محمد داود العلي.. تأريخ مجزرة تل الزعتر

محمد داود العلي.. تأريخ مجزرة تل الزعتر

23 فبراير 2023
"تل الزعتر" للفنان الفلسطيني إسماعيل شموط
+ الخط -

صدر حديثاً عن "سلسلة ذاكرة فلسطين" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "مخيم تل الزعتر: وقائع المجزرة المنسية" لأستاذ فقه اللغة والباحث الفلسطيني محمد داود العلي.

يوثق الكتاب الحوادث التي قادت إلى مجزرة تل الزعتر في آب/ أغسطس 1976، في ذروة الحرب الأهلية اللبنانية، حرب السنتين، محاولاً تأريخ المجزرة بأبعادها السياسية والعسكرية والإنسانية، ومسلطاً الضوء على السياقات القانونية والاجتماعية والاقتصادية للّاجئين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء في لبنان. ويقدّم خلفية تاريخية عن العلاقات السورية - اللبنانية - الفلسطينية وتحولاتها خلال الفترة التي يغطيها. ويعرض الوضع الإنساني لـ30 ألف نسمة في المخيم والأحياء القريبة منه، في جسر الباشا والنبعة والكرنتينا، خلال فترة الحصار التمويني، ويتتبّع مشكلات نقص المياه، وانقطاع الكهرباء، وضعف الخدمات الطبية، وحوادث قتل المدنيين في الملاجئ، وحتى صعوبة العثور على مدافن للضحايا.

يضيء السياقات القانونية والاجتماعية والاقتصادية للّاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان

ويشير الكتاب إلى أن حالة الاستقطاب في لبنان عززت صورة تل الزعتر بوصفه "معسكراً" لا مخيماً للاجئين، فغابت صورة السكان المدنيين وطلبة المدارس والنساء والعمال الذين يتشاركون المكان مع مقاتلين ورجال مليشيا ينتمون إلى فصائل مختلفة المشارب والولاءات، وبات سكان الأحياء المسيحية القريبة من المخيم ينظرون إليه عند مرورهم قربه باعتباره مصدر قلقٍ ورعبٍ دائمين، وبات المخيم مع مدنييه، قُبيل انفجار الحرب عام 1975، أشبه بجسم غريب مزروع في غير مكانه.

وفي قراءة للخلفية التاريخية حول العلاقات السورية – اللبنانية – الفلسطينية وتحولاتها خلال الفترة التي يغطيها الكتاب، يظهر الدور السوري في تشكيل مسار الأحداث، وكيف تطوّر هذا الدور عسكرياً وسياسياً، منذ المبادرة السورية التي أُعلنت في 22 كانون الثاني/ يناير 1976، وانحياز القيادة السورية بداية الأمر إلى الحركة الوطنية اللبنانية والقيادة الفلسطينية. لكن في مرحلة لاحقة، تغيّر المشهد السياسي حين بدأت تستبدّ بالفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط مخاوف من تحسّن علاقات القيادة السورية مع المعسكر المسيحي، سينتج منه تحجيم نفوذهما في لبنان، واتهامهما النظام السوري بتقديم غطاء سياسي لقوات الكتائب اللبنانية في المعارك التي شنّتها على مخيم تل الزعتر ومواقع القوات الفلسطينية - اللبنانية.

الصورة
غلاف الكتاب

ويضيف أنه كان هناك دور عسكري سوري مباشر في الأحداث بعد دخول القوات السورية إلى لبنان، ومزاعم بإرسال كتيبة دبابات سورية إلى محيط المخيم واتهامها بالمشاركة في الهجوم عليه، وفق بعض الروايات غير المؤكدة.

كان أبرز ما حصل سياسياً خلال حرب السنتين، انهيار أجهزة الدولة، وانقسام الجيش اللبناني على نفسه، وفرار رئيس الجمهورية، سليمان فرنجية، إلى مقرّ مؤقت بعد سقوط قذائف مدفعية على مقره الرسمي. وجرّت تلك الأحداث سورية إلى التدخل في لبنان من أجل الوساطة بداية، ثم زجّت بجيشها على مراحل، وصلت في نهايتها إلى الانخراط في القتال، بحسب الكتاب.

وعلى المستوى العربي، يلفت العلي إلى أن الأمين العام لجامعة الدول العربية، محمود رياض، ومبعوثه حسن صبري الخولي، بذلا مساعيَ دبلوماسية لوقف الحرب، وأرسلت ليبيا والسودان والسعودية والإمارات واليمن وحدات عسكرية لحفظ الأمن، لينتهي أمر هذه البعثات -باستثناء الليبية- بالانضواء قليلًا من الوقت تحت راية القوات السورية، ضمن تركيبة قوات الردع العربية التي شُكّلت بقرار عربي جامع في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 1976.

ويبيّن أنه في خضمّ تلك الأحداث التي يتجنّب اللبنانيون الخوض في تفاصيلها، حصلت عمليات قصف عشوائي، وتهجير وإخفاء قسريّان، واختطاف وقتل على الهوية. وحُوصر مخيم تل الزعتر، أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وقتها، وشُرّد من بقي من سكانه إثر مجزرة دموية لم تُوثَّق وقائعها بالكامل.

ويشير الكتاب إلى أن حصار تل الزعتر واقتلاعه مرّ بأربع مراحل: حصار تمويني نفّذته مليشيات اليمين المسيحي اللبناني مطلع عام 1976 استمر سبعة أشهر، تلاه هجوم عسكري مُحكَم من الجهات الأربع لمدة اثنين وخمسين يوماً، ثم خروج متزامن للمقاتلين في اتجاه الجبال، وللمدنيين نحو خطوط المليشيات، وفي المرحلة الرابعة الأخيرة، ارتكبت تلك المليشيات داخل مناطقها وعلى نقاط التفتيش مجزرة في حق المدنيين والفِرق الطبية التي استسلمت لها في 12 آب/ أغسطس 1976، ثم رُحّل من بقي من الأحياء، وغالبيتهم نساء وأطفال، إلى الشطر الغربي من العاصمة.

ويوضّح أن الهجوم الأخير على تل الزعتر كان ثمرة خطة أعدّها المقدّم حينها ميشال عون، ونفّذتها مليشيات اليمين المسيحي ووحدات الجيش اللبناني الموالية لها، وواجهها المدافعون عن المخيم بالصمود، على الرغم من شراسة الهجوم، لكن مقاومتهم انهارت بعدما خسروا خطوطهم الدفاعية المتقدمة وآخر مصدر للماء لديهم، فتضاعف العبء على المقاتلين من جرّاء وجود أكثر من 13 ألف مدني داخل المخيم، وعندما استسلم السكان وانسحب المقاتلون عبر الجبال، ارتكب رجال المليشيات وأنصارهم مجزرة لم يُقرّ أحد إلى اليوم بالمسؤولية عنها، كذلك لم يُعرَف بعد مصير آلاف المدنيين الذين فُقدوا خلالها.

ويرى أنه بعد انتهاء الهجوم العسكري على تل الزعتر بسقوطه في 12 آب/ أغسطس، بقيت فرضية مشاركة الوحدات السورية في الأعمال العسكرية المباشرة ضد المخيم -مثلما كانت قبله- غير قابلة للتصديق، بسبب غياب الأدلة الدامغة عليها، علماً أن حدّة الصراع بين القوات السورية والقوات المشتركة وقتئذٍ لم تُعطِ مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الأخرى حصانة من القصف السوري؛ فقد استُهدف مخيم شاتيلا ومحيط صبرا غربيّ بيروت، بالقصف المدفعي والصاروخي في 14 حزيران/ يونيو 1976، وتعرّض مخيما عين الحلوة والمية ومية شرق صيدا لقصف مماثل في 29 من الشهر ذاته. أما في تل الزعتر، فظهرت رواية لم تؤكدها مصادر سورية أو لبنانية عن مشاركة وحدات سورية في قصف المخيم أول أيام هجوم مليشيات اليمين المسيحي عليه. وقد دعم هذه الرواية العميد مريد الدجاني، مدير مكتب أبو الهول.

المساهمون