هل تباغت أسعار النفط صناع السياسة النقدية حول العالم؟

هل تباغت أسعار النفط صناع السياسة النقدية حول العالم؟

19 ابريل 2024
أميركا ترفع مخزون النفط تحسباً لتعطل الإمدادات - ولاية كولورادو 13 إبريل 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- التوقعات بضربة جوية إسرائيلية لإيران تثير قلق صناع السياسة النقدية عالميًا بشأن تأثير الصراعات الإقليمية على مكافحة التضخم، مع تركيز خاص على الصدمات النفطية المحتملة.
- ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 4% بعد الهجوم على أصفهان، يعكس التوتر المتزايد في الشرق الأوسط ويقلق محافظي البنوك المركزية الساعين للسيطرة على التضخم.
- تأثير الصراع بين إسرائيل وإيران قد يكون بعيد المدى على الاقتصاد العالمي، مع توقعات بارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولارًا للبرميل، مما يزيد من تكلفة الوقود ويحفز دورة جديدة من التضخم.

ليلة الجمعة، ومع ترجيح توجيه إسرائيل ضربة جوية خاطفة لبعض المواقع في إيران، تلقى صناع السياسة النقدية في أغلب اقتصادات العالم صفعة ذكرتهم بالتهديد المحتمل الذي يشكله الصراع المتنامي في المنطقة على معركتهم ضد التضخم.

وفي الأسبوع نفسه الذي قال فيه العديد من المسؤولين النقديين المجتمعين في واشنطن، ضمن اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، إنهم يتحسبون لصدمات نفطية محتملة يمكن أن تسبّب اشتعال أسعار المستهلكين من جديد، سبّب الهجوم الإسرائيلي المرجح على إيران نوعاً من تقلبات أسعار النفط على النحو الذي قض مضاجعهم على الأرجح.

وأدت الضربات التي تم الإبلاغ عنها، والتي وجهت إلى أهداف في أصفهان الإيرانية إلى ارتفاع أسعار النفط الخام بأكثر من 4%، متجاوزة مستوى 90 دولاراً للبرميل، قبل أن يتراجع السعر ويتم التداول الجمعة عند مستوى أقل من أسعار الخميس. وجاء التراجع في سعر الذهب الأسود بالتزامن مع تقليل وسائل الإعلام الإيرانية من أهمية الحادثة.

ورغم أن محافظي البنوك المركزية ربما يكونون راضين عن مستويات الأسعار الحالية، أخذاً في الاعتبار التوتر المتزايد في البقعة الأكثر أهمية لصناعة النفط والغاز في العالم، فإن تسلسل الأحداث لا يبشر بأي هدوء في الأفق.

وفي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك، قال الأمين العام أنطونيو غوتيريس للسفراء إن الشرق الأوسط "على حافة السكين"، في حين ينوي وزراء خارجية مجموعة السبع مناقشة التوتر الجيوسياسي في إيطاليا اليوم الجمعة، ضمن اجتماعات مجموعة السبع. وفي الوقت نفسه، ما زالت محاولات توقع الكيفية التي يمكن أن تؤثر بها المواجهات المتصاعدة على الاقتصاد والسياسة تسيطر على اهتمامات المشاركين في اجتماعات صندوق النقد الدولي في العاصمة الأميركية.

وقال ناثان شيتس، كبير الاقتصاديين العالميين في "سيتي غروب" والمسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية، لتلفزيون بلومبيرغ: "عادة ما تكون هذه الأحداث في نهاية المطاف أقل اضطراباً مما كنا نخشاه. مشكلة التحديات الجيوسياسية هي أنه عليك أن تفكر ملياً في المخاطر التي يمكن أن تحدث، ثم تنتقل من المخاوف بشأن أسعار النفط إلى مخاوف واسعة النطاق بشأن الاقتصاد".

ويبدو أن هذا هو المأزق الحقيقي الذي يواجه محافظي البنوك المركزية، الذين دخلوا عام 2024 بشعور من التفاؤل بأنّ التضخم الذي اجتاح العالم منذ الغزو الروسي لأوكرانيا قبل عامين اقترب من الدخول تحت السيطرة.

لكن رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) جيروم باول، أشار هذا الأسبوع إلى أنّ "مسؤولي البنك سيتعين عليهم الانتظار لفترة أطول من المتوقع لخفض أسعار الفائدة، حيث لم نشهد تقدماً منذ فترة فيما يخص تراجع التضخم أو تغير الوظائف المضافة".

وخارج الولايات المتحدة، يتساءل محافظو البنوك المركزية في الاقتصادات الأخرى عن المدى الذي يمكنهم الذهاب إليه في النأي باقتصاداتهم عن توتر الشرق الأوسط. وتشير الخبرات التاريخية إلى أن القارة العجوز، والعديد من الاقتصادات الناشئة في آسيا، كانوا من أكثر المتحملين للتكلفة، في حالات تعطل إمدادات الطاقة من المنطقة.

وقال بول كريستوفر، رئيس استراتيجية الاستثمار العالمية في "ويلز فارغو"، في تقرير: "قد يكون لحدث غير متوقع تأثير أكبر على السوق، مما قد يوقف مؤقتاً تراجع التضخم". ورفع البنك هذا الأسبوع توقعاته للتضخم في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، بعد أن أدى تسارع النمو والطلب إلى زيادة الأسعار.

ويتمثل الخطر المرتبط بارتفاع أسعار النفط ببساطة في رفع تكلفة وقود سيارات المستهلكين والمنتجين، وهو ما يؤثر بصورة مباشرة على ما يتحمله المواطنون من تكلفة بصورة يومية. وفي حين أن من المتوقع أن يضرب التأثير المتسلسل لذلك فاتورة الغذاء ومجموعة كاملة من السلع الأخرى، فعلى الأرجح سيؤدي ارتفاع الأسعار إلى دفع العمال لتجديد مطالبهم برفع الأجور، وهو ما قد يسبّب إعادة إشعال دورة التضخم التي اعتقد العديد من صناع السياسات خارج الولايات المتحدة أنهم تمكنوا من السيطرة عليها.

قد تؤدي الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران إلى وصول سعر النفط الخام إلى 150 دولاراً للبرميل إذا أضرت بشدة بالإنتاج وسبّبت إغلاق مضيق هرمز، وفقاً لتقديرات "بلومبيرغ" في وقت سابق من هذا الأسبوع.

واندلع آخر توتر في ذلك الممر الذي ينقل حوالي خمس النفط الخام العالمي ولم يتم إغلاقه في أي وقت، في عام 2017، عندما اتهم الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب إيران بشن هجمات على ناقلتين للنفط.

وتقول "بلومبيرغ إيكونوميكس" إن "تراجع التضخم العالمي يتحرك بسرعات مختلفة في أجزاء مختلفة من العالم. وإذا كان هناك تصعيد في الشرق الأوسط، فسيكون التأثير عالميًّا، لكن هذا يمثل تهديدًا أكثر من كونه السيناريو الأساسي المتوقع".

وقال زياد داوود، كبير استراتيجيي الأسواق الناشئة في الوحدة: "لقد كنا نواجه حربًا مستعرة في الشرق الأوسط واضطرابات تجارية في البحر الأحمر وأوروبا، ولم نشهد تأثيرًا كبيرًا على الاقتصاد العالمي، وذلك لأن النفط استمر في التدفق".

وتقول تينا فوردهام، مؤسسة مركز الأبحاث Fordham Global Foresight "نرجح أن المواجهة الحالية لم تنته، وما زالت تحتوي على العناصر اللازمة لانحراف الأمور". وأضافت في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ: "يجب أن نبقى في حالة تأهب قصوى عندما يتعلق الأمر بخطر مزيد من التصعيد في الشرق الأوسط. لقد أظهرت إسرائيل لإيران أنها تستطيع إطلاق النار وستطلق النار داخل الأراضي الإيرانية بالقرب من قاعدة جوية عسكرية. هذه طلقة تحذيرية، والكرة الآن في ملعب إيران”.

وبذل محافظو البنوك المركزية الذين تحدثوا في واشنطن قبل الهجوم قصارى جهدهم للظهور بمظهر المتفائلين إلى حد ما بشأن الوضع في الشرق الأوسط، على الرغم من اعترافهم بالمخاطر المتزايدة.

وعلى سبيل المثال، توقع محافظ البنك المركزي الهولندي المتشدد كلاس نوت، أن يكون الارتفاع في أسعار النفط الخام أقل ضرراً من أي ارتفاع آخر بسبب انخفاض الأسعار الأخرى.

وقال يوم الخميس: "إذا تعرضنا لصدمة نفطية، فسيكون ذلك على خلفية تراجع عام في التضخم في جميع العوامل الأخرى. إن احتمال حدوث تأثيرات الجولة الثانية الكبيرة، كما أعتقد، أقل، لكن من الواضح أنه شيء يجب مراقبته".

المساهمون