباحثين يعتبرونه أحد الأسباب المهمّة التي تحول دون تحقيق كتابة حقيقية للأعمال الفنّية. وهو رأيٌ غير صحيح، لأنّ هناك الكثير من التجارب العربيّة التي اشتغلت على الواقع، لكنّها ظلّت هشّة ومرتبكة في كتابتها وصناعتها. فاختيار الواقع أفقاً للتخييل الدراميّ أمرٌ ليس بجديد، بل ظلّ يشغل الدراما العربيّة منذ نهاية ثمانينيات القرن العشرين.

فإذا عُدنا إلى الشاشة المصرية، فسنجد أنّ أغلب الأعمال الفنية ذات مسحة واقعية، بحيث لم تكُن الصناعة الفنّية وأبعادها الجماليّة أمرًا ذا أهمية بالمقارنة ببراديغم الواقع وكيف يعمل على بلورة القصص، إذ منه تولد الحكايات وترسم لها حياة جديدة في بناء شرعية المعنى.

غير أنّ الواقع "الهارب" و"المُختفي" في الأعمال الدرامية العربيّة أصبح في دراما رمضان 2024 بارزاً وقوياً على مستوى الكتابة والتخييل. وعلى الرغم من الاهتمام بفيزيونومية الواقع داخل الصورة الدرامية، فإنّ السيناريوهات تظلّ مُعطّلة وغير قادرة على التأثير في خلق صناعة فنّية جديدة ومؤثّرة في الراهن الفني.

إنّ الواقع العربي عبارة عن وقائع مزدوجة يتمازج فيها العنصر الداخلي بنظيره الخارجي، ما يجعل عملية الكتابة تتجاوز كونها ذات نفس أدبيّ بخلطة فنّية، لأنّها تصبح عبارة عن مشروع فكري قويّ يخترق الواقع ويُفكّك الأنساق ويدحض الأفكار ويُعرّي النظم الاجتماعية الهشّة. في هذه الحالة، يغدو العمل الدراميّ ممارسة فكرية لا تحاكي الواقع وأحداثه، بقدر ما تتطلّع إلى بناء خطاب غير مرئي يرصد التحوّلات والتغيّرات التي تطرأ على المجتمعات والأفراد.

من المعضلات التي تتخبّط فيها الكتابة السيناريستيكية، غياب تكوين حقيقي لكُتّاب السيناريو داخل المعاهد والمدارس والجامعات. ذلك أنّ أغلب من يكتب السيناريوهات في المنطقة المغاربية عبارة عن كتاب وأدباء ومسرحيين وسينمائيين، أيْ لا يوجد متخصّصون في كتابة الأعمال الدراميّة. وهذا الأمر يُتيح للكثير من الأسماء اقتحام مجال الدراما خلال شهر رمضان.

 كلّ هذا في وقتٍ تعتبر فيه الدراما صناعة قائمة بذاتها وتختلف بشكلٍ كلّي عن الكتابة السينمائية ونظيرتها المسرحية. وذلك لأنّ كتّاب الدراما ينطلقون في أغلبهم من وضعيات اجتماعية تختلف حدّتها إذا كانت ستتمّ وفق منظورٍ سينمائي. في حين يخرق بعض المخرجين وكتاب السيناريو القاعدة التي تقوم على الفصل بين التلفزيون والسينما، بما يجعلهم يبتكرون لغةٍ بصرية مُذهلة يصعب القبض عليها من ناحية التصوير والكتابة والأداء والموسيقى وغيرها من العناصر المُشكّلة جوهرَ العمل الفنّي، سواء داخل السينما أو التلفزيون.

المساهمون