السعودية... أصلحت بعض عروبتنا المعطوبة

السعودية... أصلحت بعض عروبتنا المعطوبة

23 نوفمبر 2022
+ الخط -

لم تكن أولى مباريات العربية السعودية في كأس العالم 2022 أمام منتخب الأرجنتين مجرّد مباراة لكرة القدم، إذ كانت صافرة نهاية المباراة نهاية لخيبات متباعدة للعرب في هذه اللعبة وغيرها من خيبات عروبتنا، حيث كانت وما زالت، خسارة المملكة السعودية أمام ألمانيا بنتيجة عريضة إحدى هذه الخيبات التي طُبعت في الذاكرة، قبل أن تمحوها ملحمة هذا المنتخب الجديد بتمرده على التاريخ والجغرافيا، فأعاد إلى العرب تفاخرهم وأنفتهم التي طالما أضاعوا البوصلة تجاهها.

ففي ظلّ هذه الموجة من الإحباط التي خيّمت على العرب الراكنين إلى التسليم بعدم قدرتهم على الانبعاث في أفق النجاحات على اختلافها، يأتي هذا الفوز التاريخي ليدحض كلّ ذلك، وليثبت للمرّة الأولى أنّ المستحيل ليس عربياً، وليثبت للمرة الثانية أنّ البناء قد يستغرق جهداً وتعباً، لكن ريادة المنجز قد تمحو ذلك، وهو ما أثبتته قطر على الأقل عندما زاحمت كبرى الدول في تنظيم بطولة كأس العالم بتلك البصمة الحضارية التي رأينا، وجاء فوز المنتخب السعوي ليرسخه.

لقد اعتبرنا منذ البداية أنّ كأس العالم هذه، وكرة القدم عموماً، لن تكون مجرّد لعبة تكتفي بموهبة اللاعبين وحماسة الجماهير وتنتهي داخل الملاعب المشيّدة فوق الأرض العربية، بل كشفت هذه اللعبة مجدّداً أنها قادرة على تحريك الشعوب وإخراجها من حالة اليأس المزمن الذي قد يلازمها، والذي لم تتوافر بعد المناسبة الكفيلة بتحويله إلى إنجاز يمكن التباهي به وفتح نوافذ الأمل بواسطته صوب نجاحات أخرى حان وقتها، ولو بتأخير كبير وفقاً لتقويم الأمم والحضارات.

صار الممكن الذي لم تحققه السياسة ممكناً حقيقياً ومنجزاً رياضياً سيشحن فخرنا بهذا الانتماء لوقت طويل

اليوم، على غير العادة، توحّد العرب خلف راية الأخضر السعودي كخضرة سهول تاريخهم الخصب الذي ألهتهم عنه خلافاتهم، فتوحدوا حول قدرة العرب على صناعة التاريخ بأيّة وسيلة كانت، والخروج من بعثرة الموقف والتوجهات التي فرضتها علينا العولمة، فأفضت إلى هذا التشتّت الهوياتي وانعدام ثقتنا بأنفسنا واستلابنا أمام كلّ مختلف عنا لمجرّد أنه مختلف، ولمجرّد أننا عرب.

لقد كانت عروبتنا بحاجة إلى كثير من الترميم للخروج من هزائمنا على كثرتها، ونجاحاتنا على قلّتها، فأصلحت مجرّد مباراة لكرة القدم البعض من عروبتنا، وصار الممكن الذي لم تحققه السياسة ممكناً حقيقياً ومنجزاً رياضياً سيشحن فخرنا بهذا الانتماء لوقت طويل، وسيكون مفتاحاً لسجننا الحضاري نحو أوطان حرّة وموّحدة.

 حقيقة لقد كانت أكثر من مجرّد مباراة لكرة القدم.

صبري الرابحي
صبري الرابحي
كاتب تونسي نقابي وحقوقي وناشط بالمجتمع المدني ومراسل صحيفة الشعب الناطقة باسم الاتحاد العام التونسي للشغل. يكتب في عدد من الصحف والمواقع العربية. مقولتي "كلّ شيء بخير، ما دمت أكتب بدون توقف وبحرية"