لم تبدأ معركة بغداد بعد، على وقع استعدادات هائلة يقوم بها الجيش العراقي والميليشيات المتحالفة معه داخل المدينة، في ما بدا أنه يحصل تحت إشراف قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي انتقل من طهران إلى النجف حين صدرت "فتوى" المرجع علي السيستاني بضرورة القتال ضد المسلحين، ثم إلى بغداد، حيث اجتمع بقيادات عسكرية وسياسية.
وأصبح الدعم الايراني العسكري للجيش العراقي علنياً، وقد ترجمته زيارة قاسم سليماني إلى بغداد، على رأس وفد عسكري رفيع المستوى، عقد اجتماعات داخل المنطقة الخضراء مع مسؤولين حكوميين وقادة عسكريين، بحسب ما كشفته مصادر برلمانية عراقية، يوم الجمعة، لـ"العربي الجديد".
وأوضح عضو في البرلمان العراقي، طلب عدم ذكر اسمه، أن "سليماني وصل بطائرة خاصة إلى بغداد، آتياً من النجف، بعد وصوله من طهران ولقائه بمراجع دينية عليا"، حيث صدرت عن المرجع علي السيستاني، فتوى "الجهاد الكفائي".
وفي السياق، أعلنت وزارة الداخلية العراقية وضع خطة أمنية محكمة حول أسوار بغداد لمنع دخول المسلحين إليها، "تضم ثلاثة خطوط دفاعية بمئات الآلاف من العسكريين وافراد الشرطة"، بحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، العميد سعد معن، لـ"العربي الجديد"، بعد فشل طيران الجيش في إجبار الجماعات المسلحة على التراجع من محيطها.
في هذه الأثناء، قال مصدر رفيع المستوى في وزارة الداخلية لـ "العربي الجديد"، إن الخطة التي تم الانتهاء منها تتضمن نشر 300 ألف جندي حول أسوار بغداد، معززين بثلاثة الوية مدرعة، وبطارية صواريخ ارض ــ أرض، فضلاً عن نصب آلاف الحواجز الاسمنتية بارتفاع مترين وطول 3 أمتار، يليها فريق قوات خاصة مدربة على حرب الشوارع والمدن.
وأوضح المصدر نفسه الذي رفض الكشف عن هويته، أن العدد الحالي المقدر بـ300 ألف جندي، يعتبر غير كافٍ مقارنة بحجم التهديد ومساحة بغداد الكبيرة، وخصوصاً أن الهجوم المتوقع سيكون من ثلاثة محاور، شمالي وغربي وجنوبي، مع مخاوف من انفجار حراك مسلح داخل العاصمة نفسها من قبل "خلايا نائمة موجودة في جانب الكرخ من بغداد" على حد تعبيره.
وأضاف المصدر أن الحكومة قررت حظر مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر وفيسبوك ويوتيوب منعاً لتسريب ناشطين معلومات وصور فيديو تبين ما يحدث على الارض. كما تم قطع الانترنت بشكل عام عن خمس محافظات وهي الأنبار ونينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى". ولفت إلى أن "قوات حكومية أمنت عملية إخلاء موجودات البنك المركزي العراقي والخزينة الاتحادية للدولة، فضلاً عن عدد من المؤسسات والوزارات الحكومية بينها وزارتا المالية والنفط ".
وكانت قناة "العراقية" الحكومية قد أعلنت عن وصول رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي، إلى سامراء، على متن مروحية عسكرية، حيث التقى بمسؤولين محليين وعسكريين بينهم محافظ صلاح الدين، أحمد عبد الله، الذي منحه المسلحون عفواً سابقاً، بعد السيطرة على مكتبه ومقر اقامته.
وفي أول تصريح علني عن اشتراك ميليشيات موالية للحكومة في دعم الجيش بمعاركه، قالت وكالة أنباء "الغد برس"، التابعة لميليشيا "عصائب أهل الحق"، أن "لواء ذو الفقار" دخل إلى محافظة صلاح الدين لتأمين الطريق لقوات الجيش، بعد وصوله من سورية لهذا الغرض. وأفادت الوكالة أن "عناصر اللواء مدربون بشكل جيد على قتال الشوارع والمدن وسيؤدون مهمة قتالية لدعم الجيش ضد داعش، وقد نجحوا بقتل 22 عنصراً منهم"، من دون أن تبين مكان الحدث، رغم أن المحافظة تعتبر خارج سيطرة الحكومة باستثناء مدينة سامراء المحاصرة.
ميدانياً، نجحت الفصائل المسلحة في السيطرة على مناطق السميلات وخرنابات وبني زيد والسعيدات والحمدانية وتقع على نحو 25 كيلومتراً من بغداد إلى الغرب، بعد الهجوم على مقر اللواء الثالث بالجيش العراقي والسيطرة عليه. وقال شهود عيان من سكان المنطقة لـ "العربي الجديد" إن الجنود والضباط تمكنوا من الخروج من المنطقة جرياً على الأقدام، عبر بساتين النخيل باتجاه بغداد بعد استبدال ملابسهم العسكرية بملابس مدنية.
وقال أحد المواطنين، ويُدعى كمال الزوبعي، لـ"العربي الجديد"، إن الحمدانية والمناطق الاخرى خالية من قوات المالكي، والاسلحة والذخائر تنتشر في البساتين، وكذلك الملابس العسكرية، فيما منح المسلحون عفواً عاماً عن عناصر الشرطة المحلية، وطالبوا عناصر "الصحوة" بإعلان "توبتهم" عن دعمهم السابق للمالكي.
ولا تزال مدن نينوى وصلاح الدين والأنبار وكركوك على حالها، من دون تقدم بري من الجيش، باستثناء غارات سلاح الجو التابع للجيش الحكومي، الذي بدا مؤثراً في تلك المدن وقد طالت غاراته مسجد الحق وسط تكريت، ما أدى إلى قتل مدنيين، وهو ما برره التلفزيون العراقي الحكومي بالقول إن المسجد "كان يضم قيادات ارهابية من تنظيم داعش".