زراعة الزهور تفقد رحيقها في غزة

19 فبراير 2023
زراعة الزهور في القطاع باتت شبه متوقفة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

تواجه زراعة الزهور في قطاع غزة صعوبات متزايدة لتُصارع البقاء متمسكة بأمل ضئيل لبقاء القليل من رحيقها، بينما كانت أحد مكونات الاقتصاد الفلسطيني في سنوات ماضية.

وبدأت الصعوبات في وجه تلك الزراعة، التي تتركز في المناطق الشمالية والجنوبية لقطاع غزة، بالحصار الإسرائيلي المُشدد على القطاع منذ 16 عاماً، وإغلاق المعابر، إلى جانب القيود على عملية التصدير، وغياب الدعم المالي الدولي، فيما لم تسلم من التجريف والقصف المُباشر للأراضي الزراعية في الحروب أو التصعيدات، ما ساهم بتكبد المزارعين خسائر كبيرة، أدت إلى تقليص المساحة المزروعة إلى أقل من 5% من مساحتها الكُلية.

وشقت زراعة الزهور طريقها التجاري والربحي منذ بداية التسعينيات، فيما توسعت زراعتها مع حلول عام 1998، بعد تعدد عشرات المشاريع الزراعية في مختلف المناطق الحدودية، على مساحة تزيد عن ألف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع)، وسبقت ذلك التوجه زراعة الزهور محلياً داخل البيوت والحدائق الخاصة والعامة.

واتجه معظم مُزارعي الزهور، مؤخراً، إلى تحويل أراضيهم الزراعية، وتخصيصها لزراعة أصناف من الخضار والفواكه ذات التكلفة المنخفضة، والاستهلاك المُباشر، مقارنة بقطاع الزهور، الذي يُنتج سلعة لا تُعتبر أساسية في قطاع غزة، الذي يُعاني من مختلف أصناف التحديات الاقتصادية والسياسية، بفعل الحصار الإسرائيلي الخانق والمتواصل منذ ما يزيد عن عقد ونصف.

وتتجاوز تكلفة زراعة الدونم الواحد نحو 8 آلاف دولار، وقد تزيد التكلفة بفعل تعرض الشتول إلى الأوبئة، أو عوامل التغير المناخي. وكانت تعتمد تلك الزراعة في موسمها، الذي يمتد من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني حتى إبريل/ نيسان من كلّ عام، بشكل أساسي، على التصدير إلى هولندا وإلى الأسواق الأوروبية، وكانت تحصل على دعم يزيد عن 50% من التكلفة الزراعية.

يقول المتحدث الفني باسم وزارة الزراعة في غزة، محمد أبو عودة، إن زراعة الزهور في القطاع باتت شبه متوقفة، ولم تعد من أعمدة الاقتصاد الفلسطيني، أو من سفرائه إلى الخارج، إذ كانت في السابق من القطاعات الهامة والأساسية وكانت تساهم بنحو 25 مليون دولار سنوياً من الدخل القومي، وكان عدد العمال في قطاع الزهور يبلغ 4500 عامل، بشكل مباشر وغير مباشر.

يوضح أبو عودة لـ"العربي الجديد" أن مئات الدونمات السابقة لزراعة الزهور التي كانت تصدر إلى البورصات العالمية، وتحديدا إلى هولندا والأسواق الأوروبية، تحولت إلى زراعة أصناف من الخضراوات والفواكه، بفعل ملوحة الأرض، ونقص المياه، ما ساهم بتغيير جغرافية الأرض المزروعة، فيما اقتصرت زراعة الزهور على نحو 30 دونماً فقط، تتركز في مناطق جنوبي قطاع غزة.

ويتسبب تدهور قطاع الزهور والمساحات المزروعة بتذمر متواصل عند المزارعين، وفق أبو عودة، وذلك نظرا لعدة أسباب أساسية، ومنها غياب الدعم الدولي، وتعنت الاحتلال الإسرائيلي وتحكمه في المعابر، وتوقف التصدير بشكل كامل منذ أكثر من 10 أعوام، ما انعكس بالسلب على المزارعين، وتسبب بخسائر فادحة، لافتاً إلى أنّ المساحات الضئيلة، في الفترة الحالية، تقتصر على استهلاك القطاع المحلي، لمحلات تزيين السيارات، ومحلات الهدايا، إلى جانب المُناسبات المُجتمعية.

في الأثناء، يقول أمين سر جمعية حماية منتجي الزهور إبراهيم الدحنون، وهي الجمعية المتوقفة عن العمل بفعل تدهور هذا المجال في قطاع غزة، لـ"العربي الجديد"، إن الأراضي المُخصصة لزراعة الزهور في مدينة بيت لاهيا، شمالي قطاع غزة، تحول معظمها لزراعة الفراولة، بسبب تخوف المزارعين نتيجة الإغلاق الإسرائيلي للمعابر لفترات طويلة، ومنع تصدير الزهور.

يوضح الدحنون أن زراعة الزهور كانت مدعومة في السابق، وكان أصحاب المشاتل في الجانب الإسرائيلي يزودون المزارعين بالشتول واسترداد ثمنها من التصدير، وقد تحول ذلك التوجه بعد اغلاق المعابر، وصار ثمن الشتول يُطلب نقداً، إذ لم يعد المزارع قادراً على الدفع، أو حتى توفير الأسمدة الزراعية، في ظل منع التصدير منذ بداية الحصار الإسرائيلي.

ويشير إلى أنّ زراعة الزهور في المناطق الجنوبية باتت تقتصر على زراعة الورد الجوري والقرنفل وأصناف قليلة، لسدّ الحاجة المحدودة للسوق المحلية (التي تعتبرها سلعة ثانوية وغير أساسية)، بعد توقف التصدير إلى الدول الأوروبية، التي كانت الداعم الرئيسي لهذا القطاع قبل تعرضه إلى الانتكاسة الاقتصادية.

المساهمون