روسيا توسّع هيمنتها الاقتصادية على سورية

23 ابريل 2014
الاتفاقات الاقتصادية الروسية - السورية تتزايد (AFP/ GETTY)
+ الخط -

 

تقترب الحكومة السورية من التعاقد مع شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية، لتنفيذ المحطة الرئيسية لضخ المياه في محافظة الحسكة (شمال شرق سوريا)، بتكلفة تبلغ 193 مليون يورو.

يأتي ذلك بعدما وقّع الجانبان في نهاية العام الماضي اتفاقاً يسمح بالتنقيب عن النفط والغاز والحفر في منطقة قبالة الساحل السوري تستثمر بموجبه شركة "سيوزنفتاغاز" (Soyuzneftegaz)  الروسية نحو 90 مليون دولار للدراسات المسحية والتنقيب والحفر في منطقة يتوقع أنها غنية بالغاز والنفط، مقابل حصة مُرضية للشركة، لم يعلن عنها، وفق عقد يستمر لمدة 25 عاماً.

يمكن اعتبار تلك الاتفاقيات بمثابة مؤشر يوضح اتساع الهيمنة الاقتصادية من جانب روسيا على النظام  في سورية، ويشرح، من وجهة نظر اقتصادية، بعض أسباب تشبث روسيا بنظام الرئيس السوري بشار الأسد ومنع محاولات إسقاطه بأي ثمن.

 

الاستبعاد الروسي

واصلت روسيا خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة دعم النظام السوري عبر إمداده بالسلاح، ودعم خزينته المالية لتجنيبه الإفلاس وانهيار العملة المحلية، هذا فضلاً عن الحماية الدبلوماسية في مجلس الأمن حيث استخدمت روسيا حق النقض "الفيتو" لثلاث مرات، في قضايا تتعلق بمصالح النظام.

حقيقة الأمر أن لروسيا مروحة متنوعة من المصالح الاقتصادية والعسكرية في سورية. وقد اتسعت وتعاظمت في السنوات الثلاث الماضية على نحو لا يمكن معه تجاهل تأثيرها الكبير على موقف موسكو بخصوص سورية، ودعمها العنيد للأسد.

ففي بدايات العقد المنصرم، اندفعت طبقة "رجال الأعمال الجدد" في سورية، وهي طبقة هيمنت على العلاقات الاقتصادية خلال بضع سنوات من حكم الرئيس الأسد وذات صلة وثيقة به، من أجل تمتين العلاقات الاقتصادية مع كل من تركيا ودول الخليج العربي بمعزل عن روسيا، وحتى عن إيران.

وهو ما حدث بوتيرة سريعة، إذ حث هؤلاء الحكومة السورية على خلق بيئة استثمارية مرنة ومشجعة لجذب الاستثمار. فوفقاً لهيئة الاستثمار السورية، احتلت سورية العام 2005 المرتبة الرابعة في جذب الاستثمارات العربية، خصوصاً الخليجية منها.

وارتفع عدد المشاريع الاستثمارية التركية في سوريا بمعدل 100 في المئة خلال أربع سنوات فقط (2006-2010). كذلك هو الحال مع المشاريع السعودية والكويتية التي ارتفعت بالنسبة ذاتها. هذا فيما انعدم، خلال الفترة ذاتها، وجود مشاريع اقتصادية روسية جديدة في سورية.

 

تغيّر الاستراتيجية الاقتصادية

تغيّرت، على خلفية الموقف من الاحتجاجات المندلعة في سورية منتصف آذار/ مارس 2011، التحالفات الاقتصادية للنظام السوري.

وبعدما احتلت تركيا المرتبة الأولى في قائمة الدول المصدرة إلى سورية العام 2010، تراجعت إلى المرتبة الأخيرة في العام 2013 بحسب جداول التجارة الخارجية في وزارة الاقتصاد.

وبالمقابل، ارتفعت نسبة التجارة الخارجية بين سورية وروسيا في الفترة 2011- 2013 بأكثر من 275 في المئة، لتصل إلى نسبة 15 في المئة من حجم التجارة الخارجية السورية، في مقابل 4 في المئة العام 2010. وقد أبدت وزارة الاقتصاد السورية تفاؤلها بأن ترتفع هذه النسبة إلى 40 في المئة في السنوات المقبلة.

في العام 2010، احتلت سورية مرتبة متأخرة في قائمة مبيعات الأسلحة الروسية، وحلّت في المرتبة 12، في حين قفزت في العام 2013 إلى المرتبة الخامسة، وفقاً لمركز دراسات تجارة الأسلحة العالمية في موسكو.

وقبل الاتفاق الأخير حول التنقيب عن الغاز والنفط في الساحل السوري، وتحديداً في شهر يونيو/حزيران من العام 2013، تعاقدت الحكومة السورية مع شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية لتنفيذ مشروع غاز شمال شرق سوريا (شمال المنطقة الوسطى).

جاء ذلك في سياق اندفاع الحكومة السورية من اجل تنفيذ مشاريع تنمية وتطوير للمصادر الغازية الحالية والمستقبلية بإشراف الشركات الروسية. إذ يجري اليوم تطوير 9 حقول في شمال المنطقة الوسطى، بالإضافة إلى مشاريع توسيع شبكة نقل وتوزيع الغاز.

 

أصل الفساد

 يؤكد الخبير الاقتصادي سمير سعيفان لـ"العربي الجديد" أن العلاقات الاقتصادية بين سورية وروسيا مثّلت قبل الثورة "مثالاً لفشل الإدارة الاقتصادية".

فالسوق الروسية "سواء قبل انهيار الاتحاد السوفياتي أو بعد ذلك، كانت تحتاج إلى تشكيلة واسعة من منتجاتنا الزراعية والصناعية وحتى الخدمية، وكان ذلك يشكل فرصة كبيرة للتصدير ولتحقيق النمو الاقتصادي في سورية، لو امتلكنا إدارة اقتصادية حكومية جيدة، وقطاعاً خاصاً له مشروع تنموي وطني".

ويرى سعيفان أن الفساد كان من أهم العقبات أمام تعاون اقتصادي تنموي بين البلدين. ويستذكر في العام 2007 حين أبرمت وزارة السياحة عقد استثمار ارض شاليهات "جول جمال" في اللاذقية مع الشركة الروسية "توريست سينارا"، بحيث تقوم الشركة الروسية بإزالة الشاليهات القديمة وإقامة مجمع سياحي جديد من فئة أربع نجوم.

يقول سعيفان: "كلفت الشركة مكتبي في دمشق بإعداد دراسة الجدوى الاقتصادية وقد قمنا بذلك، لكن المشروع اصطدم بعراقيل لا توجد إلا في سورية، إذ رفض اثنان من الضباط المتنفذين إخلاء الشاليه الخاص بهما بذريعة أنهما قاما باستئجاره من بلدية اللاذقية، وهذا بالطبع غير صحيح، لكن البلدية رتبت لهما عقد ايجار طويل لكي يبتزوا الشركة الروسية".

كذلك يستذكر سعيفان أنه قدم في العام 2010 دراسة للحكومة السورية من أجل إقامة منطقة تجارة حرة بين سورية وروسيا. و"رغم قناعة وزيرة الاقتصاد حينها بأهمية المشروع، لم تناسب تلك الأفكار مصالح أصحاب القرار، فاتجهت الأنظار إلى تركيا وأوروبا، رغم أن العلاقة مع تركيا وأوروبا لم تكن لتتعارض مع العلاقة مع روسيا. حقيقة الأمر، لقد كانت العلاقة الاقتصادية مع روسيا تحمل فوائد أعظم بكثير، لكن الحكومة رفضت استغلالها، وكذلك فعل القطاع الخاص". 

 ولا يتفق سعيفان مع الرأي القائل بأن الدعم الروسي لنظام الأسد يتصل بمطامع اقتصادية بحتة، حيث "لا مغريات حقيقية تقدمها سورية إلى روسيا، باستثناء التنقيب عن الغاز والنفط في المياه السورية، واستيراد السلاح الذي يعتقد أنه يورّد إلى النظام بقروض عينية، أي دين مستحق على سورية".

وحول العلاقات التجارية بين البلدين يقول سعيفان: "تبقى فرص تطورها ضعيفة جداً بسبب الدمار الكبير الحاصل وتدهور قطاعات الإنتاج، كما تدهورت المستوردات بصورة كبيرة، إذ يعتمد النظام على المساعدات بأشكال مختلفة، ويشمل ذلك استيراد حاجاته من المشتقات النفطية من إيران".

 

دلالات
المساهمون