أزمة مياه الري تحبط منتجي الحبوب في تونس

أزمة مياه الري تحبط منتجي الحبوب في تونس

25 ابريل 2024
مطالب بإنقاذ ما تبقى من موسم الزراعات (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المزارعون في تونس، بما في ذلك عمارة الكوكي، يواجهون تحديات بسبب نقص التساقطات المطرية وسياسات تقشفية في استخدام المياه، مما يؤثر على إنتاج الحبوب ويضعهم في موقف صعب.
- القطاع الزراعي، الذي يستهلك أكثر من 80% من المياه في البلاد، قد يضطر لتغيير نشاطاته بسبب تراجع مخزونات السدود، وسط مطالبات بإجراءات استثنائية لدعم المتضررين.
- الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري يعبر عن قلقه من تدهور منظومات إنتاج الغذاء وينتقد تأخر السلطات في تمكين الفلاحين من الحصول على مياه الري، مما يهدد بخسائر كبيرة في الناتج المحلي.

 

على تخوم وادي مجردة أكبر أودية تونس دائمة المنسوب لا يزال المزارع عمارة الكوكي ينتظر الموافقة على استعمال مياه الوادي في ريّ مساحة تزيد عن 40 هكتارا من الحبوب التي بدأت تظهر عليها علامات الإرهاق جزاء نقص التساقطات المطرية.
يقول الكوكي: "يقع الحقل الفلاحي الذي أعيش منه في منطقة سيدي السهيلي من محافظة باجة شمال غربي تونس وهو مصنف منطقة مروية تنتج الحبوب بالأساس، غير أن مصادر الماء للسقى غير متاحة بالكميات اللازمة".
ويفيد المزارع في تصريحه لـ"العربي الجديد" أن السلطات لا تسمح للمزارعين باستعمال شباك الري إلا مرة واحدة في الأسبوع رغم تواصل انقطاع الأمطار وارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات فاقت المعدلات العالية بنحو 10 درجات".

ويعتبر المتحدث أن شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان هما الفترة الحاسمة في موسم إنتاج الحبوب، حيث تحتاج النباتات التي تبدأ في مرحلة "التسبيل" (إنتاج السنبلة) إلى كميات كبيرة من المياه لضمان جودة المحصول كما ونوعا.

ومنذ مارس/ آذار 2023 تنفذ سلطات تونس سياسة تقشفية في التصرف في المياه بعد حظر استعمال مياه الري في نحو نصف المساحات المروية المقدرة بما يزيد عن 402 ألف هكتارا (الهكتار = 10 آلاف متر مربع) نتيجة الجفاف ونقص إيرادات المياه في السدود التي لا تزيد عن 37 بالمائة من طاقتها التخزينية.

وتتوالى احتجاجات مزارعي الحبوب في تونس ضد تواصل منع استعمال مياه الري، مطالبين بإنقاذ ما تبقى من موسم الزراعات الكبرى الذي تعصف به التغيرات المناخية ونقص الأمطار في فترات مهمة من مراحل الإنتاج.
وتسجل البلاد منذ النصف الثاني من مارس/ آذار الماضي تراجعا في التساقطات المطرية مع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية بلغت 35 درجة خلال الأسبوع الأول من إبريل/ نيسان الجاري.

ويطالب منتجو الحبوب بالتعجيل باتخاذ قرارات فتح شبكات الري لأكثر من 90 ألف هكتار من المساحات المروية لإنقاذ محصول الحبوب الذي يهدده الجفاف للعام الثاني على التوالي.
والقطاع الزراعي في تونس هو المستهلك الأول للمياه بنسبة تزيد عن 80 بالمائة، غير أن تراجع مخزونات السدود يدفع المزارعين إلى تغيير وجهتهم نحو نشاطات أقل استهلاكا للمياه.
كذلك عبّر الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (منظمة المزارعين) عن "انشغال عميق من تدهور منظومات إنتاج الغذاء في كامل جهات البلاد"، وأبدى استياءه من "تأخر اتخاذ القرار بتمكين الفلاحين من مياه الري بالمناطق السقوية رغم النداءات المتكررة من طرف هياكل الاتحاد المركزية والجهوية."

وقال الاتحاد في بيان أصدره الجمعة الماضية إنه "يأسف للضرر الحاصل للمساحات المطرية لقطاع الحبوب جراء انحباس الأمطار، ويدعو إلى اتخاذ إجراءات استثنائية لفائدة المتضررين من المنتجين".
وأكد عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين المكلف بالزراعات الكبرى محمد رجايبية، تسجيل ضرر مهم في محصول الحبوب بالمناطق شبه الجافة التي أتلفت فيها المساحات بشكل كامل ما يكبد المزارعين خسائر قاسية للعام الثاني على التوالي".

وقال رجايبية في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الأسابيع الأخيرة من شهر مارس الماضي كانت المنعرج الحاسم في إصابة الحبوب لهذا العام، حيث أحبط نقص الأمطار وارتفاع الحرارة مع هبوب رياح جنوبية عزائم الفلاحين.
تقدر المساحات المروية بحسب رجايبية بنحو 10 بالمائة من المساحات المخصصة لإنتاج الحبوب، غير أنها مهمة جدا في منظومة الزراعات الكبرى التي باتت في مرمى الجفاف، بحسب قوله.
ويحصل المزارعون على مياه الري بناء على تراخيص من السلطات الجهوية مقابل 120 مليما أي ما يعادل 40 سنتا للمتر المكعب بالنسبة لري الحبوب و160 مليما بالنسبة أي نحو 53 سنتا لباقي الزراعات.
وبداية الموسم الزراعي حفزت الأمطار التي تهاطلت بكميات جيدة في نوفمبر/ تشرين الثاني على تقدم نسبة البذر وطنياً في اتجاه زراعة 1.2 مليون هكتار، يحتل القمح الصلد النسبة الكبرى منها، يليه الشعير والقمح اللين.

وانتقد عضو منظمة المزارعين تواصل تهميش القطاع الفلاحي الذي وصفه بالعمود الفقري للاقتصاد المحلي وأمن التونسيين الغذائي، مشيرا إلى أن الدولة لم تصرف التعويضات المقررة لفائدة الفلاحين المتضررين من الجوائح الطبيعية العام الماضي.

قال رجايبية في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الأسابيع الأخيرة من شهر مارس الماضي كانت المنعرج الحاسم في إصابة الحبوب لهذا العام


وقال إن المنظمة قدمت مقترحات بشأن إحكام إدارة الأمن المائي للبلاد في إطار مشروع قانون المياه الجديد الذي تتم مناقشته في البرلمان، مؤكدا أن مقترحات الفلاحين لا تجد الصدى الكافي.
وحسب تقرير البنك الدولي الذي صدر نهاية العام الماضي يؤدي تأخر تونس في اتخاذ الإجراءات المطلوبة بشأن التغيرات المناخية إلى ارتفاع خسائر إجمالي الناتج المحلي بنسبة 3.4% بحلول عام 2030، مما يؤدي بدوره إلى خسائر سنوية متوقعة تبلغ حوالي 5.6 مليارات دينار (1.8 مليار دولار).
وقال التقرير إن تدابير التكيف والتخفيف المشتركة، لمعالجة تغير المناخ وإزالة الكربون من قطاع الكهرباء، يمكن أن تعزز نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 8.8% بحلول عام 2030، وتقلص رقعة الفقر وتخفض الانبعاثات المرتبطة بالطاقة.
وعاش مزارعو تونس موسماً قاسياً العام الماضي، بسبب خسارة أكثر من 80% من المحاصيل نتيجة الجفاف الذي ضرب البلاد، وخسارة ما يزيد عن 2.5 مليون طن من الحبوب، حيث لم تتجاوز كميات المحاصيل المجمعة 500 ألف طن.

المساهمون