لم تدم "المبادرة" المصرية طويلاً، إذ أسقطتها المقاومة الفلسطينية بعدما أجمعت على رفضها، فيما كثّف الاحتلال من عدوانه، مرتكباً مجزرة جديدة بحق أربعة أطفال من عائلة بكر كانوا يلعبون كرة القدم على رمال شاطئ بحر غزة، بعدما أطلقت الزوارق الحربية الإسرائيلية صاروخاً عليهم بشكل مباشر، فيما ارتفع عدد الشهداء إلى 220.
وأكد المتحدث الرسمي باسم حركة "حماس"، سامي أبو زهري، أن حركته أبلغت القاهرة رسمياً اعتذارها عن قبول المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، مشيراً إلى أنها لا تلبي مطالب الشعب الفلسطيني ومقاومته في ظل تحقيق إنجازات ميدانية وعملية للمقاومة في صد العدوان.
كما أكد أبو زهري، في مؤتمر صحافي عقده، أن حركته لن تقبل أي مبادرة للتهدئة لا تستجيب مسبقاً للمطالب الفلسطينية، مؤكداً في الوقت ذاته على استعداد الحركة للحديث مع أي من الوسطاء في حال كان يمتلك مشروعاً يستجيب لشروط المقاومة.
وأوضح أن حركته رفضت المبادرة المصرية لاعتبارات، منها شكلية، ومنها ما هو جوهري. واعتبر أن المبادرة المعلنة تعيد الفلسطينيين إلى نقطة الصفر من دون أي إلزام لإسرائيل بتنفيذ الشروط الفلسطينية، وهو ما لا تقبله "حماس".
واتهم المتحدث باسم "حماس"، الإدارة الأميركية بأنها شريكة في العدوان على الشعب الفلسطيني من خلال غطائها السياسي ودعمها المادي للعدو.
ولفت إلى أن المقاومة تعرف جيداً أن الاحتلال لا يستجيب للمطالب الفلسطينية إلا تحت الضغط، والمقاومة التي تحقق كل يوم مزيداً من الانجازات، ستواصل طريقها لإجبار الاحتلال على الإذعان لشروطها.
وكان مصدر موثوق في "حماس" أوضح لـ"العربي الجديد"، أن نائب رئيس المكتب السياسي موسى أبو مرزوق، أبلغ مصر، ظهر اليوم الأربعاء، بالقرار خلال لقاء مع مسؤولين مصريين، هو الأول منذ عزل الرئيس محمد مرسي.
وفي حين لم يوضح المصدر من هم المسؤولون الذين التقاهم مرزوق، إلا أنه في حال أرادت مصر تعديل المبادرة وإجراء مباحثات عليها فإن "حماس" ستلبي دعوتها.
وسبق إعلان "حماس" تأكيد حركة "الجهاد الإسلامي"، منذ أمس الثلاثاء، رفض المبادرة بشكل رسمي، مؤكدة أن المبادرة لا تلبي حاجات شعبنا وشروط المقاومة التي لم تستشر فيها.
وولدت المبادرة المصرية بحكم الميتة بعدما لجأت مصر، إلى تبني الشروط الإسرائيلية وصوغها في مبادرة قدمت للفلسطينيين مع حد أدنى من الاتصال مع حركة "حماس" والاكتفاء بتحذير الحركة من مغبة رفض المبادرة والإصرار على ضرورة الموافقة عليها، ولو مبدئياً على أن تعرض ما لديها من ملاحظات أو مطالب خلال اللقاءات التي من المقرر أن تشهدها القاهرة في حال الموافقة على بنود المبادرة.
وجاء إعلان "حماس" رفض المبادرة بالتزامن مع الزيارة التي يقوم بها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى القاهرة، والتي كان يسعى خلالها، بحسب ما علم "العربي الجديد"، إلى الضغط بكل قوته على أبو مرزوق حتى تقبل حركة "حماس" بمبادرة وقف إطلاق النار المصرية، لتكون محطته اللاحقة في لقاءات قادة "حماس" في تركيا يوم غد الخميس، إذ سيلتقي رئيس المكتب السياسي لحركة"حماس" خالد مشعل.
وفي السياق، أفادت مصادر "العربي الجديد" بأن رئيس جهاز الاستخبارات، ماجد فرج، ومسؤول ملف المصالحة وعضو مركزية "فتح"، عزام الأحمد، توجها إلى مصر منذ أمس، الثلاثاء، وسط توقعات بأن يعقدا اجتماعاً مع موسى أبو مرزوق قبل اجتماع الأخير مع الرئيس الفلسطيني. كما علم "العربي الجديد" أن فرج والاحمد سيواصلان مع عباس جولته إلى تركيا والخليج، حسب مصادر مطلعة من حركة "فتح".
من جهته، مفوض العلاقات الخارجية في حركة "فتح"، نبيل شعث، قبيل موقف "حماس" الرافض للمبادرة، إن عباس سيلتقي بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، ووزير الخارجية المصري سامح شكري، وأبو مرزوق.
وفي السياق، كتب موقع "والا" العبري، اليوم الأربعاء، أن الرئيس الفلسطيني سيقدم مبادرة للتهدئة تقوم على أساس الطلب من الرئيس المصري فتح معبر رفح تحت إشراف قوات أمن السلطة الوطنية الفلسطينية.
وتابع الموقع:"عباس في القاهرة لعرض مبادرته". وتوقع لقاء قريباً بين الرئيس الفلسطيني ورئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، لتقديم مبادرته التي تقوم على أن انتشار الأجهزة الأمنية الفلسطينية على معبر رفح، وعلى الحدود المصرية الفلسطينية في ممر فيلادلفيا.
إسرائيل تقرّ بالفشل
في هذه الأثناء، كشفت مصادر سياسية ودبلوماسية إسرائيلية وغربية لصحيفة "هآرتس" أن فشل "المبادرة" المصرية يعود بالأساس إلى أنها أُعدّت على عجل من دون استشارة كافة الأطراف ذات الصلة، ولا سيما حركة "حماس". وهذا ما أدى إلى فشلها بعد ساعات من إطلاقها.
ونقلت الصحيفة، في تقرير خاص، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، كان أجرى، السبت الماضي، بعد خمسة أيام من بدء العدوان، أول اتصال مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي.
وأضافت الصحيفة أن مبعوث اللجنة الرباعية إلى الشرق الأوسط، طوني بلير، كان قد بدأ، منذ الأيام الأولى للعدوان، مشاورات للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وأنه توجه إلى مصر، يوم السبت الماضي، بعد تنسيق مع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري. ولفتت إلى أنه ضغط على الرئيس المصري للتدخل وأخذ دور في المساعي الرامية لوقف إطلاق النار، وأنه سبقت ذلك عدة لقاءات واتصالات بين بلير ونتنياهو.
وأضافت الصحيفة، نقلاً عن مصادر دبلوماسية، أنه من المقرر أن يلتقي بلير، اليوم، مرة أخرى بالرئيس المصري، فيما أجرى كيري ووزير الخارجية الألماني، اتصالات مع كل من مصر، قطر وتركيا، لحثّ حركة "حماس" ودفعها باتجاه التوصل لوقف إطلاق النار.
في غضون ذلك، واصل نتنياهو، اليوم، الهجوم على حركة "حماس" واتهامها بالمسؤولية عن استمرار العدوان وعدم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وزعم نتنياهو، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الإيطالية، فدريكا موغريني، أن "حركة "حماس" ترتكب جرائم حرب مزدوجة.
وقال نتنياهو: "إن حماس، عندما رفضت المبادرة المصرية التي قبلناها، فإنها أوصدت الطريق في وجه حل دبلوماسي، وهي تتحمل مسؤولية مواصلة" العدوان. ودعا نتنياهو المجتمع الدولي إلى شجب موقف "حماس" و"تأييد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
ويركز نتنياهو، منذ انكشاف خدعة المبادرة المصرية، التي تبيّن أنها لم تُقدّم للمقاومة الفلسطينية، جهوده على حشد التأييد الدولي لصالح إسرائيل من جهة، واشتراط تجريد المقاومة من سلاحها وجعل غزة منطقة منزوعة السلاح من جهة أخرى، مع مواصلة التلويح بعمليات برية. وقال محللون، اليوم، إنها قد تكون في حال إطلاقها عمليات محدودة وليس اجتياحاً برياً شاملاً.