حوار مع صديقةٍ ألمانيةٍ: نرفض أن نكون أعداءً (3)

حوار مع صديقةٍ ألمانيةٍ: نرفض أن نكون أعداءً (3)

13 ديسمبر 2023
+ الخط -

مقدمة المحرّر: يشكّل الموقف الألماني من الصراع العربي/ الفلسطيني الإسرائيلي مسألة غير مفهومة وإشكالية للكثيرين في العالم العربي، نظراً لخصوصية التاريخ الألماني في ما يتعلّق بما قام به الحكم النازي ضد اليهود من محارق بشعة، مضافة إليها الترتيبات والسياسات الألمانية اللاحقة بعد سقوط النازية، في محاولة للتكفير عن هذا الماضي. هذا حوار سيُنشر على شكل سلسلة بين الدكتور حسام الدين درويش والناشطة الألمانية كورنيليا زِنغ، يطرح كلاهما وجهةَ نظره، بحثاً عن نقاط التقاطع، وفي محاولة جازمة وحازمة لرفض الصور النمطية عن الآخر، وتقبّل الاختلاف، والأهم محاولة الفهم بشكل عميق وحقيقي. هنا الجزء الثاني من هذا الحوار (يمكنك الاطلاع على الجزء الأول عبر الضغط على هذا الرابط، وعلى الجزء الثاني عبر الضغط على هذا الرابط)

كورنيليا زِنغ: حقيقة أنّك تستخدم كلماتي ذاتها مع تبديل بعضها صدمتني. ويُظهر ذلك أنّنا على طرفي نقيض. يجب أن أعترف لنفسي: لا يوجد سوى تخيير إمّا - أو. حتى الآن، كنت أعتمد على التواصل من خلال الفروق أو التمييزات الدقيقة. ولكن هناك لونان، فقط، أسود أو أبيض، لا يوجد منطقةٌ رماديةٌ. ومن الواضح أنّ مجرّد النظر إلى الحقائق لا يسمح بأيّ تقديرٍ تقريبيٍّ. بالنسبة إليّ، المذبحة لا تزال مختلفةً عن دفاع جيشٍ من الجنود. السابع من أكتوبر نقطة تحوّلٍ. وكان من المتوقع أن تدافع إسرائيل عن نفسها. وأنا أؤيّد هذا: لإسرائيل كلّ الحق في الدفاع عن نفسها. ولا يمكن إلقاء اللوم عليها في المعاناة الناجمة عن ذلك في غزّة. نقطة. يرى الفيلسوف الشهير يورغن هابرماس الأمر بهذه الطريقة، بوضوحٍ. لديه رأيٌ مختلفٌ عن سلافوي جيجيك. ربّما يمثل ما تسميه "الموقف الألماني".

أخذ السياق في الحسبان

في الواقع، حديثي عن "السياق" أو "أخذ السياق في الحسبان" مختلفٌ عن حديث أنطونيو غوتيريس. من ناحيةٍ، أعتقد أنّ لكلّ شيءٍ سياقه: لا يوجد شيء اسمه "الفراغ". لكن، من ناحيةٍ أخرى، هل السياق بالضرورة هو الذي يحدّدني؟ هل يمكن للقاتل أن يقول: "لقد عشت طفولةً سيئةً، لذا لا أستطيع أن أفعل أي شيءٍ آخر؟" وأن يضع كلّ اللوم على السياق؟ لا، حتى أسوأ أنواع "السياق" يمنحك دائمًا خيارًا. أستطيع ويجب أن أقرّر بنفسي ما أفعله (وأكون مسؤولًا عنه). وكان لدى الفلسطينيين أيضًا خيارٌ، واختاروا الوحشية. ومن حسن الحظ أنّ هناك أيضًا مجموعاتٍ صغيرةً أخرى، في المجتمع المدني، لديها الجرأة على السعي للعيش معًا في سلام.

خوفي

"في الوقت الحالي، المتعاطفون مع الفلسطينيين أضعف من أن يهاجموني هنا في ألمانيا". هذا ما كتبته أنت. هل تعني ذلك حقًا؟ وهذا يثبت أنّ من يؤيد إعادة التسلّح وسياسة القوة على حقٍّ. فهل كان من حذَّر من هجرة المسلمين [إلى ألمانيا] على حقٍّ؟ وهذا يتناقض مع كلّ ما عشناه معًا في مبادرة اللاجئين "مرحبًا بكم في فيرميلسكيرشن": كلّ شخصٍ، بغضّ النظر عن دينه، يستحق اللطف والاحترام. هل كنت مخطئةً إلى هذا الحد؟

كورنيليا زِنغ: علينا أن نعترف بأنّنا لا نملك الحقيقة الوحيدة، وبأنّه من الممكن أن يكون الشخص الآخر على حق (أيضًا)

هل ما زال هناك مجالٌ للحوار؟

إذا كان من المنطقي أن نستمر، كلانا، في التحدّث معاً، فأنا لا أرى إلا طريقًا واحدًا، للمضي قدمًا. طريقٌ يمر عبر هاوية المواقف المختلفة: أولاً، علينا أن نعترف بأنّنا لا نملك الحقيقة الوحيدة، وبأنّ من الممكن أن يكون الشخص الآخر على حق (أيضًا). لا يوجد موقفٌ "موضوعيٌّ". ما أودّ قوله أنّنا لسنا آلهةً. فالإله، وحده، يعرف الحقيقة المطلقة. أنا أثق به، وحده، للحصول على نظرةٍ عامةٍ. هل سيكون هذا صعبًا بالنسبة إليك؟

الصورة
كورنيليا زنغ
(الناشطة الألمانية كورنيليا زنغ: أعتقد أن لكل شيءٍ سياقه: لا يوجد شيء اسمه "الفراغ". لكن، من ناحيةٍ أخرى، هل السياق بالضرورة هو الذي يحددني؟)

حسام الدين درويش: هل يعطي كلامي معك الانطباع بأنّني أعتقد أنني، وحدي، من يملك "الحقيقة الموضوعية أو المطلقة"؟ أظنّك تذكرين أنّه سبق لي أن اقترحت عليك أن يقوم كلٌّ منا بنقد موقف من يبدو أنّه يدافع عنهم، بحيث أقوم أنا بنقد موقف حماس/ الفلسطينيين/ العرب/ المسلمين، وتقومين أنت بنقد "الموقف الألماني/ الغربي/ الإسرائيلي". وفي حواري معك، اتفقت معك في خصوص نقد حماس وإدانة جرائمها، والتعاطف مع ضحاياها المدنيين. وكان الغرض من استخدامي لكلماتك التي تدين حماس/ الفلسطينيين، في إدانة إسرائيل، أن يكون لدينا لغة مشتركة تظهر إمكانية استخدام المعايير ذاتها واللغة الأخلاقية والقانونية ذاتها على "الطرفين". وهذا يعني أنني حاولت، بقدر ما تسمح به الموضوعية والعدالة، أن أتفق معك، وأن أبني أساسًا مشتركًا بيننا. في المقابل، ما الذي فعلتِه أنت حتى الآن؟ اتخاذ موقفٍ أحاديٍّ، لا يرى الحقيقة إلا فيه. فاكتفيت بإدانة حماس، وإدانة جرائمها، وتحميلها كامل المسؤولية عن كلّ ما يحصل في غزّة منذ السابع من أكتوبر، مع تأييد إسرائيل، وعدم تحميلها أي مسؤوليةٍ، لا عن الضحايا الإسرائيليين اﻟ 1200 في السابع من أكتوبر فحسب، ولا حتى عن الـ 18000 فلسطيني الذين قتلتهم إسرائيل، حتى الآن، في إطار "دفاعها عن نفسها"، أيضًا. وعلى هذا الأساس، يبدو أنك مصرةٌ، بموقفك الأحادي، على جعلنا على طرفي نقيض، وعلى إعطاء الانطباع بأنّك أو بأنّ "الموقف الألماني/ الإسرائيلي" يملك كلّ الحقيقة، وبأنه ليس لدي أي حقٍّ في نقد ذلك الموقف.

أنت تقولين: "لإسرائيل لديها كل الحق في الدفاع عن نفسها. ولا يمكن إلقاء اللوم عليها في المعاناة الناجمة عن ذلك في غزّة. نقطة". المشكلة تكمن تحديدًا في هذه النقطة. فمن وجهة نظرك، إسرائيل لديها ذلك الحق، وهي غير مسؤولةٍ عن الضحايا الذين تقتلهم مهما بلغ عددهم، حتى بعد ما أصبح عدد الضحايا الأطفال أكثر من سبعة آلاف طفلٍ، وحتى بعد أن دمرت إسرائيل أكثر من مئة ألف مبنى مدنيٍّ (مبانٍ سكنيةٍ ومستشفيات ومدارس)، وحتى بعد أن أجبرت حوالى مليوني مدني على النزوح والمبيت في العراء، في هذا الشتاء، وتحت القصف، وفي ظل قلّة أو انعدام أبسط المواد الضرورية للحياة. لا أدري إن كنت تعرفين أو يهمك أن تعرفي أنّ أحد مسؤولي الأمم المتحدة قد صرّح، منذ يومين، بأنّ أكثر من مليون مدني فلسطيني، نصفهم من الأطفال، يتضورون جوعًا في غزّة. لقد سلَّمت معك أن إسرائيل، دولة الاحتلال الاستعماري الاستيطاني، لديها الحق في الدفاع عن نفسها من الناس الذين تحتل أراضيهم، لكنني طلبت منك وضع حدودٍ لهذا الحق، وإدانة تجاوزها لهذه الحدود، لكنك رفضتِ فعل ذلك أو لم تفعليه حتى الآن. وأكاد لا أصدق أنك تقبلين أن يتضمن ذلك الحق ارتكاب كلّ تلك الجرائم، ومن ثم تقومين بتحميل حماس (وحدها) المسؤولية!

حسام الدين درويش: موقف هابرماس يعبر، تعبيرًا نموذجيًّا، عن "الموقف السياسي الألماني". فهابرماس ومن وقعوا معه بيانهم المخزي، لم يكترثوا إلا بتبرئة إسرائيل من تهمة "الإبادة الجماعية"، واقتصروا على تأييدها

معك حق في أنني أرى أنّ موقف هابرماس يعبّر، تعبيرًا نموذجيًّا، عن "الموقف السياسي الألماني". فهابرماس ومن وقّعوا معه بيانهم المخزي، لم يكترثوا إلا بتبرئة إسرائيل من تهمة "الإبادة الجماعية"، واقتصروا على تأييدها، والتعاطف مع الإسرائيليين/ واليهود، وإدانة حماس، والتركيز على معاداة السامية. لكن هل يهم كثيرًا أن يكون تصنيف جرائم إسرائيل إبادةً جماعيةً أو غير ذلك، للقيام بالإدانة الأخلاقية لتلك الجرائم؟ بيان هابرماس تضمّن الحديث عن ثلاثة مبادئ يجب أن تكون مبادئ توجيهيةً، للرد الإسرائيلي الانتقامي: التناسب، وتجنب سقوط ضحايا من المدنيين، وشن حرب مصحوبة باحتمال إحلال السلام في المستقبل. ومن الواضح، وفقًا لتقارير وتصريحات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان العالمية، أنّ إسرائيل لم تلتزم أيًّا من تلك المبادئ. ولا يقيِّم بيان هابرماس، و"الموقف الألماني" عمومًا، مدى (عدم) التزام إسرائيل المبادئ المذكورة، ولا يدينها، في حال الإقرار بعدم التزامها. هابرماس والألمان المتبنون ﻟ "الموقف الألماني/ الإسرائيلي" عمومًا لا يمكن أن يدينوا إسرائيل، مهما اقترفت من جرائم. بل إنهم يعتقدون أنه، من الناحية الأخلاقية، ليس لديهم حق القيام بهذه الإدانة أو تقييم ما تقوم به إسرائيل عمومًا؛ لأنهم يرون أنفسهم مسؤولين عن الجرائم التي اقترفتها ألمانيا النازية ضد اليهود (فقط)، ويعتبرون إسرائيل والإسرائيليين/ اليهود المؤيدين لإسرائيل (فقط) الممثلين الشرعيين للضحايا اليهود.

الصورة
حسام الدين درويش
​(المفكر الباحث حسام الدين درويش: حتى بعد كل هذا الدمار والقتل والإجرام الإسرائيلي في غزة، ما زالت ألمانيا وبعض الدول (الغربية) ترفض الموافقة على وقف إطلاق النار) ​

وحتى بعد كلّ هذا الدمار والقتل والإجرام الإسرائيلي في غزّة، ما زالت ألمانيا وبعض الدول (الغربية) ترفض الموافقة على وقف إطلاق النار. فقد تبنت الأمم المتحدة يوم أمس قرارًا يطالب بوقف إطلاق نارٍ فوريٍّ إنسانيٍّ في غزّة. وقد أيّد القرار 153 دولةً، أي أكثر من ثلاثة أرباع دول العالم. أمّا ألمانيا، فقد استمرت، مع دول قليلةٍ، في تبني "الموقف الألماني/ الإسرائيلي"، ورفضت الموافقة على ذلك القرار!

في خصوص فكرة السياق، سأسلم معك بصحة كلّ ما ذكرتِه: ليس هناك سياقٌ يبرّر ما قامت به حماس، ويجب تحميلها وحدها مسؤولية الجرائم التي اقترفتها، بغضّ النظر عن مدى كونها ردّ فعلٍ على جرائم إسرائيلية مستمرة منذ عشرات السنين. لكن ألا ينبغي قول الشيء ذاته في خصوص الجرائم الإسرائيلية؟ ألا ينبغي عدم تبرير الجرائم الإسرائيلية، بحجة أنها جاءت ردًّا على هجوم حماس وجرائمها؟ وهنا أجد نفسي مضطرًا مرّة أخرى إلى اقتباس كلماتك وتطبيقها على الإسرائيليين أيضًا: "حتى أسوأ أنواع "السياق" يمنحك دائمًا خيارًا. أستطيع ويجب أن أقرر (وأكون مسؤولًا) بنفسي عما أفعله. وكان لدى الإسرائيليين أيضًا خيارٌ، واختاروا الوحشية".

عندما قلت لك، سابقًا: "المتعاطفون مع الفلسطينيين، في ألمانيا، أضعف من أن يشكلوا تهديدًا فعليًّا لك أو لغيرك"، أضفت: "وهم لا يستهدفونك أصلًا". وظننت أن تلك الإضافة كافية لتجنب سوء الفهم الذي يبدو أنّه قد حصل. ويحزنني سؤالك عمّا إذا كان من حذَّر من هجرة المسلمين [إلى ألمانيا] على حقٍّ، وأترك لك أمر الإجابة عنه، مع التشديد على أنّني لا أرى أنّ "المسلمين"، في ألمانيا، قد فعلوا ما يبرّر طرحك لمثل هذا السؤال. كذلك أرجح أنّ من قدّم التحذير المذكور هو، حاليًّا، من "متبني الموقف الألماني. وأتفق معك، بالتأكيد، أنّ "كل شخصٍ، يستحق اللطف والاحترام، بغضّ النظر عن دينه". وأشدّد على أن ذلك (ينبغي أن) ينطبق على اليهودي والمسلم والمسيحي، على حدٍّ سواءٍ.

حسام الدين درويش:  أصحاب هذا الموقف (الألماني) لا يغيرون موقفهم حتى بعد معرفة ما تقوم به إسرائيل في فلسطين، منذ أكثر من خمسين أو سبعين عامًا

أتفق معك في أنّ السابع من أكتوبر يمثل نقطة تحولٍ. لكن السؤال هو تحولٌ من ماذا إلى ماذا. هل سيكون تحولًا من احتلالٍ واستعمارٍ وقمعٍ واستيطانٍ إلى حلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية؟ لا يبدو ذلك متوقعًا على الإطلاق؛ لأنّ إسرائيل التي تملك أحد أقوى جيوش العالم، كما ذكرتِ أنت آنفًا، تحظى بدعم أكبر القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية في العالم (الغربي)، وهي تعلن، صراحةً، أنها لا تنوي قبول حل الدولتين، وما يتضمنه من قبول قيام دولةٍ فلسطينيةٍ، ولا تقبل، بالتأكيد، قيام دولةٍ واحدةٍ على أساس المواطنة المتساوية للجميع، إسرائيليين وفلسطينيين؛ لأنّها أعلنت نفسها دولةً يهوديةً (فقط). ما الذي يمكن وينبغي فعله تجاه مثل هذا الموقف الإسرائيلي المتعنّت منذ أكثر من خمسين عامًا؟

أنت تسألين: "هل ما زال هناك إمكانية للحوار بيننا؟"، وتعتقدين أنّ الطريق الوحيد الممكن يكمن في اعتراف كلٍّ منا بعدم امتلاكه للحقيقة الوحيدة، وبإمكانية أن يكون الشخص الآخر (أيضًا) على حقٍّ. هذا أمرٌ مهمٌّ، بلا شك. وقد نصحني عددٌ من الأشخاص بألّا أدخل في حوارٍ ونقاشٍ مع متبني الموقف الألماني، لأنّ ذلك الحوار أو النقاش قد يضر، دون أن يكون له أي فائدةٍ أو جدوىً. كنت آمل أن يكون تبني الموقف الألماني ناتجًا من نقصٍ في المعرفة والمعلومات، لكنني أصبحت، حاليًا، أميل إلى الاعتقاد بأنّ الاختلاف بيني وبين متبني الموقف الألماني ليس معرفيًّا يتعلق بالحقيقة، بل أخلاقيٌّ، يتعلق بمنظومة حقوق الإنسان، بالدرجة الأولى. فأصحاب هذا الموقف لا يغيّرون موقفهم حتى بعد معرفة ما تقوم به إسرائيل في فلسطين، منذ أكثر من خمسين أو سبعين عامًا. وقد أكدت، منذ بداية حوارنا، أنه دون الإقرار الأخلاقي والسياسي، النظري والعملي، بأنّ حياة الفلسطينيين لا تقل قيمةً عن حياة الإسرائيليين، وأنّ من حق الفلسطينيين، وغير الفلسطينيين، إدانة هذا الاحتلال، ومقاومته، بكلّ الطرق التي تشرعها القوانين والمواثيق الدولية، لن يكون هناك إمكانيةٌ للحوار (الفكري). وأرى أنّ الموقف الألماني لا يتضمن مطلقًا مثل هذا الاعتراف، بل يمنع حصوله بالضرورة.

لقد تعاهدنا، منذ البداية، على أن نتحاور بكلّ صراحةٍ وودٍّ واحترامٍ. وإلى ما قبل حوارنا هذا، كنّا دائمًا تقريبًا نتقاسم الرؤية ذاتها، منذ أن تعارفنا وعملنا معًا في مبادرة اللاجئين "مرحبًا بكم في فيرميلسكيرشن". وكنّا قادرين، دائمًا، على الثقة ببعضنا "بشكلٍ أعمى" تقريبًا. وكنّا نتشاطر الرؤية القائلة بأنّ الناس المختلفين يمكنهم العيش معًا في سلامٍ، على أساس حقوق الإنسان والقانون الدولي. "كرامة الإنسان لا تمس" [كما تقول المادة الاولى من الدستور الألماني]. للأسف، إذا استثنينا علاقة الود والاحترام والتقدير الشخصي الموجودة بيننا دائمًا، أصبحت أرى أنه ليس هناك أي قواسم أو أسس مشتركة بيني وبين متبني الموقف الألماني، لنتحاور على أساسها. أنا أدين المجرمين، وأتعاطف مع الضحايا، بغضّ النظر عن كونهم فلسطينيين أو إسرائيليين، مسلمين أو يهودًا أو مسيحيين. أما متبنو "الموقف الألماني، فلا يدينون المجرم إن كان إسرائيليًّا، ويركزون تعاطفهم على الضحايا اليهود الإسرائيليين فقط، بل يجعلون المجرمين ضحايا والضحايا مجرمين. والاختلاف هنا أخلاقيٌّ وجذريٌّ، وليس معرفيًّا أو سطحيًّا. وفي كلّ الأحوال، أظن أنّ كلينا بذل ما بوسعه، وحاول كلّ منا نقل وجهة نظر الآخر إلى اللغة الأخرى والمجال العام الآخر، الألماني أو العربي. وهذا أمرٌ قد يكون مفيدًا.

حسام الدين درويش
حسام الدين درويش

حسام الدين درويش

باحث ومحاضر في الفلسفة والفكر العربي والإسلامي. يعمل باحثاً في مركز الدراسات الإنسانية للبحوث المتقدمة "علمانيات متعددة: "ما وراء الغرب، ما وراء الحداثات" في جامعة لايبزغ، ومحاضراً في قسم الدراسات الشرقية، في كلية الفلسفة، في جامعة كولونيا في ألمانيا. حائز على شهادة الدكتوراه من قسم الفلسفة في جامعة بوردو ٣ في فرنسا. صدر له عدد من الكتب والمؤلفات، وينشر باللغتين العربية والانكليزية. يعرّف عن نفسه بالقول "لكلّ إنسان صوت وبصمة، ولكلّ شيء قيمة ومعنى".
حسام الدين درويش
حسام الدين درويش
باحث ومحاضر في الفلسفة والفكر العربي والإسلامي. يعمل باحثاً في مركز الدراسات الإنسانية للبحوث المتقدمة "علمانيات متعددة: "ما وراء الغرب، ما وراء الحداثات" في جامعة لايبزغ، ومحاضراً في قسم الدراسات الشرقية، في كلية الفلسفة، في جامعة كولونيا في ألمانيا. حائز على شهادة الدكتوراه من قسم الفلسفة في جامعة بوردو ٣ في فرنسا. صدر له عدد من الكتب والمؤلفات، وينشر باللغتين العربية والانكليزية. يعرّف عن نفسه بالقول "لكلّ إنسان صوت وبصمة، ولكلّ شيء قيمة ومعنى".