21 يوليو 2014
مصر .. ثورة تنطوي ونظام فاسد يعود
كلّ شيء في مصر يؤكّد أنّ (الثورة) توشك أن تصير في ذمّة التاريخ. ليس فقط لأنّ عبد الفتّاح السيسي سيكون رئيس مصر الحتميّ، القادم بقوّة العسكر؛ ولا لأنّ الانتخابات الرئاسيّة، بتعبير المرشّح الرئاسيّ السابق، خالد علي، مجرّد مسرحيّة هزليّة فاشلة؛ ولا لأنّ الناجي الوحيد من أيتام الثورة، حمدين صباحي، تحوّل إلى محلّل أو كومبارس أو ديكور في هذه المهزلة الّتي ستعيد العسكر والفلول، ثانية، إلى مواقعهم القديمة في السلطة، بل لأنّ المناخ الثوريّ العامّ في مصر تمّ إفساده، بحيث لم تعد الثورة بيتًا للجميع، كما كانت عشيّة 25 يناير. انقسم "الثائرون" على أنفسهم، وتركوا الفلول تأتلف بصمت، وتستردّ عافيتها، وتستقطب قطاعاتٍ كبيرةً من المصريين، حتّى انتهى الأمر إلى تشكيل ما سمّي "جبهة الإنقاذ" الّتي تحوّلت، منذ البداية، إلى فضاء بديل للثورة، من دون أن ينتبه "الثائرون". كان واضحًا أنّ هذه "الجبهة" لم تعد مشغولة بالقضاء على نظام حسني مبارك الّذي لم يستسلم بعد، وأنّها، بدلاً من ذلك، جعلت هدفها الأوّل إسقاط محمد مرسي، ونظامه الهشّ الّذي هو "نظام الثورة"، بغضّ النظر عن كلّ التجاوزات الّتي نسبت إليه؛ ثمّ سرعان ما أصبح الهدف أكثر تحديدًا ووضوحًا وابتعادًا عن هدف الثورة الأوّل، حيث نُسي نظام مبارك تمامًا، وأصبح الإخوان المسلمون، وليس نظام مرسي بالتحديد، الهدف الأوّل المطلوب إسقاطه.
في هذه المرحلة، لعب الإعلام المصريّ الدور الأكبر في شيطنة الإخوان، وتحويلهم من شركاء في الثورة إلى لصوص يحاولون السطو عليها، وأصبح انتماء مرسي الإخوانيّ تهمة، سعى هو جاهدًا إلى نفيها بكلّ سذاجة. كانت جبهة الإنقاذ، إذاً، جسمًا آخر غير ذلك الجسم الّذي صنع ثورة 25 يناير، وكانت تريد إنقاذ مصر من الإخوان، لا من نظام مبارك، وغيّرت هتاف الثورة الرئيسيّ من "يسقط يسقط حسني مبارك" إلى "يسقط يسقط حكم المرشد". ومع ذلك، لم ينتبه المناوئون للإخوان من الناصريّين واليساريّين والسلفيّين والليبراليّين والأقباط إلى أنّ ما يحدث خروج صريح عن الثورة وضدّها. لا بل راح بعضهم يروّج أنّ "30 يونيو" نسخ "25 يناير"، وأنّه تاريخ الميلاد الحقيقيّ للثورة المصريّة.
فلنلاحظ، إذاً، كيف تحوّل الخطاب السياسيّ، بسرعة مذهلة، إلى خطاب تضليليّ، قائم على تبديل الأهداف: نظام مرسي بدلاً من نظام مبارك، وتنظيم الإخوان بدلاً من نظام مرسي. ولنلاحظ ذلك التحوّل الموازي الخطير في اللغة ودلالاتها من الدعوة لـ"إسقاط" النظام إلى الدعوة لـ "إقصاء" التنظيم إلى الدعوة لـ "اجتثاث" جماعة سياسيّة برمّتها؛ ولنلاحظ، أخيرًا، كيف غاب سؤال الفساد، والذي أدّى إلى سقوط النظام، وحضر، بدلاً منه، سؤال الإرهاب الّذي أدّى إلى عودة النظام القديم ذاته، لكن، برأس جديد وأجندة جديدة.
لقد انتهى "الثوّار" جميعًا خارج الحلبة، ولم يبق سوى حمدين صباحي، والّذي بات واضحًا أنّه أضعف من أن يمثّل "الثورة"، في مواجهة خصمه القويّ السيسي المدعوم من العسكر وفلول النظام القديم. وبدلاً من أن يسعى حمدين إلى لملمة شتات الثوّار، وتبنّي خطاب الثورة المفارق لخطاب السيسي، راح يتماهى معه، ويجاريه في المناورة وتبديل الأهداف، والتركيز على سؤال الإرهاب، بدلاً من سؤال الفساد، والدعوة إلى القضاء على "الإخوان"، بدلا من القضاء على نظام مبارك. وهكذا، انتهى حمدين إلى مجرّد أداة في يد النظام الّذي عارضه طوال حياته، وشارك في العمل على إنقاذه، مثلما شارك في العمل على إسقاطه.
إنّه لأمرٌ يدعو إلى الذهول حقًّا أن يرى المرء كيف يغادر الثائر حمدين صباحي ثورته الحقيقيّة، ليلتحق بثورة مزيّفة، وكيف يتحوّل العسكريّ السيسي، الّذي ظلّ يحرس نظام مبارك ثلاثين سنة، إلى ناطور يحرس مصر من ثوّارها، لا من ثعالبها، ويضرب بعض ثوّارها ببعض، ويوهم الناس بأنّه لا يقدر على قيادة البلاد سوى عسكرها. أدرك حمدين صبّاحي أنّ الثورة لم تحكم مصر، بعدما تمّ إسقاط نظام الرئيس محمّد مرسي، وتسليم الحكم إلى سلطة انتقاليّة، يهيمن عليها المجلس العسكريّ، وأدرك، بعد فوات الأوان، أنّ ذلك عطّل تحقيق أهداف الثورة. لكنّه، مع ذلك، لم يسمّ ما حدث انقلابًا، ولم ينأ بنفسه عن المشاركة فيه، ولم يتورّع عن التهديد بمنع أيّ وجودٍ فعليّ للإخوان المسلمين لو أصبح رئيسًا، وذلك نفسه ما توعّد السيسي بفعله.
تعايش نظام مبارك بشكلٍ ما، على الرغم من انحطاطه الشديد، مع وجود "الإخوان" في الحياة العامّة والسياسيّة. والسؤال هو: ما دام السيسي امتداداً لنظام مبارك، فلم لا يتعايش مع "الإخوان" مثلما فعل سابقه؟ وما دام صباحي امتداداً لنظام الثورة، فلم لا يختلف عن السيسي في عزمه على التخلّص من "الإخوان"؟
لقد وصل المشهد المصريّ إلى حافّة الفوضى، بسبب تدخّل المؤسّسة العسكريّة الّذي بدّد الثورة، وأعاد فساد النظام إلى سيرته الأولى.
في هذه المرحلة، لعب الإعلام المصريّ الدور الأكبر في شيطنة الإخوان، وتحويلهم من شركاء في الثورة إلى لصوص يحاولون السطو عليها، وأصبح انتماء مرسي الإخوانيّ تهمة، سعى هو جاهدًا إلى نفيها بكلّ سذاجة. كانت جبهة الإنقاذ، إذاً، جسمًا آخر غير ذلك الجسم الّذي صنع ثورة 25 يناير، وكانت تريد إنقاذ مصر من الإخوان، لا من نظام مبارك، وغيّرت هتاف الثورة الرئيسيّ من "يسقط يسقط حسني مبارك" إلى "يسقط يسقط حكم المرشد". ومع ذلك، لم ينتبه المناوئون للإخوان من الناصريّين واليساريّين والسلفيّين والليبراليّين والأقباط إلى أنّ ما يحدث خروج صريح عن الثورة وضدّها. لا بل راح بعضهم يروّج أنّ "30 يونيو" نسخ "25 يناير"، وأنّه تاريخ الميلاد الحقيقيّ للثورة المصريّة.
فلنلاحظ، إذاً، كيف تحوّل الخطاب السياسيّ، بسرعة مذهلة، إلى خطاب تضليليّ، قائم على تبديل الأهداف: نظام مرسي بدلاً من نظام مبارك، وتنظيم الإخوان بدلاً من نظام مرسي. ولنلاحظ ذلك التحوّل الموازي الخطير في اللغة ودلالاتها من الدعوة لـ"إسقاط" النظام إلى الدعوة لـ "إقصاء" التنظيم إلى الدعوة لـ "اجتثاث" جماعة سياسيّة برمّتها؛ ولنلاحظ، أخيرًا، كيف غاب سؤال الفساد، والذي أدّى إلى سقوط النظام، وحضر، بدلاً منه، سؤال الإرهاب الّذي أدّى إلى عودة النظام القديم ذاته، لكن، برأس جديد وأجندة جديدة.
لقد انتهى "الثوّار" جميعًا خارج الحلبة، ولم يبق سوى حمدين صباحي، والّذي بات واضحًا أنّه أضعف من أن يمثّل "الثورة"، في مواجهة خصمه القويّ السيسي المدعوم من العسكر وفلول النظام القديم. وبدلاً من أن يسعى حمدين إلى لملمة شتات الثوّار، وتبنّي خطاب الثورة المفارق لخطاب السيسي، راح يتماهى معه، ويجاريه في المناورة وتبديل الأهداف، والتركيز على سؤال الإرهاب، بدلاً من سؤال الفساد، والدعوة إلى القضاء على "الإخوان"، بدلا من القضاء على نظام مبارك. وهكذا، انتهى حمدين إلى مجرّد أداة في يد النظام الّذي عارضه طوال حياته، وشارك في العمل على إنقاذه، مثلما شارك في العمل على إسقاطه.
إنّه لأمرٌ يدعو إلى الذهول حقًّا أن يرى المرء كيف يغادر الثائر حمدين صباحي ثورته الحقيقيّة، ليلتحق بثورة مزيّفة، وكيف يتحوّل العسكريّ السيسي، الّذي ظلّ يحرس نظام مبارك ثلاثين سنة، إلى ناطور يحرس مصر من ثوّارها، لا من ثعالبها، ويضرب بعض ثوّارها ببعض، ويوهم الناس بأنّه لا يقدر على قيادة البلاد سوى عسكرها. أدرك حمدين صبّاحي أنّ الثورة لم تحكم مصر، بعدما تمّ إسقاط نظام الرئيس محمّد مرسي، وتسليم الحكم إلى سلطة انتقاليّة، يهيمن عليها المجلس العسكريّ، وأدرك، بعد فوات الأوان، أنّ ذلك عطّل تحقيق أهداف الثورة. لكنّه، مع ذلك، لم يسمّ ما حدث انقلابًا، ولم ينأ بنفسه عن المشاركة فيه، ولم يتورّع عن التهديد بمنع أيّ وجودٍ فعليّ للإخوان المسلمين لو أصبح رئيسًا، وذلك نفسه ما توعّد السيسي بفعله.
تعايش نظام مبارك بشكلٍ ما، على الرغم من انحطاطه الشديد، مع وجود "الإخوان" في الحياة العامّة والسياسيّة. والسؤال هو: ما دام السيسي امتداداً لنظام مبارك، فلم لا يتعايش مع "الإخوان" مثلما فعل سابقه؟ وما دام صباحي امتداداً لنظام الثورة، فلم لا يختلف عن السيسي في عزمه على التخلّص من "الإخوان"؟
لقد وصل المشهد المصريّ إلى حافّة الفوضى، بسبب تدخّل المؤسّسة العسكريّة الّذي بدّد الثورة، وأعاد فساد النظام إلى سيرته الأولى.