الحرب على غزة تعمق ارتهان الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل

الحرب على غزة تعمق ارتهان الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل

21 ابريل 2024
الأسواق في رام الله بالضفة الغربية، 19 إبريل 2024 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية يتأثر سلبًا بالحرب على غزة، مما يعمق الاعتماد الاقتصادي الفلسطيني على إسرائيل. "بروتوكول باريس" يقيد الاستقلال الاقتصادي الفلسطيني بمنح إسرائيل سيطرة على الجمارك والضرائب.
- إسرائيل توقف تسليم العائدات الجمركية للسلطة الفلسطينية منذ بداية الحرب، مسببة أزمة مالية خطيرة تهدد بكارثة اقتصادية نظرًا لاعتماد السلطة على هذه العائدات في حوالي 60% من إيراداتها.
- الإجراءات الإسرائيلية تعتبر عقابًا جماعيًا يضعف السلطة الفلسطينية ويزيد الضغوط الاقتصادية، مما يرفع معدلات البطالة ويستخدم الاقتصاد كأداة ضغط لتحقيق تنازلات سياسية من الجانب الفلسطيني.

يزداد الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية المحتلة والذي يعاني أزمة منذ سنوات، صعوبة بسبب الحرب على قطاع غزة والتي تعمّق ارتهان الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل، وفق ما يقول خبراء. ويقول المحلّل الاقتصادي الفلسطيني عادل سمارة "في المفهوم العلمي، لا يوجد اقتصاد فلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي. هناك تبادل غير متكافئ، واقتصادنا ملحق بالاقتصاد الإسرائيلي وبالقوة". ويحكم الاقتصاد الفلسطيني "بروتوكول باريس" الموقّع في نيسان/إبريل 1994 بين إسرائيل وممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية، وذلك في إطار اتفاقية أوسلو 2 أو "اتفاق المرحلة الانتقالية للضفة الغربية وقطاع غزة" الذي وقّع في 24 و28 أيلول/سبتمبر 1995. وكان من المفترض أن يكون البروتوكول سارياً لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات في انتظار أن تتوصل المفاوضات إلى اتفاق حول "الوضع النهائي" للأراضي الفلسطينية. لكن لا يزال معمولاً به حتى الآن.

ويشير سمارة إلى الإنتاج المحدود في الأراضي الفلسطينية، وعدم قدرته على توفير فرص عمل للفلسطينيين، والاعتماد إلى حد كبير على إسرائيل لتشغيل اليد العاملة الفلسطينية، الأمر الذي توقف منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ويقول "اقتصادنا مشوّه".

وينظّم البروتوكول العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في ست قطاعات رئيسية: الجمارك والضرائب، والعمالة، والزراعة، والصناعة، والسياحة، والصادرات والواردات، بصورة تعطي إسرائيل صلاحية التحكّم في الحدود الخارجية وبضرائب الاستيراد والقيمة المضافة. وتمرّ تجارة الفلسطينيين مع دول أخرى عبر الموانئ البحرية والجوية الإسرائيلية، أو عبر المعابر الحدودية بين السلطة الفلسطينية والأردن ومصر والتي تسيطر عليها إسرائيل أيضاً. ويستخدم الشيكل الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. 

أزمة مالية غير مسبوقة 

ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، أوقفت إسرائيل تسليم السلطة الفلسطينية كامل المبلغ العائد لها من الرسوم الجمركية، متذرعة بأن المال يستخدم من أجل تمويل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر منذ 2007 على قطاع غزة، وتعتبرها دولة الاحتلال الإسرائيلي "منظمة إرهابية".

ورفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس احتجاجاً، تسلّم مبالغ ناقصة. وتتوسّط النرويج حالياً في المسألة. وفي شباط/فبراير، أفرجت إسرائيل عن حوالي 115 مليون دولار، لكن الأزمة لم تحلّ. وفي الماضي، أوقفت إسرائيل أكثر من مرة، على خلفية خلافات أو توتر، هذه التحويلات التي تشكّل قرابة 60 % من إيرادات السلطة الفلسطينية. وتحتاج السلطة إلى هذه المبالغ لدفع رواتب موظفيها ولمصاريفها، وفق مسؤولين وخبراء.

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى إن "الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية تنذر بكارثة كبرى"، مضيفاً أن "الأزمة المالية غير مسبوقة ووصلت إلى مستويات خطيرة، والتزامات ومديونيات الحكومة العامة وصلت إلى حوالي سبعة مليارات دولار أميركي"، أي أكثر من ثلث الناتج الداخلي الصافي.

وبعد اندلاع الحرب، سحبت إسرائيل، فيما قالت إنه "لأسباب أمنية"، تراخيص العمل من 130 ألف فلسطيني في الضفة الغربية كانوا يعملون في إسرائيل، فلم يعد لديهم مورد رزق. وتقدّر نسبة البطالة اليوم في الضفة الغربية المحتلة بنحو 30 %، وقد كانت 14 % قبل الحرب. ويصف سمارة الأمر بأنه "تبعية طوعية"، كون لا خيار للعمال الفلسطينيين إلا بالعمل داخل إسرائيل. "في الاقتصاد الحقيقي لأي دولة، يجب أن تكون هناك مواقع إنتاج اقتصادية وصناعية وزراعية توفّر العمل لأبنائها".

عقاب جماعي

ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي ميخائيل ميلتشين "أن عدم السماح للعمال الفلسطينيين بالعمل في إسرائيل وعدم تسليم عائدات الضرائب الفلسطينية أو الحسم منها"، يهدف "إلى إسقاط السلطة الفلسطينية التي تعتبرها إسرائيل عدوّاً"، ويصف ذلك بـ"العقاب الجماعي للفلسطينين". 

ويقول إنه حتى السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كان حوالي ثلث موارد الضفة الغربية يأتي من أجور 193 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل، وفق معطيات إسرائيلية. مشيراً إلى أن نحو ثمانية آلاف فلسطيني فقط يعملون حالياً بصفة قانونية في إسرائيل. ويضيف أن بعض السياسيين الإسرائيليين مثل الوزيرين بيني غانتس وغادي إيزنكوت يريدون "السماح بإدخال العمال إلى إسرائيل حتى لا ينفجر الوضع الأمني" في الضفة الغربية، ما قد يعقّد مهمة القوات الإسرائيلية التي تخوض حرباً طاحنة في غزة وتنتشر في الشمال على الجبهة مع حزب الله اللبناني.

ويرى المحلّل نصر عبد الكريم أن "نتنياهو يضغط على الفلسطينيين ويرسل رسائل إلى السلطة بأن مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني بأيدينا ونستطيع أن نؤذي السلطة ونسقطها، أو نحيييها ونعزّز قوتها"، مشيراً إلى أن إضعاف السلطة "سيجعلها تقبل بتنازلات سياسية". ويتابع "لا تريد الحكومة الإسرائيلية سلطة فلسطينية قوية، حتى لا تلعب دوراً محورياً خصوصاً بعد انتهاء الحرب".

وأكد أن "الإسرائيليين يعتقدون أنه من خلال البوابة الاقتصادية يحققون تنازلات سياسية، ومن ثم يقولون للفلسطينين تخلّوا عن الأرض وخذوا اقتصاداً، لكن الأمن والاقتصاد لا يجلبان السلام"، بل "السلام يجلب الأمن والاقتصاد".

(فرانس برس)

المساهمون