- الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي بوتين إلى بكين تبرز أهمية الشراكة بين البلدين، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية الحالية، مع توقعات بأن تركز المحادثات على التعاون في مواجهة العقوبات.
- التعاون العسكري بين الصين وروسيا يشهد تعزيزاً، مما يعكس رغبة الصين في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية العالمية، ويشير إلى تحول استراتيجي قد يؤثر على النظام العالمي الحالي.
لم تكن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وروسيا يوماً ما أفضل مما عليه الآن، الأمر الذي يزيد من قلق الغرب حيال تشكل نظام عالمي موازٍ تقوده بكين وموسكو، رغم القيود التجارية الكبيرة التي تقود الولايات المتحدة فرضها، ومن ورائها حلفاؤها الأوروبيون ضد الصين، وكذلك العقوبات الواسعة على روسيا منذ بدء حربها في أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022.
ويلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الصيني شي جين بينغ، خلال زيارة لبكين تبدأ، اليوم الخميس، وتستمر يومين، في وقت بالغ الأهمية للطرفين حيث تشهد بكين حملة جديدة من القيود التجارية الأوروبية والأميركية، آخرها فرض إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن رسوماً جمركية حادة على العديد من السلع الصينية على رأسها السيارات الكهربائية والرقائق الإلكترونية (أشباه الموصلات) وألواح الطاقة الشمسية في محاولة لعرقلة تمددها في الأسواق، في وقت تشهد روسيا عقوبات غربية أشد ضراوة، باتت تطاول منابع إنتاج الغاز الطبيعي المسال تحديداً لتقويض صادراتها التي تُعَدّ وقود تمويل الاقتصاد وكذلك الحرب في أوكرانيا.
وستكون الصين الوجهة الأولى لبوتين في الخارج بعد الانتخابات التي جرت في مارس/ آذار الماضي والتي منحته فترة ولاية خامسة رئيساً، حيث إنّ هذه الزيارة التاسعة عشرة لبوتين منذ أن أصبح رئيساً في عام 2000، فيما اللقاء المرتقب هو الثالث والأربعون لهما. وتزدهر الروابط الاقتصادية بين الجانبين، لكنها تواجه ضغوطاً من العقوبات الغربية التي من المتوقع أن تكون محوراً مهماً للمحادثات. ووصل حجم التجارة الثنائية إلى 240 مليار دولار العام الماضي، بزيادة بلغت نسبتها 26% مقارنة بالعام السابق، وفقاً للجمارك الصينية، حيث تشحن الصين البضائع، بدءاً من السيارات والآلات الصناعية إلى الهواتف الذكية، وشراء مليارات الدولارات من صادرات الطاقة الروسية.
في مارس/ آذار من العام الماضي، توقف الرئيس الصيني عند باب الكرملين. وقبل أن يودع بوتين، قال شي: "دعونا نعززه معاً"، وهي اختصار لما تعتبره الصين تغييراً تاريخياً في النظام العالمي. فقد أصبحت روسيا شريكاً أكثر أهمية في حملة الصين ضد القوة الأميركية. وتزداد قوة العلاقات الاقتصادية، وهناك دلائل على تعميق الروابط العسكرية أيضاً، وفق تقارير أميركية وأوروبية. وهذا الشهر، قامت الولايات المتحدة مرتين بتشديد العقوبات على التجارة الصينية الروسية.
وخلال زيارتين منفصلتين للصين في إبريل/ نيسان، انتقدت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، المسؤولين الصينيين. وقال بلينكن للصحافيين في نهاية رحلته إن الصين هي "المورد الأكبر" للأدوات والإلكترونيات الدقيقة، والنيتروسليلوز (عنصر حاسم في قذائف المدفعية) وغيرها من العناصر التي تعتبرها أميركا "ذات استخدام مزدوج". وأضاف: "ستكافح روسيا لمواصلة هجومها على أوكرانيا دون دعم الصين". وفي وقت لاحق، أخبر رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، بورج بريندي، أن التكنولوجيا الصينية مكنت روسيا خلال العام الماضي من إنتاج الأسلحة والذخيرة، بما في ذلك الصواريخ والدبابات، "بوتيرة أسرع من أي وقت مضى في تاريخها الحديث، بما في ذلك خلال الحرب الباردة". بينما ردت حكومة شي جين بينغ بشدة، وحثت الغرب على "التوقف عن تشويه واحتواء الصين".
وتدعم بيانات التجارة وجهة النظر الأميركية. وفي عام 2022، ارتفعت واردات روسيا من المعدات الآلية من الصين بنسبة 120% تقريباً إلى 362 مليون دولار، وفقاً لأرقام التجارة الصينية. وفي عام 2023 ارتفعت مرة أخرى بنحو 170%. وتظهر الأرقام التجارية أن حصة الصين من هذه الواردات الروسية ارتفعت من أقل من 30% قبل الحرب إلى نحو 60% في عام 2022 و88% في عام 2023. ويعتقد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "سي إس آي إس"، وهو مؤسسة بحثية أميركية، أن رحلة الرئيس الصيني إلى موسكو في مارس/ آذار من العام الماضي أدت إلى تسريع تحول اعتماد موسكو على بكين. وفي تقرير للمركز عن صناعة الدفاع الروسية، نُشر في إبريل/ نيسان الماضي، قال إن هناك "زيادة حادة" في ذلك الشهر في الشحنات الصينية إلى روسيا من السلع ذات الاستخدام المزدوج التي صنفتها أميركا على أنها "أولوية قصوى". وهذا يعني أنها ذات أهمية كبيرة في صناعة الأسلحة الروسية وتخضع لضوابط تصدير مشددة في أميركا والدول الحليفة لها.
وتشكل الآلات والأجزاء الكهربائية، مثل رقائق الحاسبات، الحصة الأكبر من واردات روسيا من المنتجات ذات الأولوية العالية. ويشير المركز إلى أن جميع الموردين الأجانب الرئيسيين لروسيا تقريباً للسلع العسكرية الرئيسية هم من الصين وهونغ كونغ. وتظهر بيانات قالت مجلة "إيكونوميست" البريطانية إنها جمعتها أن صادرات الصين من أشباه الموصلات إلى روسيا بلغت قيمتها ما يقرب من 230 مليون دولار في عام 2023، ارتفاعاً من 157 مليون دولار في عام 2021. ونمت مبيعاتها إلى روسيا من آلات صنع الرقائق الإلكترونية بشكل مذهل في الفترة نفسها، من 3.5 ملاين دولار فقط إلى حوالى 180 مليون دولار، بحسب تقرير للمجلة نُشر على موقعها الإلكتروني يوم الثلاثاء الماضي.
وتعمل الولايات المتحدة حالياً على تكثيف الضغوط على الصين لوقف بيع المعدات ذات الأولوية العالية لروسيا. وفي الأول من مايو/ أيار الجاري، فرضت عقوبات على ما يقرب من 300 كيان أجنبي، بما في ذلك 20 شركة من الصين وهونغ كونغ، حيث وجهت لها وزارة الخزانة اتهامات بمساعدة روسيا في "الحصول على مدخلات رئيسية للأسلحة أو الإنتاج المتعلق بالدفاع".
دور روسي مهم أيضاً في الصين
وفي مقابل شرايين التجارة الصينية المهمة لروسيا، فإن لموسكو دوراً مفيداً تلعبه أيضاً في الصين، فإذا اندلعت حرب بين الصين وأميركا، فإن روسيا تستطيع أن تبقي الصين مزوّدة ببعض الطاقة التي تحتاجها على الأقل، متجاوزة نقاط التفتيش البحرية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة باستخدام خطوط الأنابيب والطرق البرية. وفي العام الماضي، وصلت واردات الصين من النفط الروسي إلى مستوى قياسي بلغ 107 ملايين طن، أي أكثر بنسبة 24% عما كانت عليه في عام 2022. وزودت روسيا ما يقرب من خُمس واردات الصين من النفط الخام، ما يجعلها المصدر الأكبر قبل المملكة العربية السعودية التي شحنت 86 مليون طن. كذلك ارتفعت واردات الصين من الغاز الطبيعي الروسي بنسبة 62%. وترغب روسيا في أن تشتري الصين المزيد، من خلال خط أنابيب غاز ثانٍ مقترح يسمى "قوة سيبيريا 2". وقد استمرت المحادثات لسنوات، حيث تتشدد الصين بشأن السعر.
وتعتقد الصين أنّ علاقاتها بالولايات المتحدة ستتدهور، سواء حصل الرئيس الديمقراطي جو بايدن على ولاية ثانية عبر الانتخابات المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، أو حصل الجمهوري دونالد ترامب عليها، وفق المحللين. وتبدو الصين سعيدة أيضاً بانتعاش صادراتها السلعية إلى روسيا. وقالت إيلينا ريباكوفا، الزميلة غير المقيمة في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أمس الأربعاء، إن "الصين هي الشريك الأكثر أهمية لروسيا الآن، حيث تشتري سلعها وتزودها بالسلع، بما في ذلك سلع ساحة المعركة". وشهدت العلاقات الاقتصادية بين الصين وروسيا نمواً منذ عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وفُرضت العقوبات الغربية الأولى على موسكو، ولكن بعد الغزو واسع النطاق لأوكرانيا في عام 2022، تسارع هذا الأمر، وفق فيليب إيفانوف، مؤسس البرنامج الصيني الروسي في معهد الأبحاث "آسيا سوسايتي".
إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية العالمية
كما يقول محللون إن العلاقات الاقتصادية المزدهرة هي واحدة من أوضح العلامات على رغبة الصين في إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية العالمية في اتجاهها باستخدام التجارة على حساب الولايات المتحدة. ويشير ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى أنه الشريك التجاري الأكبر لـ120 دولة، ويتعامل مع معظم الدول بغضّ النظر عن سياساتها. وهذا يمنحها دوراً متزايداً كعامل تمكين اقتصادي لمجموعة كبيرة من البلدان، بما في ذلك تلك المعادية للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة، مثل روسيا وبيلاروسيا وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا.
وقال إيفانوف لـ"فايننشال تايمز" إن الصين تتوقع منافسة ومواجهة طويلة الأمد مع الغرب، ولتعويض ذلك تستثمر في علاقاتها الاقتصادية مع الدول غير الغربية حول العالم. كما يقول ريتشارد ماكجريجور، وهو زميل بارز في معهد "لوي" في سيدني: "إن النظام الموازي الصيني بدأ يتشكل الآن.. كنا نقول إنهم يبنونه. الآن يمكننا أن نرى الأوتار". وأشار إلى أن دولاً أخرى كانت تدعم أيضاً الاقتصاد الروسي، حيث اشترت الهند النفط الروسي، وساعدت الإمارات العربية المتحدة في المعاملات المالية، وقدمت كازاخستان وبيلاروسيا وتركيا مراكز للواردات الروسية الموازية، لكن الصين كانت الأكثر أهمية.