قطع الكهرباء في مصر يثير قلق المستهلكين والمنتجين

قطع الكهرباء في مصر يثير قلق المستهلكين والمنتجين

19 ابريل 2024
التقنين يترافق مع ارتفاع قيمة الفواتير (ديفيد دغنر/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مصر تواجه أزمة طاقة متفاقمة، حيث فشلت الصفقات المالية الضخمة وبرنامج بناء محطات توليد الكهرباء في حل مشكلة قطع الكهرباء والتخفيف من حدة الصيف الحار، مع تحول البلاد من مصدرة إلى مستوردة للغاز بسبب المشاكل الفنية وتراجع الإنتاج.
- التحول لاستيراد الغاز والمازوت يكلف الحكومة 300 مليون دولار شهريًا، مع خطط لرفع أسعار المنتجات البترولية وتطبيق نظام التسعير التلقائي للمحروقات لتخفيف العجز في ميزانية دعم الوقود.
- الأزمة تسببت في تراجع توقعات النمو الاقتصادي، زيادة التضخم، وتدهور الجنيه، مما أثر سلبًا على الاقتصاد المصري وزاد الضغط النفسي والاقتصادي على الأسر والشركات، مع تنفيذ إجراءات خفض التيار الكهربائي.

لم تفلح صفقات الإنقاذ المالي التي قادها صندوق النقد والبنك الدوليان والاتحاد الأوروبي، وبيع مدينة رأس الحكمة للإمارات، بإجمالي 58 مليار دولار، في وقف مخاطر قطع الكهرباء في مصر وإطفاء نيران صيف حار يقلق المواطنين والشركات الخدمية والصناعية.

تُظهر أزمة الكهرباء هشاشة برنامج ضخم استهدف بناء محطات توليد الكهرباء تعمل بالغاز بقدرة 30 ألف ميغاواط، خلال الفترة من 2015 إلى 2022، معتمدة على قروض أجنبية عالية التكلفة، بقيمة 18 مليار دولار، مع تدبير الوقود محليا من حقل غاز "ظهر" الذي تعرض لسحب جائر خلال فترة التشغيل الأولي، من 2018 -2021.

تعرض حقل "ظهر" لمشاكل فنية، أدت إلى تعطل آبار الغاز، وتراجع هائل بالإنتاج، وحولت مصر من دولة مصدرة إلى دولة مستوردة للغاز، نهاية عام 2022، مع عدم وجود مؤشرات لبدائل عن الغاز في أي من الحقول التي تستثمرها شركات دولية ومحلية، خلال العام الحالي.

بعد 35 يوما من التوقف عن قطع التيار الكهربائي عن المواطنين، بدأت الحكومة تنفيذ إجراءات خفض التيار وسط حالة من الغضب الشعبي، لحلوله مبكرا عن العام الماضي بنحو شهرين، وسط توقع خبراء بأن تكون الأزمة أشد وطأة خلال الصيف، واستمرار وجودها دون سقف زمني خلال الفترة المقبلة. أبلغت شركات الكهرباء المواطنين بقطع التيار الكهربائي على 3 فترات، صباحية ومسائية وليلية، مدة كل منها ساعة واحدة، بزيادة ساعة عن المتوسط المعتاد العام الماضي، بما يزيد من الضغط النفسي على الأسر والاقتصادي على الشركات والقطاع السياحي والمستشفيات والمراكز التجارية، التي تعاني بشدة من انقطاع التيار ويصعب تأمين مصادر بديلة لتوليد الطاقة، في ظل ارتفاع أسعار الوقود ومولدات الديزل الخاصة.

أزمة الكهرباء تتعمق

تعمق أزمة الطاقة الخفض المتوقع للنمو خلال العام المالي الجاري، من 3.5 في المائة وفقا للتقديرات الحكومية إلى 2.8 في المائة طبقا لرؤية خبراء البنك الدولي، الصادرة منذ يومين، المدفوعة بحالة عدم اليقين جراء استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة، وتراجع العوائد من قناة السويس والسياحة، وتحويلات المصريين بالخارج، مع بقاء القطاع الخاص غير النفطي في منطقة الركود، متأثرا بزيادة معدلات التضخم، وتدهور الجنيه وندرة الدولار وارتفاع تكاليف الإنتاج، وزيادة أسعار الكهرباء والمحروقات والنقل والرسوم والجمارك.

قال محمود شندويلي رئيس جمعية مستثمري سوهاج لـ"العربي الجديد" إن المناطق الصناعية التي تحصل على الكهرباء على الجهد العالي، لا يقطع عنها التيار إلا في حالات الصيانة والطوارئ، بينما الخطورة تظل على المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل غالبية مجتمع الأعمال، لوجودها بين مناطق سكنية تطبق عليها برامج الإطفاء.

في المقابل، يؤكد محمد سعد الدين ممثل مستثمري الغاز باتحاد الصناعات اتفاق الحكومة على استيراد كميات من الغاز كافية لمواجهة تشغيل محطات التوليد، والوفاء بزيادة الاستهلاك بالمنازل التي تخدم نحو 15 مليون وحدة سكنية، وتشغيل السيارات ومحطات وقود الغاز.

يذكر سعد الدين أن أزمة الغاز في مصر ناتجة عن مشاكل محلية، وغير مرتبطة بتطورات الأسعار العالمية، وأن ما تستورده مصر من إسرائيل يصدر بالكامل بعد إسالته بالمصانع المحلية. تقدم النائب محمد عبد العليم بسؤال حول النفقات الهائلة التي اقترضتها الحكومة لإقامة مشروعات توليد ونقل الطاقة، دون أن تستفيد من تلك المحطات في توليد الطاقة، مشيرا بحديث لـ"العربي الجديد" إلى فشل قطاع الكهرباء بتصدير فائض الطاقة خلال السنوات الماضية، إلى الدول المجاورة، ما أهدر قدرة الدولة في الحصول على عملة صعبة جراء عمليات البيع، تمكنها من استيراد الوقود اللازم للتشغيل.

يبدي عبد العليم دهشته من تضحية الحكومة بالأمن العام للأفراد، الذين يسيرون في شوارع وميادين مظلمة، دون أن تدرك أن العائد من الكهرباء له أبعاد اجتماعية ونفسية واقتصادية أعلى قيمة من التوفير في شراء الغاز.

تصدير الغاز

يشير تقرير البنك المركزي حول أداء ميزان المدفوعات، خلال النصف الأول من العام المالي الجاري 2023-2024، إلى وجود عجز بالميزان التجاري البترولي بلغ 3.1 مليارات دولار، مقابل فائض 1.8 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي، مدفوعا بانخفاض الصادرات البترولية بنحو 5.4 مليارات دولار، لتصبح 3.4 مليارات دولار، بسبب انخفاض كميات الغاز المصدرة والأسعار العالمية معا، في حين ارتفعت الصادرات من البترول الخام بنحو 308.9 ملايين دولار.

بين التقرير انخفاض الواردات البترولية، بحوالي 536 مليون دولار، لتصبح 6.3 مليارات دولار، وذلك محصلة لانخفاض الواردات من البترول الخام بمقدار 1.5 مليار دولار، في حين ارتفعت الواردات، بنحو 783 مليون دولار والغاز الطبيعي المستورد 164 مليون دولار.

وشهد قطاع البترول ثبات تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة لقطاع البترول عند 2.6 مليار دولار، تمثل استثمارات الشركات الأجنبية، في وقت تراجعت معدلات استرداد التكاليف والتحويلات المستحقة للشركات الأجنبية، لتقتصر على 3 مليارات دولار، مقابل مستحقات فعلية بقيمة 3.5 مليارات دولار وفقا لـ"المركزي"، الذي أظهر تراجعا بالاستثمار الأجنبي المباشر، خلال الفترة من يوليو/تموز إلى ديسمبر/كانون الأول الماضيين، إلى 5.5 مليارات دولار، بعد أن بلغ 5.7 مليارات دولار في الفترة ذاتها عام 2022-2023. حققت المنتجات البترولية نحو 74 مليون طن زيت خام ومتكثفات و45 مليون طن غاز طبيعي عام 2023.

استوردت الحكومة شحنات وقود بقيمة 12.6 مليار دولار عام 2023، متراجعة بنسبة 11 في المائة عن عام 2022، والتي بلغت 14.3 مليار دولار، مع بدء تطبيق نظام قطع التيار عن المواطنين. تسبب تدهور الجنيه، في ارتفاع قيمة الواردات البترولية التي تمثل 17 في المائة من فاتورة الاستيراد عام 2022.

ارتفعت واردات الوقود لحساب وزارة البترول، خلال الربع الأول من 2024، إلى 3.3 مليارات دولار بزيادة 6 في المائة عن نفس الفترة من عام 2023، التي بلغت 3.1 مليارات دولار، لتستحوذ على نحو 70 في المائة من فاتورة الاستيراد، خلال أشهر يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط ومارس/ آذار الماضي.

تراجعت الصادرات بنسبة 24 في المائة، على أساس سنوي خلال النصف الأول من العام المالي الجاري، إلى 16.4 مليار دولار مدفوعة بانخفاض الصادرات البترولية إلى 3.2 مليارات دولار بنسبة 63 في المائة على أساس سنوي، بما أدى إلى اتساع عجز الميزان التجاري بنسبة 21 في المائة، إلى 18.7 مليار دولار. خسرت الحكومة قدرتها على تصدير الغاز المسال، الذي ظل أهم قطاع تصديري، طوال عام 2023، بقيمة إجمالية 8.4 مليارات دولار.

انخفضت أسعار الغاز الذي تصدره مصر إلى أوروبا بنسبة 20 في المائة عام 2023 عن عام 2022، بينما بدأ اتجاه صعودي للأسعار الأسبوع الماضي متأثرا بحالة الحرب في المنطقة. تشير وزارة البترول إلى ارتفاع تكلفة الاستيراد، بنسبة 10 في المائة خلال نفس الفترة، مع زيادة أعباء التكلفة الفعلية، في قيمة الشحنات التي تأثرت بالعمليات العسكرية في البحر الأحمر، حيث تعتمد الحكومة على شراء منتجات النفط الخام والوقود، من العراق والسعودية والإمارات والكويت.

وتسعى الشركة القابضة للغازات الطبيعية إلى شراء شحنة من الغاز الطبيعي المسال شهريا للحد من تكرار انقطاعات التيار الكهربائي خلال فترة ذروة الاستهلاك صيفا المتوقعة بين شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب المقبلين، حيث ترتفع معدلات الاستهلاك، إلى نحو 36 ألف ميغاواط، مع زيادة درجات حرارة الجو عن 35 درجة مئوية، بينما تكفي كميات الوقود المتاحة أمام شركات إنتاج الكهرباء توليد نحو 32 ألف ميغاواط، مع بقاء معدل الاستهلاك خارج أوقات الذروة عند مستويات تتراوح بين 28 ألفا و30 ألف ميغاواط.

تقدر الحكومة العجز بكميات الغاز بنحو 135 مليون متر مكعب، و10 آلاف طن من المازوت يوميا، بما يعوزها 300 مليون دولار شهريا لتمويل شرائها من الخارج. ضاعفت إسرائيل كميات الغاز المصدر إلى مصر، لصالح شركات إسرائيلية – مصرية، لتصديره بالكامل للاتحاد الأوروبي، بعد تسييله بمصنعي أدكو ودمياط شمال الدلتا، بينما تطلب الأمر أن تنتظر وصول سفينة سنغافورية، تخشى المرور بمضيق باب المندب، لتتولى تحويل الغاز المسال الذي تستورده من الخارج، إلى غاز وضخه في أنابيب الغاز المحلية، بخليج السويس.

كما تطلب وزارة البترول رفع أسعار المنتجات البترولية محليا، قبل شهر يوليو المقبل، مع توقع ارتفاع أسعار الوقود في السوق العالمية، لتخفيف العجز المتسارع في ميزانية دعم الوقود سنويا، مع تقدير متوسط سعر برميل البترول الخام بنحو 90 دولاراً، بدلا من 85 دولاراً للبرميل السائد حاليا.

تطبق الحكومة نظام التسعير التلقائي للمحروقات، منذ يوليو 2016، لرفع الأسعار دوريا، حيث قررت رفع أسعار السولار بنسبة 21 في المائة، والغاز 33 في المائة، والبنزين بنحو 10 في المائة، مستهدفة دفع المواطنين، إلى ترشيد الاستهلاك. مثلت الزيادة في أسعار السولار ضربة قاسمة للشركات والعقارات الكبيرة والمحلات التجارية، التي توسعت في العامين الأخيرين في شراء مولدات كهرباء تعمل بالسولار، لسد العجز في توليد الطاقة العمومية، خلال فترة الانقطاعات.

المساهمون