ماذا نكتب في هذا العصر؟

ماذا نكتب في هذا العصر؟

31 مارس 2024
+ الخط -

كم يحيرني هذا السؤال وأنا أتأمل في صفحة الوورد الفارغة، محاولاً رَقْن أي كلمات تجول بخاطري.

لأن أي كتابة مهما كانت، لن تكون لها قيمة ما لم تلامس وجدان مَنْ كتبها أولاً (الذي من المفترض أن يكون أنا!)، ومن ثم تمس وجدان قارئها، بحيث تجعله متفاعلاً معها.

فماذا يجب أن نكتب في هذا العصر؟

بالتأكيد، ماذا نكتب غير ماذا يجب أن نكتب.

فالأولى مفتوحة الآفاق، تشمل أي كتابة في أي موضوع بدون تحديد، سوى ما يحدده كاتبها؛ الذي يمسك بدفة الكتابة ليسيّرها كيف ما شاءت له نفسه.

أما الثانية، فالوجوب يحتّم على الكاتب أن يكون ابن عصره، ويكتب ما يهم أهل عصره من شؤون، فلا يغرّد خارج السرب، ولا يشغل الناس بأمور جانبية عن هموم حياتهم.

فكم من كاتب أثار بكتاباته قضايا شكلية ليس هذا وقت طرحها على قرّائه، وكأنه يعيش في كوكب بعيد لا يدري عن هموم الناس ومشكلاتهم الحقيقية أي شيء.

أو كاتب شغلت فكرَه قضية ما، فنقلها على الأوراق ليشغل بها الناس، متناسياً أن قضاياه ليست بالضرورة تكون قضايا قرّائه؛ لأن قضاياه قد تكون حول اهتماماته الشخصية من فنون وعلوم وفكر، التي له أن يغوص فيها، لكن العامة لهم ما يشغلهم عن تلكم القضايا أمور تهم حياتهم.

ولا لوم على الكاتب من عرض بعض قضاياه، لكن ليس في وقت يكون انشغال العامة بقضايا مصيرية تلح عليهم، وقد يتخبطون في معرفة الصواب في ما اختلط عليهم من أفكار، ويريدون استنارة من كتابات تبيّن لهم بوضوح ما التبس عليهم في فهم تلك القضايا.

إن الكاتب الحقيقي مثل الرائد الذي لا يكْذِبُ أهله، الرائد هو السابق إلى مورد الماء ليُعلِم البقية بوجود الماء من عدمه، فلا يَرود الكاتب الحقيقي بأهله على سراب بقيعة، فبئس الوِرد المورود.

وقد قالت العرب لكل مقام مقال، ولكل فعل أوان.

ونحن في أوان اللَّبْس والهرج والمرج، وفتن تجعل الحليم حيران، فلا تشغلوا الناس، يا معشر الكتّاب، بقضايا تافهة، لا تفيدهم في شؤون دنياهم، ولا تحملوهم على التفكير في مواضيع لا تسمن ولا تغني من جوع.

حَسْبُ الناس ضنك العيش وتقلبات السياسة التي لا يقر لها قرار، في هذا الزمان الذي يصدق عليه قول مولانا البردّوني:

في الزمانِ الخلوِ من معناهُ، لا

يبغضُ البغضُ، ولا الحبُّ يُحِبْ

لا تُسلي عادةُ التلفاز، لا

يُسكر السُّكْرُ، ولا الطبُّ يُطِبْ

يلبسُ الخريجُ أميّتَهُ..

كالعجوزِ الهِمِّ، في الطفلِ يَشِبْ

كيف يا عرّافُ أجتازُ إلى

حُلْمِ قصدي، صخرةَ الوضعِ الكَلِبْ؟

وكلنا مهموم بـ(صخرة الوضعِ الكَلِب) كيف نجتازها؟

لذا، لا مكان في النفس للمزيد من صخور التفاهات!

***

عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري