إغراق أسواق غزة ببضائع ثانوية وحجب السلع الأساسية وسط الجوع

إغراق أسواق غزة ببضائع ثانوية وحجب السلع الأساسية وسط الجوع

21 ابريل 2024
بائع يعرض البزورات وسط الدمار في مدينة غزة (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أسواق غزة تعاني من عشوائية في البيع وتقلبات حادة في الأسعار بسبب العدوان الإسرائيلي، مما يزيد معاناة الفلسطينيين الذين يواجهون تحديات معيشية وصحية.
- إغلاق المعابر ومنع دخول البضائع الأساسية أدى إلى فقدان الأصناف الضرورية واعتماد السوق على بضائع بأسعار مضاعفة، مما زاد الضغوط على السكان.
- الإغلاق الإسرائيلي المستمر ومنع دخول البضائع يسبب فوضى في الأسواق بغزة، مع تغير أصناف البضائع وارتفاع الأسعار، مما يعقد حياة الفلسطينيين أكثر.

تشهد أسواق قطاع غزة حالة من العشوائية في عرض البضائع، وآلية البيع والشراء، وفي الأسعار المتاحة للزبائن، جراء التبعات التجارية والاقتصادية السلبية للعدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 198 يوماً على التوالي.

وسبّبت حالة عدم الانتظام في الأسواق مُضاعفة معاناة الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب الإبادة الجماعية للشهر السابع، إلى جانب مجموعة إضافية من التحديات المعيشية، والغذائية والصحية، والأمنية، والسياسية، التي سبّبت بمجملها خلق أوضاع كارثية صعبة.

وبدا الانفلات العام في أسواق القطاع منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي، حين قررت قوات الاحتلال إغلاق كل المعابر، ومنع دخول مختلف أنواع البضائع، وفي مقدمتها المواد الغذائية، والماء، والكهرباء، ومشتقات البترول، إلى جانب منع دخول المُساعدات الإنسانية، والأدوية، والمُستهلكات الطبية.

وخلق المنع الإسرائيلي لدخول شاحنات البضائع، ومتطلبات المواطنين اليومية حالة من البلبلة في الأسواق، حيث فُقِدت الأصناف الأساسية، فيما باتت تعتمد على بعض الأصناف ذات الأسعار المضاعفة عشرات المرات، أو البضائع الشحيحة التي يتم توفيرها عبر الشراء من مُستفيدي المُساعدات الإنسانية، والذين يقومون ببيعها لاستبدالها بأصناف أخرى، وفق مبدأ تسلسل الأولويات.

وشكلت أيام العدوان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تحديات كبيرة ومُتزايدة يوماً بعد الآخر، جراء الاختلاف اليومي لأصناف البضائع المعروضة، والأسعار المُتضاربة وغير المُستقرة، إذ يفاجأ المُشترون يومياً بأسعار جديدة أكثر ارتفاعاً، في ظل انعدام قدراتهم الشرائية، بفعل نفاد السيولة، وما نتج عنها من أزمة مالية خانقة.

يقول الفلسطيني عمار عبد الحليم، والذي بدا محتاراً وهو يسير داخل أحد الأسواق الشعبية في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة إنه مُنذ نزوحه قسراً من مدينة غزة برفقة عائلته قبل ثلاثة أشهر لم يشهد يوماً يُشبه الآخر في الأسواق، إذ تختلف نسب البضائع المعروضة، كذلك الأسعار التي ترتفع يوماً بعد الآخر ارتفاعاً بات أكبر من قدرة وطاقة الفلسطينيين، الذين يُعانون كلَّ شيء في الواقع.

ويلفت عبد الحليم "العربي الجديد" إلى أنّ طريقة عرض البضائع، عبر إخفاء الأصناف الأساسية وإغراق الأسواق ببضائع ثانوية، ومن ثم إظهار البضائع الأساسية تدريجياً وبأسعار مُضاعفة، يأتي ضمن مسلسل التضييق اليومي على الفلسطينيين، الذين يعانون أساسا تواصل العدوان الإسرائيلي، ومن حالة النزوح القسري، المُترافق مع الأزمة المالية الخانقة.

ويُبين أن الأسواق، والباعة فيها لا يخضعون لأي معيار في آلية عرض البضائع، أو تحديد الأسعار، والتي تحتكم طيلة الوقت إلى عامل العرض والطلب، ويضيف: "قد تختلف الأسعار في دقيقة، حين يُدرك البائع أن بضاعته باتت شحيحة، أو أن صنفه قد نفد من عند بقية التُّجار".

ويُعتبر الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر، ومنع دخول البضائع الأساسية السبب الأبرز لحالة الانفلات وعدم الانتظام في الأسواق، وفق توضيح الفلسطيني عماد بشير، الذي يُبين أن الاحتلال يهدف إلى إطالة أمد حالة البلبلة والعشوائية، بهدف خلق المزيد من الضغط على الفلسطينيين وتنغيص حياتهم.

ويوضح بشير لـ "العربي الجديد" أن الغلاء المُترافق مع فقدان العديد من السلع الأساسية، يأتي بالتزامن مع الحالة الاقتصادية الصعبة، مبيناً أن غالبية الفلسطينيين لا يتمكنون من سحب أرصدتهم، أو رواتبهم، أو حوالاتهم المالية بسبب إغلاق فروع البنوك أو نفاد السيولة من منافذ الصرف، أو بسبب نسب الفائدة المُرتفعة، والتي تتجاوز 20% من قيمة المبلغ.

ويُشير إلى أن المواطن الفلسطيني الذي فقد بيته، أو أُجبِر على تركه بسبب سياسة التهجير القسري الإسرائيلي، بات مُحاصراً بمجموعة من التحديات، وفي مقدمتها رحلة توفير المواد الغذائية، والمُستلزمات الأساسية من الأسواق، والتي باتت ساحة واسعة لانفلات الأسعار "أصبحت لا أطيق اللحظة التي أصل فيها إلى السوق".

ويوافقه الفلسطيني عطية جبر الذي يقول إن عمليات البيع داخل الأسواق في ظل شُح البضائع نتيجة الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر باتت تحتكم لأهواء الباعة، في ظل غياب المُراقبة والمُحاسبة، ويقول "يُمكن أن تجد صنفاً واحداً من المصدر نفسه، ولكن بأسعار مُختلفة".

ويلفت جبر لـ "العربي الجديد" إلى أن "الاحتلال الإسرائيلي يعي أن آلية ادخال البضائع بطريقة غير منتظمة تنعكس بالسلب على الأسواق المُتعطشة لمختلف الأصناف الأساسية، إلا أنه يسعى إلى خلق حالة متواصلة من عدم الانتظام والفوضى، بهدف التنغيص المُستمر على الفلسطينيين، ومضاعفة معاناتهم اليومية".

ويُبين جبر أن الأسواق تفتقد طيلة الوقت إلى أصناف أساسية، حتى إن توفرت أصناف أخرى، ويقول: "في حال توفر الطحين، يختفي السُّكر، أو الخميرة، وفي حال توفر الملح، ترتفع أسعار الخضار، نحن في دوامة كبيرة، بين اختفاء الأصناف، أو عودتها بأسعار مُضاعفة وغير معقولة، يمكن أن تزيد عن 30 ضعفاً".

وإلى جانب التأثيرات الكارثية للعدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع، فإن الأسواق الفلسطينية ما زالت تُعاني تبِعات الحصار المُستمر منذ سبعة عشر عاماً، والذي فرض فيه الاحتلال قيوداً مُشددة على معظم السلع الأساسية بحُجة الاستخدام المزدوج، ما سبّب إنهاك العجلة الاقتصادية.

واستهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال فترة العدوان قرابة 70% من البنية التحتية والمباني المدنية والاقتصادية والتجارية، في حين جرفت الأسواق، والشركات، والمحال التجارية، والبنوك، الأمر الذي فاقم من حدة الأزمات الخانقة والمُتزايدة يوماً بعد آخر.

المساهمون