يعاني المواطن السوداني من ارتفاع أسعار السلع الحياتية، منذ أكثر من ثلاثة أعوام. إذ مع انفصال الجنوب وتكوينه دولته المستقلة، وسحبه إيرادات النفط الجنوبي من ميزانية الدولة العامة، يشهد الاقتصاد السوداني تراجعاً مريعاً، لاسيما وأن الموازنة كانت تعتمد بما نسبته 45% على إيرادات النفط حسب الاحصاء الرسمي للحكومة، و80% حسب خبراء اقتصاديين .
هكذا، أثرت الازمة الاقتصادية الخانقة التي تعانيها الخرطوم، بشكل مباشر على المواطن السوداني، وبات يعاني من ارتفاع يومي ومتواصل في الاسعار، ما يجعل من تأمين متطلبات الحياة مهمة شبه مستحيلة .
عوامل ارتفاع الأسعار
جملة عوامل ساهمت في ارتفاع الاسعار في ظل التحرير الاقتصادي، بينها تذبذب سعر الصرف والعجز الكبير في الميزان التجاري.
بنظرة سريعة على واقع السوق السودانية، نجد أن المواطن السوداني يفاجأ بارتفاع سعر سلعة ما، خلال 24 ساعة. ومع اقتراب حلول شهر رمضان، ارتفعت الاسعار بشكل خيالي. فنجد سعر كيلو غرام السكر، قد تضاعف قبل ثلاثة أسابيع من حلول رمضان، من 170 جنيهاً سودانياً إلى 300 جنيهاً. وذلك، برغم أن الخرطوم تعد مصدرة للسكر إذ لديها حتى الآن مصنعان لانتاج هذه السلعة، إلا أنها أيضاً تعد أكبر مستورد له .
أما أسعار المواد الحياتية الاخرى، فنجد أن نسبة ارتفاع أسعارها فاق معدل 200% وأحياناً 300% .
ويؤكد الخبير الاقتصادي ونائب رئيس اللجنة الاقتصادية السابق بالبرلمان بابكر محمد توم، في حديث مع "العربي الجديد" أن التأثيرات الخارجية تعد السبب الرئيسي وراء ارتفاع الاسعار، باعتبار أن السودان تعتبر دولة مستوردة للسلع الأساسية. ويوضح: تتضخم أسعار السلع المحلية، مع ارتفاعها عالمياً. ويشير الى "عدم قدرة الحكومة على تقليل استيراد السلع الاساسية أي السكر، القمح والادوية". ويذكر أن البلاد تعاني من التضخم بسبب العجز الكبير في الميزان التجاري، "إذ أنها تصدر القليل وتستورد الكثير".
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن "الاستيراد يتطلب توافر العملات الصعبة في ظل غياب سياسة حكيمة من الدولة لاستقطاب العملات الصعبة من المغتربين ومنتجي الذهب الذين يلجأ معظهم للتهريب".
تغيير النمط الغذائي
وأسهم الارتفاع الجنوني في الاسعار الى تغيير نمط الحياة والغذاء السوداني، وبدأت مظاهر مجتمعية تختفي كثقافة التجمعات الاسرية أيام العطل في أحد منازل الاسرة. إضافة الى غياب الطعام النوعي والمختلف في العطل، وتراجع اجتماع "الصينية"، وهي ثقافة سودانية محلية بأن يتجمع أفراد العائلة حول طاولة تحمل أصنافاً عدة من أنواع الطعام تكفل الخيارات لكل الملتفين حولها.
وقد استبدل بعض الأسر "الصينية" بـ"السندويشات" باعتبارها أقل تكلفة في ظل ارتفاع أسعار الخبز. فقد كان سعر 10 أرغفة من الخبز يصل جنيهاً واحداً، في حين أصبح الجنيه حالياً لا يشتري سوى رغيفين من الخبز.
ويقول المواطن جمال الدين علي، لـ"العربي الجديد " إنه يعاني يومياً مع الارتفاع المتضاعف لأسعار السلع، والتي أكد بأنها لا تتناسب مع رواتب العاملين في أجهزة الدولة أو خارجها. ويوضح: أصبحنا لا نستطيع مجاراة أسعار السوق، كنا نأتي بالفاكهة الى المنزل بشكل أسبوعي ولكنها الآن بجانب العديد من الكماليات فارقت منزلنا نهائياً" ويضيف" "إذا استمر الوضع القائم، قد لا نجد ما يسد جوعنا ".
أما أم كلثوم أحمد، وهي عاملة بسيطة تربي أطفالها بعدما فقدت زوجها، فتقول لـ"العربي الجديد": ما أجنيه من العمل لا يكفي لإعانة أسرتي الصغيرة المؤلفة من ثلاثة أطفال. وتشرح أنها اضطرت لإخراج ابنها الكبير من المدرسة ليساعدها في العمل لتستطيع تأمين قوت أطفالها. وتوضح: الآن مدخولي وابني لا يكفيان لوجبة واحدة في اليوم.
وتتفق المواطنة خالدة سليمان، مع ما ذهبت اليه أم كلثوم، وتضيف قائلة "راتبي الشهري 690 جنيهاً سودانياً، أنفق منه 340 جنيهاً شهرياً على المواصلات، وبقية المرتب مع مرتب زوجي الذي هو أقل، لا يكفينا لاسبوع في ظل ارتفاع الاسعار الجنوني".
أما هنادي الهادي، فترى أن الاجور مقارنة بأسعار السوق زهيدة جداً، وتؤكد بأنها وأسرتها استغنت تماماً عن الكماليات الغذائية، واكتفت فقط بالمواد الغذائية الأساسية "التي أخشى أن نصل الى يوم نعجز فيه عن تأمينها".