- الاتحاد الأوروبي يواجه ضغوطًا لحماية صناعته من المنافسة الصينية، مع إمكانية إعادة النظر في سياساته التجارية تجاه الصين بسبب التعريفات الجديدة، مما قد يغير ديناميكيات سوق السيارات الكهربائية العالمية.
- التطورات الأخيرة تأتي في وقت حساس، حيث تسعى الدول الغربية لحماية صناعاتها ووظائفها من التهديدات الصينية، مع ترقب العالم لقرارات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التي قد تحدد مسار العلاقات التجارية العالمية.
ضاعف الرئيس الأميركي جو بايدن، الثلاثاء، التعريفات الجمركية المفروضة على السيارات الكهربائية القادمة لبلاده من الصين أربع مرات، لتصل إلى 100%. وستؤدي تعريفات بايدن من الناحية العملية إلى إغلاق أحد أكبر أسواق سيارات الركاب في العالم أمام أكبر منتج عالمي للسيارات الكهربائية، وهدد في نفس الوقت بإشعال حرب تجارية ضخمة، تدور رحاها خارج الولايات المتحدة، وتحديداً على الأراضي الأوروبية.
وقال بايدن يوم الثلاثاء: "أنا مصمم على أن مستقبل السيارات الكهربائية سيتم صنعه في أميركا على يد الاتحادات العمالية".
وتشتري الولايات المتحدة حاليًا عددًا قليلاً جدًا من السيارات الكهربائية من الصين، لكن الأمر يختلف تمامًا في أوروبا، التي تعد إلى حد بعيد أكبر سوق تصدير لمصنعي السيارات الكهربائية الصينية. وستؤدي تعريفات بايدن الجديدة إلى زيادة الضغوط على الاتحاد الأوروبي للدفاع عن شركات صناعة السيارات لديه، والتي من المرجح أن تواجه منافسة أشد من واردات السيارات الكهربائية الصينية إذا جرى إخراجها بالكامل من السوق الأميركية.
هل تنتقل تعريفات بايدن إلى أوروبا؟
وقال جوزيف ويبستر، وهو زميل بارز في "المجلس الأطلسي"، إن التعريفات الأميركية الأخيرة التي جرى فرضها على المركبات الكهربائية والسلع الأخرى القادمة من الصين، بما في ذلك أشباه الموصلات والبطاريات، قد "تجبر بروكسل" على التدخل في الأسواق لحماية منتجاتها، لأن التعريفات الأميركية المرتفعة يمكن أن تحول الكثير من التجارة إلى أوروبا. وأضاف في تعليقات على الموقع الإلكتروني للمركز البحثي: "سيتعين على بروكسل أن تتحرك بسرعة، إما لفرض تعريفاتها الجمركية، أو قبول طوفان من المنتجات الصينية الصنع".
ويحقق الاتحاد الأوروبي بالفعل في دعم الدولة لمصنعي السيارات الكهربائية الصينيين، وإذا وجد أن أسعارهم منخفضة بشكل مصطنع، فسوف يعلن عن فرض تعريفات قريبة من تعريفات بايدن بحلول أوائل يوليو/تموز. وتشتبه بروكسل في أن الدعم الذي تقدمه بكين لشركاتها قد يخلق منافسة غير عادلة لشركات صناعة السيارات الأوروبية.
وقالت أجاثا كراتز، مديرة شركة روديوم Rhodium Group للأبحاث، إن زيادة الرسوم الجمركية الأميركية على المركبات الكهربائية الصينية تجعل رفع الاتحاد الأوروبي تعريفاته الجمركية إلى 30%، أي ثلاثة أضعاف مستواها الحالي، أسهل.
وقالت كراتز، في تصريحات لشبكة "سي أن أن" الإخبارية: "سيكون من الصعب للغاية على بروكسل مضاهاة التعريفات الأميركية، والاتحاد الأوروبي لا يمكنه تبرير زيادة الرسوم أكثر من 30% لأن الرسوم يجب أن تتماشى مع نتائج التحقيق بشأن حجم الدعم في الصين". وأضافت: "هذا يعني أن الاتحاد الأوروبي سيحتاج إلى البحث عن أدوات دفاعية أخرى لمحاولة وقف تدفق المركبات الكهربائية المصنوعة في الصين إلى أوروبا، ويمكن أن يشمل هذا تدابير تستهدف أمن البيانات، والتنفيذ الصارم للمعايير البيئية وقوانين العمل".
نتائج عكسية
ووفقًا لـ"سيتي غروب"، اشترى الاتحاد الأوروبي 36% من صادرات السيارات الكهربائية الصينية في العام الماضي، أي أكثر من الأسواق الخمسة التي تليه في حجم المشتريات مجتمعة. وعلى النقيض من ذلك، اشترت الولايات المتحدة في 2023 نحو 1.1% فقط من صادرات الصين من السيارات الكهربائية، وهو ما لا تتجاوز قيمته 365 مليون دولار، وفقا لشركة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية.
وتتميز العلامات التجارية الصينية بتكاليف إنتاج أقل بكثير من منافسيها الأوروبيين، وهو ما يعني أن الرسوم الجمركية التي تتراوح بين 40% و50% ربما تكون ضرورية "لجعل السوق الأوروبية غير جذابة لمصدري السيارات الكهربائية الصينيين"، كما تقول كراتز وباحثون آخرون في مذكرة كتبتها مجموعة روديوم.
وأضافوا أنه "بالنسبة لشركة BYD، أكبر مُصنع للسيارات الكهربائية في الصين، فمن المرجح أن تكون التعريفات أعلى حتى تكون فعالة، وهو ما استبعدت تطبيقه شركة الأبحاث. ويرجع ذلك أيضًا إلى أنها قد تلحق الضرر في النهاية بشركات صناعة السيارات الأوروبية، التي يصنع الكثير منها سيارات في الصين، ليتم بيعها بعد ذلك في أوروبا".
وفي مكالمة هاتفية مع الصحافيين الأسبوع الماضي، حذر الرئيس التنفيذي لشركة BMW أوليفر زيبسي أوروبا من المضي قدمًا في فرض التعريفات الجديدة على السيارات الواردة من الصين. وقال للمحللين في وقت لاحق: "لا نعتقد أن صناعتنا بحاجة إلى الحماية"، مضيفا أن العمل على أساس عالمي يعد ميزة. وأضاف: "يمكنك بسهولة تعريض هذه الميزة للخطر من خلال فرض تعريفات الاستيراد".
وسيرغب الاتحاد الأوروبي أيضًا في تجنب استفزاز بكين، أو دفعها للقيام برد فعل، الأمر الذي قد يجعل الحياة صعبة على شركات صناعة السيارات الأوروبية التي تبيع منتجاتها في الصين.
وقال تو لو، العضو المنتدب في شركة Sino Auto Insights الاستشارية: "وضع الاتحاد الأوروبي مختلف تمامًا عن الولايات المتحدة، نظرًا لأن شركات تصنيع السيارات الألمانية تعتمد بشكل كبير على السوق الصينية لتحقيق مبيعات وأرباح كبيرة، وهو ما يجعل احتمالات قيام الاتحاد الأوروبي بفرض تعريفات كبيرة ضعيفة للغاية".
هل تختمر الحرب التجارية؟
وتعكس تعريفات بايدن الضغوط المفروضة على المسؤولين الغربيين لحماية الوظائف المحلية والصناعات ذات الأهمية الاستراتيجية من تهديدات الواردات الصينية الرخيصة. وفيما يخص الشراكة التجارية، فإن الصين تعد أكثر أهمية بالنسبة للاتحاد الأوروبي من الولايات المتحدة، والأهم من ذلك أنها تمثل سوقا أوسع لصادرات سلع الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، تتخذ بروكسل موقفا أكثر وقائية بشأن التجارة مع الصين.
وبالإضافة إلى التحقيق في دعم الحكومة الصينية للمركبات الكهربائية الصينية، يحقق الاتحاد الأوروبي في مزاعم إغراق الصين لأوروبا بالمنتجات الصناعية الرخيصة، أو الدعم الحكومي غير العادل لمصنعي توربينات الرياح الصينية.
وقالت كراتز من مجموعة روديوم: "يستخدم الاتحاد الأوروبي كافة الأدوات المتاحة لديه في الوقت الحالي للدفاع عن اقتصاده ووظائف مواطنيه، مما يعتبره ممارسات تجارية غير عادلة من الصين". وأضافت: "أقول إننا ندخل فترة متوترة للغاية في ما يتعلق بالتفاعلات التجارية والدفاع التجاري".
وقد تضغط الولايات المتحدة أيضًا على الاتحاد الأوروبي وغيره من الحلفاء لتقليل اعتمادهم على التجارة مع الصين، كما فعلت بنجاح في ما يتعلق بأشباه الموصلات.
وفي بيان أعلن فيه عن التعريفات يوم الثلاثاء، قال البيت الأبيض إنه سيواصل العمل مع الحلفاء "لتعزيز التعاون لمعالجة المخاوف المشتركة بشأن ممارسات الصين غير العادلة". ومن المقرر أن يناقش زعماء مجموعة السبع للاقتصادات المتقدمة كيفية حماية صناعاتهم من المنافسة الصينية في قمة تعقد في إيطاليا الشهر المقبل.
وقال جوش ليبسكي، أحد كبار المديرين في المجلس الأطلسي: "الأسابيع القليلة المقبلة ستكون حاسمة". وكتب في تعليقات يوم الثلاثاء: "إذا كانت أوروبا ودول مجموعة السبع تتطابق مع السياسات الأميركية أو تعكسها، فقد يجعل ذلك بكين تدرك أن هذه المرة الأمور مختلفة".