عمال مصر: تدهور معيشي وقمع للاحتجاجات

عمال مصر: تدهور معيشي وقمع للاحتجاجات

01 مايو 2024
عمال مصريون يحملون أكياس فحم في 17 ديسمبر 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في مصر، يواجه العمال السجن بسبب مطالبتهم بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، مثل تطبيق الحد الأدنى للأجور، خاصة خلال احتفالات عيد العمال.
- الاحتجاجات العمالية تقابل بتدخلات أمنية قاسية، مع تسجيل حالات اعتقال واتهامات بالانضمام لجماعات إرهابية ونشر أخبار كاذبة، مما يقمع الحراك العمالي.
- "لجنة العدالة" تطالب بالإفراج الفوري عن العمال المحتجزين ومراجعة التشريعات المقيدة لحقوقهم، داعية لحماية حقوق العمال وفقاً للدستور المصري والالتزامات الدولية.

بينما يحتفل العالم في الأول من مايو/أيار من كلّ عام، بعيد العمال، يقبع في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة في مصر، عشرات العمال ممن عوقبوا على حراكهم العمالي، ورفعهم رايات المطالب الاقتصادية والاجتماعية العادلة.

وكان آخر عمال سجنوا في مصر، بسبب حراكهم العمالي ومطالبتهم بحقوقهم، هم وائل أبو زيد ومحمد طلبة من عمال شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى (غزل المحلة)، على ذمة القضية رقم 717 لسنة 2024، على خلفية الإضراب الذي نظمه عمال غزل المحلة أواخر فبراير/شباط الماضي، للمطالبة بتطبيق قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، الخاص بالحد الأدنى للأجور على قطاع الأعمال، أسوة بالقطاع الحكومي، وهو ما استجاب له وزير قطاع الأعمال العام، عقب الإضراب. 

وكذلك كان السجن من نصيب سامح زكريا، من العاملين بهيئة الإسعاف، وأحمد عبد الفتاح، الأمين العام المساعد للجنة النقابية للعاملين بشركة شرق الدلتا للنقل والسياحة، بسبب مطالبهم بحقوقهم المادية المشروعة. 

احتجاجات وقمع 

قوبلت الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات العمالية في مصر، بتدخلات أمنية أجبرت العمال في بعض الأحيان على الانصياع للأمر الواقع دون الحصول على حقوقهم.

ومن أبرز وقائع التدخل الأمني ضد الاحتجاجات العمالية منذ بداية 2024، التعامل الأمني مع أزمة عمال شركة "غزل المحلة"، وإضرابهم لحين تطبيق قرار الحد الأدنى عليهم، حيث ألقي القبض على عدد من العاملين في الشركة بمقر الأمن الوطني بالغربية، وإحالة واحد منهم لنيابة أمن الدولة العليا. 

وكان جهاز الأمن الوطني، قد استدعى عدداً من عمال غزل المحلة، في فبراير/ شباط الماضي، على خلفية اشتراكهم في إضراب عن العمل، للمطالبة بحد أدنى للأجور بقيمة 6 آلاف جنيه (الدولار = نحو 47.8 جنيهاً)، وجرى الإفراج عنهم لاحقاً، عقب فض العمال للإضراب، بعد الاستجابة الجزئية لمطالبهم، وأبقي على العاملين وائل أبو زيد ومحمد طلبة، وجرى تجديد حبسهما خمس مرات متتالية على ذمة القضية رقم 717 لسنة 2024. 

ومن أمثلة التعامل الأمني مع الحراك العمالي أيضاً، ما حدث مع أزمة معلمي مسابقة الـ 30 ألف معلم، حيث استُبعد 14 ألفاً منهم لأسباب غير معلومة، وحين اعتصموا اعتراضاً على ذلك الاستبعاد؛ ألقي القبض على 14 معتصماً منهم من أمام مقر وزارة التربية والتعليم بالعاصمة الإدارية، وعرضوا على نيابة أمن الدولة العليا؛ التي وجّهت لهم اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر وإذاعة أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والاشتراك في تجمهر. 

وكانت الحكومة قد دعت عن طريق الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، إلى المشاركة في المسابقة المؤهلة لتعيين 30 ألف معلم سنوياً، لسد العجز الذي تعانيه المدارس المصرية في الكوادر البشرية، إلا أن أعداداً كبيرة من الناجحات والناجحين في المسابقة فوجئوا باستبعادهم لأسباب تمييزية، بالمخالفة لنصوص الدستور والقانون، تتعلق بالوزن الزائد، والطول، والحمل، والولادة الحديثة، أو عدم اجتياز تدريبات عُقدت للياقة الطبية والبدنية والذهنية وكشف الهيئة، عُقدت جميعها في مقر الكلية الحربية بالقاهرة وتحت إشرافها. 

تحجيم الحراك 

كذلك من أمثلة المعالجة الأمنية للحراك العمالي، القبض على 9 من عمال شركة "كريازي للأجهزة الكهربائية" بالعبور من منازلهم؛ إثر بلاغات قدمتها الشركة ضدهم، وجرى احتجاز العمال في قسم العبور، وأصدرت النيابة أمراً باحتجازهم لمدة 15 يوماً بتهم التظاهر دون تصريح والدعوة للإضراب، وذلك رداً على وقفة احتجاجية نظمها العمال في فبراير/شباط للمطالبة بتحسين رواتبهم.

وبشأن التدخلات الأمنية في قمع الحراك العمالي، قالت "لجنة العدالة" إن الاحتجاجات العمالية في مصر من الظواهر الاجتماعية والسياسية التي لها أثر بارز على المشهد الوطني، سواء قبل ثورة يناير عام 2011 أو بعدها، والتي تعاملت معها السلطات المصرية بشكل أمني بحت؛ ما ساهم بشكل كبير في تحجيم فاعلية وحراك العمال للدفاع عن مصالحهم الاقتصادية والمهنية.

ولكن توالي الأزمات الاقتصادية التي كان العمال والطبقات الهشة أولى ضحاياها، أدى لمعاودة الاحتجاجات العمالية المتفرقة على الساحة، جراء الضغط الاقتصادي والاجتماعي لهذه الأزمات المتتالية، وعدم تقديم أي حماية من قبل الدولة والنظام للفئات الهشة -وعلى رأسها العمال- سوى قرارات تتعلق بالحد الأدنى للأجور غير ملزمة للقطاع الخاص.

وفي التقرير النوعي الأول الذي نشرته "لجنة العدالة" ضمن مشروع "العدالة العمالية"، والذي حمل عنوان "التدخل الأمني في الاحتجاجات العمالية"، استعرضت اللجنة التزامات مصر الدولية والدستورية تجاه العمال وحماية حقوقهم في التنظيم والتعبير والدفاع عن مصالحهم، وتناقض التشريعات المحلية مع هذه الالتزامات من حيث قانون العمل، وقوانين الخدمة المدنية، التي تحكم الخناق على عمال وموظفي القطاعي الحكومي والخاص؛ لتقييد قدرتهم على التفاوض والضغط من أجل مصالحهم. 

توصية بالإفراج عن العمال 

وأوصت لجنة العدالة بالإفراج الفوري عن العمال المحتجزين، على خلفية إضراب شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، ووقف التصعيد غير المبرر بحقهم، وعدم عقابهم لمطالباتهم السلمية والمشروعة، والإفراج عن المعلمين المعتصمين أمام مقر وزارة التربية والتعليم، وتمكينهم من التظلم على قرار استبعادهم التعسفي، والتوقف عن الملاحقة الأمنية للقياديين العماليين والنشطاء والمدافعين عن حقوق العمال. 

كذلك دعت اللجنة لإشراك العمال وممثليهم في النقاش حول مشاريع القوانين المفصلية، والتوقف عن اقتصار الحوار على أصحاب الأعمال والمستثمرين، وأيضاً مراجعة التشريعات المجحفة التي لا تتوافق مع الدستور المصري والتزامات مصر الدولية، مثل قانون الخدمة المدنية، وقانون العمل، فضلاً عن قوانين التظاهر والتجمهر والإرهاب التي تُمكن السلطة من التنكيل بالعمال، وغيرهم من سائر المواطنين. 

كما حثّت لجنة العدالة السلطات المصرية بالتراجع عن القرار رقم 2297/2020 بتعديل بعض أحكام قانون التعليم؛ الذي قام بتحديد شروط تعسفية لتعيين المُعلمين، تضمنت الحصول على الاجتياز من الكلية الحربية، بعد اجتياز اختبارات بدنية ورياضية وشخصية، وإلغاء سطوة الكلية الحربية غير المنطقية على تعيينات المدنيين في الإدارات والهيئات الحكومية.

المساهمون