لا نحتاج إلى مباركة الفاتيكان للمفاوضات

27 مايو 2014

ترحيب فلسطيني بالبابا في بيت لحم (مايو 2014 Getty)

+ الخط -

تمنيت، وإن كان التمني فيه الكثير من السذاجة، أن لا يدخل البابا، فرانسيس، على خط محاولة إنقاذ أو إحياء "عملية السلام الموهوم" البائسة، بل أن يأخذ موقف شاهد حق: فمن يرى الاحتلال ويبقى حيادياً، لا مكان لعدالة في رؤيته، أو مواقفه.
كانت هناك لحظة بدت مختلفة، فصورة البابا، فرنسيس، وهو يصلي أمام جدار العزل العنصري، أقرب إلى إدانة صارخة للاحتلال الإسرائيلي، لكن دعوته شيمون بيريز ومحمود عباس إلى الفاتيكان لحثهما على "السلام" تضع كل الرحلة في سياق عملية المفاوضات الأميركية، وتنسف أية رمزية مهما كانت قوية.
تجاهلت الصحف الغربية، خصوصاً الأميركية، رمزية الصورة، وإن نشرتها، بل، وبالعكس، حاولت، في النص المرافق، تصوير الجدار أنه ضرورة أمنية إسرائيلية، وأن سرقة الأراضي وتفريق العائلات ما هي إلا ادعاءات فلسطينية.
حاول البابا أن يبعث رسالة إلى الطرفين بأنه يحس بآلام شعبين، ويقر بروايتين للتاريخ، وإن يعني ذلك الاعتراف بفلسطينية الأراضي المحتلة عام 1967، لكنه لم يتحَدّ مفاهيم الصهيونية الأساسية، بل كرّسها في زيارته قبر ثيودور هيرتزل ونصب الهولوكوست.
لم يكن ذلك مستغرباً، فالفاتيكان كيان سياسي، وليس دينياً فقط، وفي الماضي، تماهت مواقفه مع القوى الغربية، وتواطأ معها، خصوصاً لتقويض الشيوعية وضرب تيار اللاهوت التحرري الثوري في الكنيسة الكاثوليكية في أميركا اللاتينية.
الفاتيكان حساس، أيضاً، للابتزاز الصهيوني، بشأن دور الكنيسة الكاثوليكية، في التواطؤ، أو على الأقل، السكوت على الهولوكوست، مما جرّ البابوات إلى الرضوخ وربط قيام الدولة الصهيونية وتأييدها، وكأنها شهادة براءة من أية جريمة، حقيقية أو مجرد ادعاء.
الفلسطينيون المسيحيون، وفلسطينيون مسلمون كثيرون، تعاملوا مع الزيارة باعتبارها فرصة سياسية وإعلامية لإيصال صوتهم، فمهد المسيح مدينة بيت لحم محاصرة بالجدار القبيح، ومهددة بخسارة مزيد من الأراضي، لبناء مستعمرات يهودية لخنقها.
استبق الاحتلال الشكوى الفلسطينية، ودمر غابة الأمم، وهي من رموز المقاومة السلمية، التي تواجه الدبابات بزرع الأشجار لتثبيت هوية الأرض، قبل أقل من ثمانية واربعين ساعة من بدء رحلة البابا، في رسالة واضحة أنها القوة الحاكمة وستبقى.
عمل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وبكل صفاقة، على سرقة اللحظة، فتباكى على مصير المسيحيين في المنطقة، وهي عادة إسرائيلية قديمة، لصرف أنظار الغرب، والمسيحيين في العالم، عن جرائمها ضد الفلسطينيين، مسيحيين ومسلمين. فأهم ما تسعى إليه القيادة الإسرائيلية هو إضفاء أخلاقية على جريمة تاريخية مستمرة، وأسهل طريقة هي ادعاؤها بحماية مسيحيي المنطقة، وكأن البابا لم يلتق مسيحيين فلسطينيين، ولا يدري معاناتهم، وكأن الجدار العازل لا يؤثر على حياة المسيحيين، وكأنه لا يخنق بيت لحم بمسلميها ومسيحييها.
من الخطأ توقع الكثير من زيارة البابا، على الرغم من أنني أتفهم رغبة الفلسطيني، خصوصاً في الداخل، في ايصال روايته وشرعيتها إلى العالم، لكن، أياً كانت إيجابياتها، فإن دخول الفاتيكان على خط إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ينسف رمزيةً كسبها الفلسطينيون، ولو للحظات في جولة البابا.
أحسن ما حصل أخيراً فشل وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في التوصل إلى اتفاق إطار لحل المسائل النهائية، كما تسمى، فإذا كان البابا يريد فتح الباب، أو توسيع باب العودة إلى المفاوضات، فلا يحتاج الفلسطينيون إلى أضرار جديدة، وليدعهم البابا وشأنهم. فهم لا يحتاجون إلى مباركة روحية لمفاوضاتٍ، أسُسُها وأهدافها غير أخلاقية وغير عادلة، ومباركة الفاتيكان لها، إذا ما حصلت، ما هي إلا تواطؤ في الجريمة، فليعفنا البابا منها.
 
 

 
 

 

 

كاتبة وصحفية
كاتبة وصحفية
لميس أندوني
كاتبة وصحفية من الأردن
لميس أندوني