مع كل صباح جديد تزداد الأزمة الاقتصادية تعقيداً في دولة جنوب السودان التي تشهد حربا أهلية منذ ما يتجاوز العام ونصف العام أثرت بشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية وقادت الدولة الوليدة نحو حافة الانهيار.
ولم يهنأ جنوب السودان بثروات النفط الهائلة التي استقل بها عن الدولة الأم (السودان) في صيف 2011، إذ سرعان ما اندلعت الحرب الأهلية في البلاد لتؤثر بشكل مباشر على النفط الجنوبي الذي يمثل أكثر من 98% من إجمالي موارد الدولة.
وتراجع الإنتاج في الوقت الحالي إلى أقل من 150 ألف برميل يومياً، مقابل 400 ألف برميل يومياً في 2013، بفعل سيطرة المتمردين بقيادة نائب رئيس الجمهورية المقال رياك مشار، على أجزاء واسعة من حقول النفط في ولاية الوحدة وأعالي النيل، وأصبحت مهددة لبقية الحقول في البلاد.
وتتخوف الدولة التي يعيش الملايين من مواطنيها أزمة غير مسبوقة من نقص الغذاء والدواء والمياه، من توقف ما تبقى من حقول النفط العاملة، خاصة بعدما سحبت الشركة الوطنية الصينية للبترول، الأسبوع الماضي، نحو 404 من موظفيها العاملين في حقل بالتوش النفطي الذي يُعَد أكبر حقول ولاية أعالي النيل، رغم تأكيدات جوبا أن العمليات العسكرية بعيدة بنحو 30 كيلومتراً عن حقول النفط.
واتسع نطاق المواجهات بين القوات الحكومية والمتمردين في جنوب السودان يوم السبت الماضي، إذ أعلنت القوات الحكومية سيطرتها على ولاية أعالي النيل الغنية بالنفط، بينما قال المتمردون إن قواتهم تقاتل في ولاية الوحدة وتستعد للسيطرة على بور عاصمة ولاية جونقلي.
وتدهورت الأوضاع الاقتصادية في الدولة بفعل اشتداد الحرب، فشهدت أسعار السلع الاستهلاكية ارتفاعاً جنونياً وصل في بعضها إلى 300% بسبب توالي ارتفاعات سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية (الجنيه) في السوق الموازية، وانعدامه في بعض الأحيان.
ويسجل الدولار حالياً نحو 12 جنيهاً جنوب سودانياً، مقابل أقل من ثلاثة جنيهات قبل الأزمة، ما تسبب في زيادة كبيرة بالأسعار في دولة تعتمد بالأساس على استيراد أغلب احتياجاتها من الخارج.
ووصل سعر كيلو السكر إلى 60 جنيهاً، مقابل 20 جنيهاً قبل الأزمة، وصار رغيف الخبز بنحو جنيهات، بزيادة تفوق 100% عن مستوياته السابقة، بينما لم يعد البصل متاحا بالوزن كما كان في السابق، فتحولت وحدة بيعه إلى "البصلة"، والتي يختلف سعرها حسب حجمها المنظور. وتُباع البصلة متوسطة الحجم بسعر 5 جنيهات.
ورغم كونها منتجاً صافياً للنفط، شهدت جنوب السودان خلال الشهر الجاري، أزمة وقود حادة ظهرت معها صفوف السيارات أمام محطات الوقود بكثرة، وفقد معها الجنوبيون خدمة توصيل المياه إلى الأحياء، مع ارتفاع أسعارها لأكثر من النصف بسبب أن البعض أقدم على شراء الوقود من السوق السوداء والذي يصل سعره لأضعاف السعر الرسمي. وارتفعت وسائل المواصلات الشعبية إلى النصف.
وتقول إحدى المواطنات في العاصمة جوبا، وتُدعى ميري، لـ "العربي الجديد": "نحن حاليا نعيش أوضاعا قاسية وأصبحت أكتفى وصغاري بوجبة واحدة في اليوم وأحيانا نفشل في توفيرها". وأضافت أنها وأفراد أسرتها يعجزون تماماً عن توفير مياه الشرب لارتفاع أسعارها، فضلا عن اقتصادهم في الشرب توفيرا للمياه".
أما التاجر جون، فيقول لـ "العربي الجديد": "الأسعار حالياً وصلت لأرقام جنونية يصعب على المواطن الجنوبي البسيط التأقلم معها، أنا الآن على وشك الإفلاس فقد قلت الزبائن وبالكاد أنجح في بيع سلعة أو اثنين على مدار اليوم لان المواطن يتحاشاها".
ووفقا لبيان سابق لوزير النفط الجنوبي استيفن ديو، قطع خلاله بتراجع إيرادات النفط بسبب الحرب وانخفاض أسعاره عالميا، أشار فيه لحجم إيرادات النفط خلال العام الماضي والتي بلغت 3.83 مليارات دولار، تراجعا بأكثر من النصف عن مستوى الإيرادات في 2013.
ويقول المحلل الاقتصادي السوداني، قرنق دينق، لـ "العربي الجديد": هناك عدة عوامل أثرت بشكل أساسي على الاقتصاد الجنوبي، على رأسها الحرب الدائرة حالياً والتي طالت مناطق النفط، ما جعل الدولة تعجز حتى عن توفير رواتب العاملين لديها لأشهر متعددة، فضلا عن عدم توفر اعتمادات لشراء السلع الأساسية، لاسيما في ظل غياب أية موارد تعتمد عليها سواء ضرائب او قطاع زراعي او صناعي.
وذكر أن من ضمن الأسباب افتقار الدولة لرؤية محددة للخروج من الأزمة التي ربط حلها في المقام الأول بإنهاء الحرب باعتبارها تستنزف موارد الدولة على قلتها.
وفي تقرير سابق أصدره مركز جوبا لدراسات السلام والتنمية كانت "العربي الجديد" قد حصلت على نسخة منه، توقع المركز أن ترتفع تكلفة النزاع الاقتصادية في الدولة الوليدة إلى 22 مليار دولار في حال استمرت الحرب حتى نهاية 2015. وأكد أن الحرب قادت إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي خلال العام الماضي بنحو 15%.
وقال مصدر مسؤول في حكومة جنوب السودان لـ "العربي الجديد": إن تكلفة الحرب في البلاد سحبت ما يزيد عن 60% من ميزانية الدولة، مؤكدا أن الحكومة فشلت تماما في تأمين اعتمادات بالمبالغ المطلوبة لتوفير الاحتياجات الضرورية، فضلا عن توفير الرواتب وتسيير الأعمال.
وأشار المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن التقارير الواردة للحكومة تؤكد أن هناك ولايات تعاني من نقص حاد في الغذاء، مما يشير إلى مجاعة محتملة.
وذكر المصدر أن استمرار الحرب في ظل اتجاه المجتمع الدولي لفرض عقوبات على الجنوب، من شأنه أن يعجل بانهيار الدولة، موضحا أن الحكومة وضعت خطة إسعافيه لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار، خاصة بعد تراجع إيرادات النفط وسيطرة المتمردين على أجزاء من حقوله.
وشكّل الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت، مؤخرا، لجنة طارئة لإدارة الأزمة الاقتصادية. لكن محللين يستبعدون نجاح هذه اللجنة في الحد من تفاقم الأزمة؛ بسبب غياب رؤية اقتصادية محددة للجنوب وتركيز الإنفاق على الحرب التي استنزفت كل إيرادات النفط.
ولم يهنأ جنوب السودان بثروات النفط الهائلة التي استقل بها عن الدولة الأم (السودان) في صيف 2011، إذ سرعان ما اندلعت الحرب الأهلية في البلاد لتؤثر بشكل مباشر على النفط الجنوبي الذي يمثل أكثر من 98% من إجمالي موارد الدولة.
وتراجع الإنتاج في الوقت الحالي إلى أقل من 150 ألف برميل يومياً، مقابل 400 ألف برميل يومياً في 2013، بفعل سيطرة المتمردين بقيادة نائب رئيس الجمهورية المقال رياك مشار، على أجزاء واسعة من حقول النفط في ولاية الوحدة وأعالي النيل، وأصبحت مهددة لبقية الحقول في البلاد.
وتتخوف الدولة التي يعيش الملايين من مواطنيها أزمة غير مسبوقة من نقص الغذاء والدواء والمياه، من توقف ما تبقى من حقول النفط العاملة، خاصة بعدما سحبت الشركة الوطنية الصينية للبترول، الأسبوع الماضي، نحو 404 من موظفيها العاملين في حقل بالتوش النفطي الذي يُعَد أكبر حقول ولاية أعالي النيل، رغم تأكيدات جوبا أن العمليات العسكرية بعيدة بنحو 30 كيلومتراً عن حقول النفط.
واتسع نطاق المواجهات بين القوات الحكومية والمتمردين في جنوب السودان يوم السبت الماضي، إذ أعلنت القوات الحكومية سيطرتها على ولاية أعالي النيل الغنية بالنفط، بينما قال المتمردون إن قواتهم تقاتل في ولاية الوحدة وتستعد للسيطرة على بور عاصمة ولاية جونقلي.
وتدهورت الأوضاع الاقتصادية في الدولة بفعل اشتداد الحرب، فشهدت أسعار السلع الاستهلاكية ارتفاعاً جنونياً وصل في بعضها إلى 300% بسبب توالي ارتفاعات سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية (الجنيه) في السوق الموازية، وانعدامه في بعض الأحيان.
ويسجل الدولار حالياً نحو 12 جنيهاً جنوب سودانياً، مقابل أقل من ثلاثة جنيهات قبل الأزمة، ما تسبب في زيادة كبيرة بالأسعار في دولة تعتمد بالأساس على استيراد أغلب احتياجاتها من الخارج.
ووصل سعر كيلو السكر إلى 60 جنيهاً، مقابل 20 جنيهاً قبل الأزمة، وصار رغيف الخبز بنحو جنيهات، بزيادة تفوق 100% عن مستوياته السابقة، بينما لم يعد البصل متاحا بالوزن كما كان في السابق، فتحولت وحدة بيعه إلى "البصلة"، والتي يختلف سعرها حسب حجمها المنظور. وتُباع البصلة متوسطة الحجم بسعر 5 جنيهات.
وتقول إحدى المواطنات في العاصمة جوبا، وتُدعى ميري، لـ "العربي الجديد": "نحن حاليا نعيش أوضاعا قاسية وأصبحت أكتفى وصغاري بوجبة واحدة في اليوم وأحيانا نفشل في توفيرها". وأضافت أنها وأفراد أسرتها يعجزون تماماً عن توفير مياه الشرب لارتفاع أسعارها، فضلا عن اقتصادهم في الشرب توفيرا للمياه".
أما التاجر جون، فيقول لـ "العربي الجديد": "الأسعار حالياً وصلت لأرقام جنونية يصعب على المواطن الجنوبي البسيط التأقلم معها، أنا الآن على وشك الإفلاس فقد قلت الزبائن وبالكاد أنجح في بيع سلعة أو اثنين على مدار اليوم لان المواطن يتحاشاها".
ووفقا لبيان سابق لوزير النفط الجنوبي استيفن ديو، قطع خلاله بتراجع إيرادات النفط بسبب الحرب وانخفاض أسعاره عالميا، أشار فيه لحجم إيرادات النفط خلال العام الماضي والتي بلغت 3.83 مليارات دولار، تراجعا بأكثر من النصف عن مستوى الإيرادات في 2013.
ويقول المحلل الاقتصادي السوداني، قرنق دينق، لـ "العربي الجديد": هناك عدة عوامل أثرت بشكل أساسي على الاقتصاد الجنوبي، على رأسها الحرب الدائرة حالياً والتي طالت مناطق النفط، ما جعل الدولة تعجز حتى عن توفير رواتب العاملين لديها لأشهر متعددة، فضلا عن عدم توفر اعتمادات لشراء السلع الأساسية، لاسيما في ظل غياب أية موارد تعتمد عليها سواء ضرائب او قطاع زراعي او صناعي.
وذكر أن من ضمن الأسباب افتقار الدولة لرؤية محددة للخروج من الأزمة التي ربط حلها في المقام الأول بإنهاء الحرب باعتبارها تستنزف موارد الدولة على قلتها.
وفي تقرير سابق أصدره مركز جوبا لدراسات السلام والتنمية كانت "العربي الجديد" قد حصلت على نسخة منه، توقع المركز أن ترتفع تكلفة النزاع الاقتصادية في الدولة الوليدة إلى 22 مليار دولار في حال استمرت الحرب حتى نهاية 2015. وأكد أن الحرب قادت إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي خلال العام الماضي بنحو 15%.
وقال مصدر مسؤول في حكومة جنوب السودان لـ "العربي الجديد": إن تكلفة الحرب في البلاد سحبت ما يزيد عن 60% من ميزانية الدولة، مؤكدا أن الحكومة فشلت تماما في تأمين اعتمادات بالمبالغ المطلوبة لتوفير الاحتياجات الضرورية، فضلا عن توفير الرواتب وتسيير الأعمال.
وأشار المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن التقارير الواردة للحكومة تؤكد أن هناك ولايات تعاني من نقص حاد في الغذاء، مما يشير إلى مجاعة محتملة.
وذكر المصدر أن استمرار الحرب في ظل اتجاه المجتمع الدولي لفرض عقوبات على الجنوب، من شأنه أن يعجل بانهيار الدولة، موضحا أن الحكومة وضعت خطة إسعافيه لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار، خاصة بعد تراجع إيرادات النفط وسيطرة المتمردين على أجزاء من حقوله.
وشكّل الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت، مؤخرا، لجنة طارئة لإدارة الأزمة الاقتصادية. لكن محللين يستبعدون نجاح هذه اللجنة في الحد من تفاقم الأزمة؛ بسبب غياب رؤية اقتصادية محددة للجنوب وتركيز الإنفاق على الحرب التي استنزفت كل إيرادات النفط.