موقف إسرائيل من قطر.. صرخة العاجز

موقف إسرائيل من قطر.. صرخة العاجز

27 يناير 2024
+ الخط -

لا يمرّ يوم دون أن يصدر موقف إسرائيلي يعبّر عن حالة الارتباك  في إدارة الحرب ضد قطاع غزّة والفشل في تحقيق الأهداف المعلنة والخفية على السواء، وتبرير ذلك بمواقف أطراف أخرى، آخرها تصريحات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بخصوص دولة قطر، معتبرًا إياها الراعي والمموّل لحماس والمشكلة والوسيط الإشكالي بالنظر إلى موقفها في هذه الحرب.

لهذا الموقف دلالتان على الأقل، منها ما يتعلّق بإسرائيل، ومنها ما يتعلّق بموقف قطر تجاه القضية الفلسطينية.  

الدلالة الأولى هي دلالة العجز الإسرائيلي، فهذا الموقف يعبّر عن حالة الفشل في إعادة المختطفين، وفي حسم النزاع، والانتصار على المقاومة الفلسطينية، وهو الوضع الذي يفرض (في مثل هذه الحالات) على الفاشل البحث عن أسبابٍ خارجية لتبرير الفشل، كاتهام  أطراف أخرى مثل إيران وتركيا، وآخرها قطر، باحتضان حماس (كما قال نتنياهو)، ودعمها ماليًا وسياسيًا، وذلك للتشكيك في قدرتها على الحياد في المفاوضات. وهو لا يكتفي بذلك، بل يدعو داعميه الأميركيين إلى التدخل والضغط على قطر لتغيير موقفها من حماس والقضية الفلسطينية. 
فإسرائيل لم يكفها الدعم العسكري الأميركي بآخر تكنولوجيات الحرب، بدءًا من القنابل من كلّ الأوزان، ذكيّها وغبيّها، إلى الآليات المخصّصة للبر والبحر والجو، وليس انتهاءًا بالمعلومات وأجهزة التجسّس المختلفة، وغيرها من وسائل الحرب. هذا الدعم الذي لم يتوقف منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل إلى غاية كتابة هذه الأسطر، والقادم أعظم حتمًا، كمًا وكيفًا. كما لم يكفها الدعم السياسي الأميركي والغربي في مجلس الأمن بتعطيل كلّ محاولات إدخال المساعدات وإيقاف حرب الإبادة التي ذهبت بأرواح الآلاف من المواطنين الفلسطينيين.

لم يكفها كلّ ذلك كي تنتصر، ما دفعها للطلب من الأميركيين التدخل لدى دولة أخرى هي قطر، والضغط عليها، لما بين الدولتين (قطر وأميركا) من علاقات استراتيجية. وهذا يؤكد بوضوح الفشل الذريع للسياسة الإسرائيلية في إدارة هذه المعركة، وفي وأد القضية الفلسطينية.

موقف إسرائيل من قطر يؤكد الفشل الذريع للسياسة الإسرائيلية في إدارة هذه المعركة، وفي وأد القضية الفلسطينية

أمّا في ما يخص الدلالة الثانية لموقف نتنياهو تجاه قطر، فهو تأكيد تميُّز موقف هذه الدولة العربية، الصغيرة في حجمها والكبيرة بمواقفها وأفعالها، من بين بقية مواقف الدول العربية، فنحن إزاء موقف لا يتماهى مع المطلوب إسرائيليًا، وينم عن نضج سياسي (مجرّب في قضايا دولية أخرى كأفغانستان وغيرها)، أساسه الإيمان بالحلول السياسية العادلة والمنصفة والمبنية على إيمانٍ حقيقي بالقيم الإنسانية والمنتصرة للحق العربي.

إنّ موقف قطر من القضية الفلسطينية لا يذهب نحو، أو باتجاه، عنتريات غير محسوبة، قد تكون نتائجها عكسية، ولا في اتجاه التماهي مع الموقف الإسرائيلي والصمت على جرائمه. بل هو موقف معلن وواضح في كلّ التصريحات والبيانات التي تصدرها قطر، ويُقال في كلّ المنابر بكلّ ثقة وإيمان وصلابة. 

كما أنّ الموقف القطري تجاه القضية الفلسطينية هو الموقف نفسه منذ سنوات، موقف مبني على أسسٍ واضحة، ولا يخضع للظروف والمصالح الخاصة، وهو الأكثر قربًا من انتظارات الفلسطينيين والشعوب العربية.
وفي واقع كواقع الموقف العربي الرسمي الصامت والعاجز، أحاول أن أتخيّل الوضع دون وجود الموقف القطري. حتمًا، كان ليكون الوضع أكثر سوءًا، وربّما نشأ تحالف غربي عربي لدعم إسرائيل وضرب المقاومة الفلسطينية، ودفع الفلسطينيين باتجاه حلول تُصفِّي القضية نهائيًا، لولا هذا الموقف القطري.