إيلي شويري المتفرد في عصر الاستهلاك

إيلي شويري المتفرد في عصر الاستهلاك

04 مايو 2023
وضع شويري أغنية "أيام اللولو" التي نالت شهرة واسعة منتصف الثمانينيات (فيسبوك)
+ الخط -

حقق إيلي شويري (1939 - 2023)، مركزاً متقدماً بين ملحني جيله في لبنان. الشاب الطموح الذي اختار المدرسة الرحبانية لاستكشاف موهبته، رحل عن 85 عاماً، لتبقى ألحانه في الذاكرة، كما النشيد الشهير الذي كتبه ولحنه "بكتب اسمك يا بلادي"، وتحول إلى أيقونة وطنية تُغنى في معظم الفعاليات الفنية العربية.
بين الغناء العاطفي، وذلك الوطني، خلق إيلي شويري حضوراً كبيراً منذ بداية السبعينيات حتى أواخر التسعينيات. لكنه، في السنوات الأخيرة، غاب عن الساحة الفنية، لأسباب كثيرة، منها دخول الأغنية عصر الاستهلاك، فانزوى تاركاً الساحة لإرثه ونتاجه السابق، بعيداً عن التزلف والسير مع سوق الأغنية المستجد منذ التسعينيات حتى اليوم.
في عام 2010، كُرم الموسيقار إيلي شويري في الدوحة، بدعوة من مهرجان الدوحة للأغنية العربية. حملت دورة المهرجان حينها شعار "ع هوا لبنان"، كمبادرة قطرية لتكريم الأغنية اللبنانية، إذ استضاف المهرجان مجموعة من الملحنين والشعراء والمغنين اللبنانيين. يومها، حمل شويري صوت كل لبناني، وتحدث في ندوات ومؤتمرات، وراقب الفنانين المشاركين في الأمسيات، وكان سعيداً ببلوغ الفن اللبناني عالماً يخرجه من المحلية إلى الفضاء الواسع. والتقى يومها الفنان فضل شاكر بمبادرة من مدير أعمال شاكر وقتذاك كريم أبي ياغي، واعداً إياه بلحن بعد عودتهما إلى بيروت، لكن شاكر اعتزل الفن، وخاض في قضايا ومواجهات أمنية.


في لقاء سابق، روى شويري لكاتب هذه السطور حكايات عن مشواره، متذكراً تعاونه مع الفنانة اللبنانية المعتزلة داليدا رحمة بداية الثمانينيات، ورائعته "يا بلح زغلولي" التي غنتها رحمة ولاقت نجاحاً مدوياً، لا بل كرست صاحبتها واحدة من أجمل الأصوات التي نافست في تلك الفترة.
يقول شويري: "كان صوت داليدا رحمة متميزاً ويستحق من يفهمه، ويخرجها من دائرة التقليدية إلى لون شعبي مألوف، فكانت "يا بلح زغلولي" التي فاجأني نجاحها، وأصبحت أنا أيضاً أغنيها في الحفلات والبرامج التلفزيونية، قبل وبعد اعتزال داليدا رحمة".
وضع شويري لحن أغنية "أيام اللولو" التي نالت شهرة واسعة منتصف الثمانينيات، عندما غنتها الفنانة صباح، ثم صدرت بصوت سميرة توفيق. في حديثه، أشار شويري إلى قصة هذه الأغنية. كانت توفيق قد سجّلتها لكنها لم تُصدرها، لتخرج الأغنية إلى الجمهور بصوت صباح. غضبت توفيق، وأصدرت نسختها فوراً. حينها، اختارت صباح أن تؤدي الأغنية للمرة الأولى من خلال برنامج سيمون أسمر، ما أثار غضب سميرة توفيق. إلا أنه، ورغم هذا كله، كما وضح شويري، بقي الحب يجمعه بكل من توفيق وصباح، خصوصاً أن تعاونه معهما كان في عدد من الأغاني، ولم يقتصر على واحدة.


أنهكت الحرب الأهلية اللبنانية إيلي شويري كما أشار، موضحاً أنها، كما حصل مع كثير من اللبنانيين، قد تسببت له بحالات من الحزن الشديد. حينها، هرب إيلي شويري برائعة "يا ناس حبّوا الناس" التي قدمها للإذاعات اللبنانية في عز الحرب، داعياً إلى الوحدة بين الطوائف اللبنانية، من خلال إدخال دعاء إسلامي وترتيلة مسيحية بالصوت في خلفية الموسيقى المغناة بأداء شويري اللافت. حققت الأغنية حضورها بين المستمعين، وتحولت إلى محطة أوقات الحرب والقصف التي قضاها اللبنانيون في فترة الثمانينيات.


لا يمكن اختصار مسيرة إيلي شويري بكلمات أو مواقف معدودة. تجربته أسهمت في تعزيز مكانته في عالم الأغنية اللبنانية البسيطة، وأخرجت منه ممثلاً كبيراً وقف إلى جانب السيدة فيروز والفنانة الراحلة صباح، واضعاً مواهبه في تصرف الرحابنة لسنوات، ثم اسقلال عن الأخوين رحباني من دون مشاكل أو مناحرات، وتفرد بألحان وأغان تشع جديداً وتبقيه واحداً من أكثر الملحنين اللبنانيين الذين أدركوا حجم وقيمة الأغنية اللبنانية وعملوا على نجاحها وتوظيف الجهد لبقائها متفردة في العالم العربي.

المساهمون