عمال المياومة في غزة الأكثر معاناة وسط استمرار الحرب

10 يناير 2024
البعض اتجهوا إلى طهي الطعام وإعداد الخبز في الشوارع لتوفير أموال زهيدة (الأناضول)
+ الخط -

يعيش عُمال المياومة الفلسطينيون ظروفاً اقتصادية وإنسانية قاسية بفعل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة للشهر الرابع على التوالي، وفقدانهم مصادر دخلهم اليومية، ما أسفر عن تفاقم مُعاناتهم، وقُدرتهم على توفير قوت أطفالهم وأسرهم.

وتسبب العدوان الإسرائيلي، والذي انطلقت شرارته في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في تدهور نواحي الحياة، في المجالات الاقتصادية كافة، بفعل قصف المباني، والمُنشآت، والأبراج المدنية والسكنية والتي تضُم مُختلف المصالح الاقتصادية، والمحال، والشركات، والمكاتب التجارية.

ويواجه مُختلف العُمال، وفي مُقدمتهم عشرات الآلاف من عُمال المُياومية (الذين يعتمدون على توفير قوت يومهم من خلال دخلهم اليومي)، مُختلف الظروف القاسية التي نتجت من الحرب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، بدءا بالإغلاق الكامل للمعابر المؤدية إلى القطاع، ومنع دخول المُساعدات الإنسانية، والأدوية، والمواد الغذائية، والأساسية، وليس انتهاءً بفقدان مصادر دخلهم اليومية.

ولا يقتصر فُقدان العُمال لمصادر رزقهم على الاستهداف المُباشر، بقصف المصالح التي يعملون فيها، وإنما يشمل حالة التهجير القسري، والتي طاولت معظم سكان القطاع، أي نحو مليوني شخص من أصل 2.3 مليونين، يعيشون في المناطق المُخلاة، سواء في مُحافظتي غزة والشمال، أو في المُحافظات الوسطى والجنوبية.

يقول الفلسطيني أيوب خزيق، وهو من سكان منطقة تل الهوا، شمالي مدينة غزة، إنه فقد مصدر دخله اليومي مُنذ اليوم الأول للحرب، بعد أن نزح برفقة عائلته إلى عِدة أماكن، من مُخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وصولًا إلى مدينة رفح، جنوبي القطاع، وذلك حِفاظا على حياة أسرته من القصف، والتهديدات الإسرائيلية المتواصلة.

ويلفت خزيق، الذي يعمل في محل إكسسوارات وتجهيز عرائس لـ "العربي الجديد" إلى أنه عَلِم بتدمير المحل التجاري الذي يعمل به في منطقة الشجاعية شرقي مدينة غزة، ما أفقده خيط الأمل الأخير بالعودة إلى حياته الطبيعية بعد انتهاء الحرب.

ويقول "بالكاد كان المُخصص المالي يكفيني أنا وأفراد أُسرتي الأربعة قبل الحرب، بفعل غلاء الأسعار، وانعدام مصادر الدخل البديلة"، إلا أن المُعاناة الحقيقية بدأت مُنذ بداية الحرب، وفقدانه مصدر دخله البسيط، والذي تزامن مع حالة النزوح والتشريد من منطقة إلى أُخرى، في ظل شُح المُساعدات الإنسانية الإغاثية، ونفاد المواد الغذائية، أو زيادة أسعارها لأكثر من خمسة أضعاف.

أما الفلسطيني كرم أبو جلهوم، فقد تعرض مُنذ بداية العدوان إلى أزمات مُركبة ومُتفاقمة، حيث يعمل خياطاً في أحد المصانع المحلية في مدينة غزة، وقد تعرض عمله، والذي يعتمد عليه كمصدر دخل أساسي للتوقف مُنذ اللحظات الأولى للعدوان، بفعل الانقطاع الكامل للتيار الكهربائي، بعد قطع الخطوط المؤدية إلى القطاع، ومن ثُم انتقاله قسراً نحو مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، جراء التهديدات الإسرائيلية المتواصلة للمواطنين بضرورة ترك بيوتهم، نحو المناطق الوسطى والجنوبية.

يؤكد أبو جلهوم لـ "العربي الجديد" أن الواقع الاقتصادي في قطاع غزة مُنهار بالأساس، بفعل تواصل العدوان الإسرائيلي مُنذ سبعة عشر عاماً، فقد كانت الأسواق تشهد حالة من الضعف بسبب تبعات الحصار، وإضعافه للقُدرة الشرائية للمواطنين، إلا أن العدوان جاء بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، والتي أفقدت الآلاف لأعمالهم اليومية، والتي كانت تكفيهم بالكاد لتوفير أبسط مقومات الحياة".

ويضيف أن تلك الحالة المأساوية التي يمُر فيها أهالي قطاع غزة، وفي مقدمتهم عُمال المياومة، تتزامن مع الشُح الشديد في المُساعدات الإنسانية، خاصة في ظل انعدام الأفق بفعل تواصل العدوان، وتفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية يوما بعد الآخر.

واتجه بعض عمال المياومة إلى إيجاد حلول مؤقتة تعينهم على متطلبات أسرهم، إذ بدأ عدد منهم ببيع بعض المُساعدات لشراء باقي المُتطلبات الضرورية، فيما اضطر البعض إلى المُداومة في الطوابير الطويلة التي يُمكن عبرها توفير الطعام، فيما اتجه البعض الآخر لإشعال النار وطهي الطعام، أو إعداد الخُبز بمُقابل مادي بسيط، إلا أنهم يرون أن كُل تلك الأعمال غير مُجدية، وغير قادرة على توفير أدنى الأساسيات.

في الإطار ذاته، يلفت رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في غزة سامي العمصي، إلى أن العدوان الإسرائيلي المتواصل تسبب بفقدان شريحة واسعة من العُمال لأعمالهم، جراء قصف مصادر رزقهم، أو تشريدهم ضمن سياسة التهجير القسري، التي طاولت مناطق كاملة في مُختلف محافظات قطاع غزة.

ويُشدد العمصي في حديثه مع "العربي الجديد" على أن العدوان لم يكن أول الانتهاكات بحق العُمال، حيث سبقه الحصار، والذي تسبب في كُل الأزمات، والمشاكل التي يمُر فيها أهالي قطاع غزة، والتي تفاقمت جراء الحرب، وعلى وجه التحديد شريحة العُمال، حيث ضاعَف نسب البطالة والتي كانت مُرتفعة بالأساس، إذ كانت تصل إلى ما يزيد عن 47%، فيما تجاوزت نسبتها في صفوف الشباب 75%، علاوة على عيش نحو 60% من عائلات العمال تحت خط الفقر.

ويشير إلى زيادة حِدة الأزمات والتحديات التي تسبب فيها الاحتلال الإسرائيلي، وفي مُقدمتها منع دخول كافة المواد الغذائية، والمواد الخام، وكافة المواد الأساسية، إلى جانب منع دخول المُساعدات الإنسانية، والوقود، والأدوية، واستهداف المؤسسات الإغاثية، والبنوك، والمُنشآت الاقتصادية.

ويطالب العمصي المجتمع الدولي، والدول العربية بتحمل مسؤولياتها، وإنهاء حالة الصمت، والضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف العدوان، وزيادة نسبة المُساعدات المُقدمة للفلسطينيين في غزة، والتخفيف من المعاناة الإنسانية، وسوء الأوضاع الاقتصادية المُتفاقمة يوما بعد يوم.

المساهمون