اختفاء العديد من السلع وسط انفلات الدولار في مصر... تعطيش الأسواق

اختفاء العديد من السلع وسط انفلات الدولار في مصر... تعطيش الأسواق

28 يناير 2024
سعر الدولار تخطى 60 جنيهاً في السوق الموازية مقابل نحو 31 جنيهاً في البنوك (فرانس برس)
+ الخط -

تشهد الأسواق المصرية نوعاً من التعطيش، بعد اختفاء مفاجئ للعديد من المنتجات، لا سيما الأجهزة الكهربائية والمنزلية وقطع غيار السيارات والهواتف الذكية، في وقت تترقب البلاد خفضاً جديداً للجنيه في ظل نقص حاد في النقد الأجنبي وتصاعد الأزمات الناجمة عن ارتفاع مديونية الدولة وعبء سداد أقساط القروض.

ولجأ بعض التجار والشركات العاملة في السوق إلى حجب ووقف بيع الكثير من منتجاتهم والامتناع عن طرحها في الأسواق، بسبب التغير والتفاوت الكبير في أسعار بيع وشراء العملات الأجنبية، حيث تخطى سعر الدولار 60 جنيهاً في السوق الموازية (السوداء)، بينما يظل عند ما يقرب من 31 جنيهاً في البنوك.

وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي تشهد حركة الاستيراد جموداً لعدم القدرة على تدبير الدولار، الأمر الذي دفع بعض التجار الي احتكار السلع وتخزينها انتظاراً لارتفاع كبير في الأسعار خلال الفترة المقبلة وتحقيق مكاسب كبيرة من البضاعة المخزنة دون أن يضاف إليها أي تكاليف، فيما اتجه آخرون إلي وضع هامش ربح مرتفع أو وقف التعامل بنظام البيع بالآجل بما يضمن لهم تحقيق مكسب في حالة استيراد بضائع أخرى بسعر أعلى.

وتواجه مصر تحديات اقتصادية كبيرة، تتمثل في شح بالعملة الأجنبية، وضغوط على الجنيه بعد تخفيض قيمته ثلاث مرات منذ مارس/آذار 2022.ورصدت "العربي الجديد"، نقص السلع في أسواق الأجهزة الكهربائية، والأدوات المنزلية؛ والعدد والآلات، والهواتف الذكية، وقطع غيار كل من السيارات والأجهزة والهواتف.

يقول نعيم عبد الستار، صاحب مجموعة من محلات بيع الأجهزة الكهربائية في الإسكندرية شمالي مصر، لـ"العربي الجديد"، إن التجار متخوفون من تأثير الارتفاع المرتقب في سعر الدولار على الأسواق والتبعات الاقتصادية السلبية التي قد تنجم عنها، مشيرا إلى أنهم يواجهون صعوبة في البيع بأسعار تتناسب مع الزيادة المرتقبة في سعر صرف العملة الأميركية.

يضيف عبد الستار، أن البيع بالأسعار الحالية قبل رفع الأسعار، يتسبب في عجز التجار عن شراء بضائع جديدة بذات الكميات التي كانوا يعتادون عليها، وهو ما يطلقون عليه اسم "تآكل رأس المال الحقيقي"، وهو مصطلح يشير إلى نقص البضائع التي يملكونها وتدني قيمتها الحقيقية.

بدوره يشير محفوظ أبو الدهب، أحد تجار الهواتف في الإسكندرية: " مضطرون لوقف التعامل وعدم بيع السلع، بسبب التوقعات بارتفاع سعر الدولار وتخفيض قيمة الجنيه مجدداً وتأثير ذلك علي زيادة التكلفة العامة للسلع، فإذا بعنا البضائع الآن بأسعار منخفضة، فإننا سنتكبد خسائر كبيرة، وسنجد صعوبة في استعادة رأس المال المستثمر، ولذلك نحن نحتفظ بالبضائع في المخازن انتظاراً للأوقات الأفضل".

ويبدو المشهد قاتماً مع تأثر إيرادات الدولة من العملة الصعبة بتراجع محركاتها الرئيسية من رسوم مرور وأعداد السفن في قناة السويس بنسبة 40% منذ حلول يناير/ كانون الثاني الجاري، بالتزامن مع تراجع لافت في تحويلات المصريين في الخارج، وتراجع حركة السياحة الدولية، بالتوازي مع انخفاض قيمة الصادرات البترولية والسلعية.

ويلفت أشرف سلامة رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية بالغرفة التجارية بالإسكندرية إلي قيام بعض الشركات بوقف التعامل بسبب تغيرات سعر الصرف الكبيرة في السوق الموازية، فضلا عن وقف الاستيراد لعدم قدرة البنوك على تلبية وتدبير العملة الصعبة.

يشير سلامة لـ"العربي الجديد" الى معاناة التجار من تراجع حركة البيع والشراء نتيجة الارتفاعات المستمرة في تكلفة السلع والمنتجات والتي يتحملها المستهلك النهائي بعد أن لجأت بعض الشركات إلى رفع الأسعار حتى وصلت إلى مرحلة لم تستطع زيادتها مرة أخرى، مضيفا: "استمرار هذه العشوائية في السوق المحلية ستجعلنا نذهب إلى أسعار لا يتخيلها أحد".

ويرى رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية أن مثل هذه الممارسات التي تشكل عبئا على المستهلكين والتجار لن تستمر طويلاً وسيتم مراجعتها بعد استقرار أوضاع سعر صرف الجنيه أمام الدولار، مؤكدا على وجود فرقر كبير بين سعر الدولار في السوق الرسمي وسعره في السوق الموازية ويضطر البعض إلى السوق السوداء لتغطية التزاماتهم الخارجية.

وأثار تخفيض وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية العالمية نظرتها المستقبلة لمصر من "مستقرة" إلى "سلبية" حالة ارتباك في الأسواق، حيث تتصاعد المضاربة ليس فقط على الدولار وإنما الذهب وغيرهما من السلع التي توصف بالمعمرة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويقول الخبير الاقتصادي على الإدريسي، إن غياب دور الدولة والأجهزة المختصة في الرقابة على الأسواق والقيام بدورها في تعزيز وتطبيق التدابير الاحترازية للسيطرة على الأسعار وحماية المستهلك، تسبب في انتشار تلك الممارسات سواء رفع للأسعار أو احتكار السلع.

ويحذر الإدريسي في حديثة لـ"العربي الجديد" من تداعيات استمرار ضبابية الوضع المالي للحكومة في مواجهة نقص العملة الأجنبية للوفاء بالتزامات مصر تجاه الدول والمؤسسات الدائنة بعد التأخر في الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي،

وعدم محاربة الممارسات الاحتكارية.

ويقول: "يجب أن تكون هناك رؤية استراتيجية شاملة وطويلة الأمد لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاقتصاد المحلي، وأن تكون الحكومة على استعداد لاتخاذ قرارات صعبة وتنفيذ إصلاحات هيكلية لتحقيق تحول حقيقي في الاقتصاد، وبخاصة التخارج الحكومي من الاقتصاد، وإذا تم اتخاذ هذه الإجراءات، فإننا سنشهد تحسناً تدريجياً في الوضعة الاقتصادية وتخفيض الضغوط على المواطنين والأسعار".

وبلغ حجم الديون الخارجية لمصر نحو 164.5 مليار دولار، في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، مقارنة بـ43.2 مليار دولار عند تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم. وتلتزم الحكومة بجدول سداد مدفوعات للديون بقيمة 42.26 مليار دولار في عام 2024 وحده، منها 6.7 مليارات دولار لصندوق النقد الدولي.

ويري سيد الصيفي استاذ الاقتصاد وعميد كلية التجارة السابق في جامعة الإسكندرية، أن التخبط والاختلالات الحاصلة في السياسة النقدية، هي التي تسببت فى عجز الموازنة العامة وبالتالي الضغط على الخدمات، وشعور المواطن بالأزمات سواء بزيادة الأسعار أو التضخم وتدهور سعر الصرف وغيرها من المشاكل التي يعانى منها الاقتصاد المصري.

ويقول الصيفي لـ"لعربي الجديد" إن زيادة الفرق بين المصروفات والإيرادات هي السبب في الخلل أو عجز الموازنة، وبمواجهة هذا العجز يختفي التضخم وانخفاض سعر الصرف، لافتاً إلى أن قيمة خدمة الدين العام بالموازنة الحالية 1.2 تريليون جنيه بخلاف 1.3 تريليون جنيه أقساط ديون مستحقة محلية وأجنبية.

ويشير إلى أن المشكلة الأكبر تتمثل في لجوء البنك المركزي المصري إلى طباعة النقود أو رفع سعر الفائدة وغيرها من الإجراءات التي تقضي على أي خطوات إصلاحية، بل وتمثل خطورة على الاقتصاد.

يطالب الصيفي بضرورة تقليل الإنفاق الحكومي خاصة على الأمور التي يمكن تأجيلها مثل عمليات البناء والتشييد وزيادة الايرادات، مؤكدا ضرورة إعادة تسعير الأصول وعدم الرضوخ إلى ما وصفه بالضغوط التي تمارسها المؤسسات المالية الدولية لدفع الدولة المصرية باتجاه بيع الأصول بدون قيمتها العادلة وبأسعار منخفضة جداً عن قيمتها الحقيقية.

المساهمون