عزّ الدين القسّام.. استشهادٌ يؤسّس ثورة وعي ومقاومة

عزّ الدين القسّام.. استشهادٌ يؤسّس ثورة وعي ومقاومة

20 نوفمبر 2023
عزّ الدين القسام (1882 -1935)
+ الخط -

ساعاتٌ من القتال الضاري بين جنود الاستعمار البريطاني الذين قاربوا الأربعمئة وبين عزّ الدين القسام ورفاقه العشرة، في أحراش يعبد (بالقرب من مدينة جنين)، في معركة غير متكافئة وقعت في العشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 1935؛ يمرّ عليها، اليوم الاثنين، ثمانية وثمانين عاماً بالتمام والكمال؛ لكنها شكّلت لحظة فاصلة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية.

حملت المعركة بُعداً رمزياً بقيادة المجاهد السوري (1882 – 1935)، ابن مدينة جبلة الساحلية، الذي استشهد فيها مع المجاهد المصري محمد عطية حنفي ورفيقهما الفلسطينيي يوسف الزيباوي، اللذين ينتميان إلى مئات من المقاتلين قام بتنظيمهم خلال عمله إماماً وخطيباً لمسجد في مدينة حيفا حمل اسم "الاستقلال".

ألقت سلطات الاستعمار القبض على رفاق القسّام الذين جُرحوا، ومنهم حسن الباير ومحمد يوسف وأحمد عبد الرحمن، وحُكم على كلّ منهم بالسجن نحو أربعة عشر عاماً، في وقت سيتفرّق في فلسطين مئات المقاومين المنتمين إلى "المنظمة الجهادية"، وأطلق عليهم حينها القساميون نسبة إلى قائدهم، وكانوا نواة أول حركة مقاومة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، والذين تزعّموا بدورهم الثورة الكبرى بين عامَي 1936 و1939.

معركة غير متكافئة وقعت في العشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 1935؛ شكّلت لحظة فاصلة في تاريخ النضال الفلسطيني

يعيد الباحثون والدارسون لسيرة القسّام بدايات تنظيمه إلى ثورة البراق مع اندلاع الاشتباكات بين الفلسطينيين والمهاجرين اليهود الذين نظّموا احتفالات دينية في مدينة القدس في آب/ أغسطس 1929 بالتزامن مع المولد النبوي آنذاك، وامتدّت الاشتباكات إلى مدن أخرى لعدة أيام، ثم أتت نتائج التحقيق الذي قام بها المستعمر البريطاني وأفضت إلى إعدام أكثر من خمسة وعشرين فلسطينياً ويهودياً واحداً فقط.

منذ تلك اللحظة، انطلق القسّام الذي سكن حيفا بحلول عام 1922، بتنظيم مجموعة قيادية تتولّى الإعداد للجهاد ضدّ الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية، وهو مطلب لم يكن يجد بُعداً إجماعاً وطنياً فلسطينياً حوله، حيث كانت الأحزاب والقوى السياسية المتشكّلة حينئذ تراوح معظمها بين المطالبة بحكومة فلسطينية تحت الاحتلال وبين وقف هجرة اليهود الأووبيين إلى فلسطين وتسليحهم، من دون الذهاب إلى مواجهة مسلّحة مع البريطانيين أو الصهاينة.

لم يتّخذ القائد السوري الذي درس في الأزهر والتحق بالمقاومة السورية ضدّ الفرنسيّين قرابة عامين، قرار الجهاد مباشرة إذ كان يرى أن جميع الحراكات العربية والفلسطينية ينقصها حُسن التنظيم مقارنة بالتشكيلات الصهيونية، قسّم مجموعته الصغيرة التي آمنت بأفكاره إلى وحدة للدعاية والخطابة في المساجد، وثانية لشراء السلاح، وثالثة للتجسُّس على البريطانيّين واليهود وضمّت الموظفين في الدوائر والمصالح الحكومية، ورابعة للاتصالات السياسية الخارجية، وأخيرة للتدريب العسكري.

يُعيد الباحثون والدارسون لسيرة القسّام بدايات تنظيمه إلى ثورة البراق

أحيط عمل تلك المجموعات بسرية تامة حتى قامت بأولى عملياتها عام 1931، وبدأت السلطات البريطانية منذ ذلك التاريخ مراقبة عمل هذه المجموعات، لكن توزّعها إلى حلقات صغيرة حال دون كشف طبيعة تنظيمها، وهوية قائدها، كما أن العمليات التي أقيمت بين ذلك التاريخ وبين العام الذي استشهد فيه القسّام ظلّت محدودة، بسبب نقص السلاح من جهة وإيمان القسّامين بأهمية الإعداد والتحضير الذي يعني عدم الاستعجال.

تشير الدراسات إلى أن اكتشاف شحنة كبيرة من الأسلحة المهرّبة لصالح اليهود في مدينة يافا في السادس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 1935؛ قبل معركة أحراش يعبد بحوالي شهر، كانت السبب المباشر وراء إعلان القسّام حركته الجهادية بشكل علني، مع حالة الغضب الشعبي التي سادت بين الجماهير وعدم تقبّلهم لمواقف الأحزاب السياسية وردودها تجاه تلك الحادثة والتي لم ترق لطموحاتهم، تضاف بالطبع إلى الإحساس المتعاظم بالظلم لدى الفلسطينيين مع مواصلة الدعم البريطاني لتهجير اليهود وتسلحيهم وكذلك تمكينهم اقتصادياً سواء بالوظائف العليا أو بالتسهيلات الممنوحة لهم في الاستيطان.

ومقابل ذلك، ضاعف الاستعمار البريطاني الضريبة المفروضة على الفلاحين الذين كانوا يدفعون أكثر من ربع إنتاجهم السنوي كضريبة بينما لم تدفع الفئات الأخرى نصف هذه القيمة، وهو ما جعل الغالبية الساحقة من المنتمين إلى حركة القسام، وإلى الثورة التي أطلقها تلاميذه من بعيده، هم من الفلاحين ثم العمّال مع عدد قليل من النخب المثقفة والمشتغلين في السياسة.

في ليلة الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 1935، عزم القسام على الخروج للعمل المسلّح العلني ضدّ الاحتلال البريطاني والصهيوني، واستشهد بعد أقل من ثلاثة أسابيع قبل أن يبدأ ثورته التي خطّط لها منذ سنوات. لكن استشهاده مثّل نقطة التحوّل الأبرز إلى المقاومة وحمل السلاح، وفي إحداث إزاحة كبيرة في الوعي الفلسطيني بقضية الاستعمار، أفضت إلى تغيير في البنى الاجتماعية والسياسية بدءاً من الثورة الفلسطينية عام 1936، وصولاً إلى إطلاق المقاومة في الستينيات.
 

المساهمون