تجارة الماء وحل مشكلات الأنهر المشتركة

16 يوليو 2015
أزمة مياه متفاقمة في اليمن (أرشيف/Getty)
+ الخط -

أشارك اقتصاديين كباراً، مثل فرانك فيشر من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (إم.اي.تي)، أن المياه ستصبح أكبر سلعة متبادلة بين الدول المتجاورة في العالم، وسوف تحتل، من حيث الكمية والقيمة، مكانة متقدمة بعد سنوات، قبل أن تصبح المادة الأولى المتداولة عالمياً.

وقد بدأ الاتجار بالمياه منذ سنوات طويلة، حين بدأ بيعها بمذاق مختلف، كالعصائر، والمشروبات الغازية، عدا عن صناعة التخمير التي يعتقد أنها أقدم صناعة في العالم.

ولكن الحق العام في المياه بدأ يتحول تدريجياً إلى حق خاص، في مقابل مبالغ مالية تمنح، بموجبه، شركة ما حق استثمار المياه وبيعها، مثل شركة نستله في سويسرا، وشركة إيفيان في فرنسا.

وقد أصبحت تجارة المياه المعبأة في قوارير مختلفة الأحجام تجارة رائجة في الغالبية العظمى لدول العالم، إن لم يكن كلها، وهنالك جمعية دولية لشركات المياه المعبأة بالزجاجات، وهنالك مجلس دولي، وتضم المؤسستان معارض للترويج.

ولكن، المطروح هنا، أن اقتصاديين يزعمون أن التجارة عبر الحدود في المياه، خصوصاً بين الدول المتجاورة، تحسن من استخدام المياه كمصدر ثمين، ويعقلن استخدامها، ويوزعها بين الزبائن بشكل أكثر كفاءة .

وقد تمكنت دول من الوصول إلى اتفاقات واضحة فيما بينها، من أجل استخدام المياه المشتركة بينها، سواء كانت أحواضاً مائية تحت الأرض، أو مياهاً سطحية كالأنهار، والبحيرات، وغيرها. ولعل أبرزها اتفاقية حوض الدانوب، حيث تنظم الكميات المسحوبة بين الدول التي يمر بها النهر وفروعه وروافده، وكذلك من أجل الحفاظ على النهر نظيفاً. وبسبب هذا الاتفاق الذي أصبح أنموذجاً يحتذى، صارت مياه الدانوب نظيفة وعادت الحياة إليه.

اقرأ أيضاً: الحروب تهدّد الأمن الغذائي العربي

ويحتاج الوطن العربي إلى ترتيبات كهذه، بدءاً من الأنهر داخل الدولة الواحدة، مثل نهر الكلب في لبنان وبردى في سورية، والرقراق في المغرب، وغيرها، وانتهاء بالأنهر التي يشترك فيها عدد من الدول، مثل نهر الأردن، ونهرا دجلة والفرات، ونهر النيل.

ولا شك أن مستقبل علاقات كل من سورية والعراق مع تركيا سيرتكز، في المستقبل، على الترتيبات التي يتوصل إليها بين الأطراف الثلاثة.

وبالنسبة لنهر النيل، يبدو أن في مصر والسودان وجهتي نظر مختلفتين، وللنهر فرعان: النيل الأبيض الذي يمر بثماني دول، والنيل الأزرق ذو الحوض الأصغر، والذي ينبع من الهضبة الإثيوبية وبحيرة تانا بفعل الفيضانات المائية الكبيرة، والتي تملأ مجرى النهر، وتسبب أضراراً فادحة في إثيوبيا والسودان، البلدين اللذين نراهما متفقين على ضرورة بناء سد يحول دون الفيضانات، لكنهما يختلفان على حقوق المياه، أما مصر فترى في السد تحدياً كبيراً لها، وترى فيه اعتداء على حقوقها.

أما نهر الأردن، أو ما تبقى منه، فهو مقسم بين لبنان وسورية وإسرائيل والأردن، وله في كل دولة روافد تصب فيه، ما عدا إسرائيل التي تأخذ نصيباً وافراً من مياهه، خصوصاً بعد احتلال هضبة الجولان.

والملاحظ أن إمكانات الصراع والاقتتال متأججة. ولكن، ليس في الوقت الحاضر، ولعل أكبر تحد يواجه الأطراف العربية في نهر الفرات ودجلة والأردن أن امراً واقعاً قد فرض، فإسرائيل قد فرضت أمراً واقعاً على سورية والأردن، وحتى لبنان (الليطاني). ولبنان الذي ليس له السيادة على الليطاني والذي يستفيد بقدر ما من هذا الموقع، بصفته أرض المنبع للرافدين، أو الشريك العلوي فيهما.

وينبع اليرموك من سورية على الحدود مع إسرائيل، لكن احتلال الجولان، وما يقال إن الحركة الأرضية التاكتونية قد غيرت حدود بحيرة طبريا، يجعلان العودة إلى حدود الخامس من يونيو/حزيران 1967 غير مقبولة لإسرائيل، بدعوى أنها تمر، الآن، في البحيرة.

وكذلك، تخشى مصر أن تفرض إثيوبيا أمراً واقعاً بغير الحقيقة التي قالها هيرودوتس، قبل حوالي ألفين وأربعمئة وسبعين سنة، إن مصر هبة النيل.

المياه ثمينة وغالية، ويخشى أن نظريات بيع المياه السطحية عبر الحدود قد تنطوي على إمكانية الحصول على أرباح فاحشة من الشركاء العلويين، على حساب الشركاء السفليين في الأنهر.

فالبلد الذي عنده منبع النهر يتمسك بمنطق أن هذا أساساً نهره، وملكه، وأن الماء الذي يسمح بتدفقه إلى الدول الأخرى يجب أن يكون فائضاً عن حاجته.

لن يكون هنالك موضوع أكثر إثارة وشحناً للبغضاء بين الدول من الموضوع المائي في المستقبل. فما هو الفعل العربي حيال هذه القضية التي قد تصبح مسألة حياة أو موت؟


اقرأ أيضاً: الأمن المائي يهدّد استدامة التنمية الاقتصادية في الأردن

المساهمون