تتسارع وتيرة التلاقي بين الحكومة التركية وحزب "العمال" الكردستاني على قدم وساق، خصوصاً في ظلّ التسهيلات المتبادلة بين الطرفين، في مسعى لإقفال ملف مزعج جمعهما عبر تاريخهما. بينما دشّن رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، معركته الرئاسية من مدينة سامسون، على البحر الأسود، لاعتبارات تاريخية.
فقد ذكر تقرير صحيفة "حرييت" التركية، أمس السبت، أن "الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني، سيستكمل انسحابه إلى الجبال على الحدود مع إقليم شمال العراق، في بداية سبتمبر/أيلول المقبل، على أن ينتهي خلال 18 شهراً من بدئه". وشددت على أن الانسحاب هذه المرة "سيكون تحت الرقابة القانونية، عكس الانسحاب السابق في مايو/أيار 2013". غير أنها أكدت أن البداية تبدأ "في اقرار حزمة الإصلاحات المتعلقة بالقضية الكردية في البرلمان، والتي أعلنت عنها الحكومة التركية نهاية الشهر الماضي".
وأشار التقرير إلى أنه "من غير الواضح بعد إن كان مقاتلو حزب العمال الكردستاني، سيلقون سلاحهم على الأراضي التركية، وما إذا كان المجلس الذي سيُشكّل وفقاً لحزمة القوانين التي تقدمت بها الحكومة (المنتظر المصادقة عليها في وقت قصير)، سيتابع الأمر". وطرح التقرير إشكالية الأسلحة، وما اذا كانت ستُتلف أم لا.
وشملت الحزمة، التي تقدمت بها الحكومة، بقيادة حزب "العدالة والتنمية"، والتي وصفها زعيم "العمال"، عبد الله أوجلان، في وقت سابق بـ"التطور التاريخي"، على ستة مواد، تسمح للحكومة بالاتصال وعقد اجتماعات مع الأفراد والجماعات، على حدّ سواء داخل البلاد وخارجها، وتعيين أفراد وإنشاء مؤسسات لتنفيذ تلك الاجتماعات، واتخاذ التدابير اللازمة والإجراءات لتسهيل دمج المقاتلين الذين يودون القاء أسلحتهم، وانخراطهم في الحياة الطبيعية مرة أخرى. كما يسعى مشروع القانون الى توفير الضمانات لتجنب محاكمة المسؤولين الحكوميين، الذين شاركوا في المحادثات مع أعضاء رفيعي المستوى من "العمال"، كجزء من عملية التسوية.
وكانت الحكومة التركية قد بدأت المحادثات مع أوجلان في سجنه في جزيرة إمرالي في 2012، لإنهاء الصراع الذي كلّف أكثر من 45 ألف قتيل خلال ثلاثة عقود. فأعلن "العمال" وقفاً لإطلاق النار في مارس/آذار 2013، إلا أن محادثات السلام تعثرت إثر تجميد "العمال" انسحابه من الأراضي التركية في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، احتجاجاً على "عدم إيفاء حكومة أنقرة بالتزاماتها".
واتهمت المعارضة "لعدالة والتنمية" في استغلال التسوية، في محاولة جذب أصوات الناخبين الأكراد للتصويت لرئيس الحكومة، رجب طيب أردوغان.
أردوغان يبدأ حملته الانتخابية
في سياق آخر، وبينما أعلن المرشح عن حزب "الشعوب الديموقراطية" الكردي، صلاح الدين ديميرتاش، بأنه سيدشن حملته الانتخابية من مدينة إسطنبول، غداً الإثنين، كان أردوغان يستهلّ حملته، أمس السبت، من مدينة سامسون، الواقعة على البحر الأسود، شمالي تركيا.
وشدّد أردوغان على رمزية "البدء من سامسون، التي بدأ منها مصطفى كمال أتاتورك، لملمة القوات التركية"، إثر هزيمة قوات الأمبراطورية العثمانية، في الحرب العالمية الأولى، للبدء بما أُطلق عليه لاحقاُ تسمية "حرب الاستقلال 1919" والتي انتهت بإعلان الجمهورية.
وتقصّد أردوغان بذلك الاشارة إلى أهمية الانتخابات الرئاسية، التي أُطلق عليها في خطاب إعلان ترشيحه، الثلاثاء الماضي، اسم "فتح جديد في تاريخ الجمهورية، ينهي الوصاية العسكرية".
وخاطب أردوغان مناصريه المحتشدين، مؤكداً على التغيير الذي ينوي فعله في أداء رئيس الجمهورية، قائلاً: "لن أغادركم، ولن أتوقف عن خدمتكم، ولن أستريح، بل على العكس تماماً، أترشح لأعلى منصب لخدمتكم وخدمة الأمة والجمهورية بشكل أفضل". ووجّه انتقاداته لحزبي "الشعب الجمهوري" و"الحركة القومية" المعارضين، "نحن مدعومون من الأمة، بينما تدعم الدولة كل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديموقراطية".
قبل أن يحثّ الناخبين على الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التي اعتبرها نقطة تحول فارقة في تاريخ الجمهورية التركية.
من جانبه أكد المرشح المشترك عن حزبي "الشعب الحمهوري" و"الحركة القومية"، أكمل الدين إحسان أوغلو، من مدينة سكاريا، التي زارها فبي إطار حملته الانتخابية، بأن "الدولة التركية تعيش أزمة كبيرة منذ عشر سنوات، وأي مرشح سيصل للرئاسة لابد أن يتصرف وفقاً للدستور التركي (الذي يمنح صلاحيات محدودة لرئيس الجمهورية)، وإلا سيكون سبباً لأزمة أخرى".
وانتقد إحسان أوغلو النموذج الأميركي الذي يسعى أردوغان لتطبيقه، معللاً ذلك بالاختلاف بين تاريخ الولايات المتحدة والجمهورية التركية، التي "نشات منذ البداية على أساس نظام برلماني، ويجب أن تبقى متحدة تحت علم واحد وبلغة واحدة وأمة واحدة إلى الأبد".
وحذّر من "تفكيك تركيا المحاطة بالعنصريين القوميين والدينيين"، في تلميح الى تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، التي تتهم المعارضة أردوغان بدعمه، أولاً، وإلى عملية السلام مع "العمال"، ثانياً، الذي يطالب بالاعتراف باللغة الكردية لغة رسمية، ومنح صلاحيات واسعة للولايات ذات الأكثرية الكردية. مما فُهم على أنه محاولة لإرضاء مناصري "الحركة القومية"، التي تعارض عملية السلام جملة وتفصيلاً.