أحوال العرب في مرآة داعش

30 يونيو 2014
+ الخط -

شابٌّ في مقتبل العمر، يطلّ من فيديو على "يوتوب"، موجّهاً خطابه للشباب من أقرانه، ولأميره أبو بكر البغدادي زعيم داعش، فيقول: "اذهبْ بنا يا أمير المؤمنين إلى حيث تشاء، نحن سهامك التي ترمي بها أعداءك، ستجدنا إن شاء الله صابرين، لا حدود لجهادنا. أمس، قاتلنا تحت رايتك في سورية، واليوم في العراق، وغداً، إن شاء الله، في الأردن ولبنان، وحيث تأمرنا بالجهاد تجدنا مستعدين لبذل النفس، من أجل إعلاء راية لا إله إلا الله محمد رسول الله".

هذا الشاب اليمني الذي التحق بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، قبل ثمانية أشهر، لم يكمل بعد عقده الثاني، جاء من بريطانيا، حيث كان يدرس، إلى المحرقة السورية، ومنها إلى العراق، ووجد نفسه في الجهاد العابر للحدود.

غزوات داعش في العراق أخيراً صدمت المعلقين والصحافيين والسياسيين في الشرق والغرب، راحوا يحذرون من خطورة هذا التنظيم الدموي، وحساسية تمدده في منطقة قابلة للاشتعال، لكن قلةً طرحوا السؤال عن الأسباب العميقة وراء التحاق آلاف الشباب العرب بصفوف داعش، أي برنامج سياسي أو عسكري في جيب أبو بكر البغدادي، يغري به شباباً في الشرق والغرب، ويدفعهم إلى حمل السلاح وسط كتائبه، والتوجه إلى جبهات القتال؟ أي أيديولوجيا لدى هذا الساحر، تدفع شباناً مسلمين إلى ترك مقاعد الدراسة ومكاتب العمل ومواطن الرزق، والهرولة إلى حمل الكلاشنكوف، والانخراط في حفلات الدم المرعبة؟  

صار البغدادي فاعلاً سياسياً وعسكرياً وأيديولوجياً مهماً في العالم العربي اليوم. نجح في تشكيل أول (جيش عربي) في تاريخ المنطقة التي طالما حلمت بالوحدة والقتال تحت راية واحدة، جيش داعش اليوم فيه الجهادي العراقي والسوري والمغربي واليمني والسعودي والجزائري والتونسي والليبي واللبناني، بل إن أمير المؤمنين هذا نجح في الوصول إلى مسلمي أوروبا وأميركا وروسيا، واستطاع إقناع شباب من وسطهم بالجهاد تحت رايته، مرة ضد النظام السوري (العلوي) وأخرى ضد النظام العراقي (الشيعي)، ومرة ضد الشيطان الأميركي. بل وصل به الأمر إلى حدود قتال المسلمين السنة المتخاذلين، أو الرافضين، بيعة أمير المؤمنين البغدادي الذي لا تجوز البيعة لغيره في هذا الزمان، حسب ما يرى، فهو عازم على محو الحدود، وإقامة الخلافة الإسلامية، وتطبيق الشريعة بالنقطة والفاصلة.

تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي بسط نفوذه، قبل أسابيع، على مناطق مهمة من العراق، مستغلاً يأس السنة هناك من سياسة التمييز الطائفي التي كانت وقود سياسة نوري المالكي سنوات عدة. داعش هذه هي النسخة الثانية من الراديكالية الجهادية ما بعد القاعدة، وهي التعبير الأكثر وضوحاً عن فشل الدولة في العراق وسورية ولبنان واليمن وليبيا، تماماً كما تفككت الصومال من قبل، وسنشهد غداً تفكك كيانات عربية أخرى، إذا لم تدخل إلى العصر الديموقراطي، وإلى إعادة بناء كيانها وهويتها الوطنية الجامعة، هوية أنهكها طول ليل الاستبداد، وفشل وعود التنمية، وهدر كرامة البشر. 

داعش أكثر من مجرد جيش من الإرهابيين جاء ليلعب آخر أوراق الفتنة الطائفية والمذهبية التي زرعت في التربة العربية، إنه الاسم الحركي لفشل الأنظمة الحاكمة في بناء قاعدة للمشروعية، وفي تشكيل هوية وطنية جامعة، تتجاوز الانتماءات الطائفية والمذهبية والدينية والعشائرية، داعش أفضل مرآة، نطالع فيها وجه الانحطاط العربي واليأس السياسي والإحباط النفسي.

عندما يرى الشباب أن قاتلاً في سورية، يسمى بشار الأسد، يرمي شعبه ببراميل البارود، ولا يتحرك العالم لنجدة الأطفال والشيوخ والنساء، فلماذا لا يبايع أمير داعش على الجهاد؟ عندما يرى شباب العراق نوري المالكي، وقد حول الجيش العراقي إلى ميلشيا شيعية، متعطشة للثأر للحسين من سنّة الموصل والأنبار، فلماذا لا يركبون موجة داعش التي تعدهم بقتل الروافض والصفويين، اليوم وليس غداً؟ عندما يرى الشباب العربي أن إيران تلعب بحرية كبيرة في منطقةٍ، بلا أمن ولا حارس، وأنها توظف حزب الله وعصائب الحق وبقايا التخلف الطائفي في العراق واليمن ولبنان، للقتال تحت راية المهدي، فلماذا لا يبايعون الأمير السنيّ المتطرف أبو بكر البغدادي الذي حمل دم السنّة على كتفه، وخرج يطلب الثأر بالسيف لا بالرأي.

عندما تموت السياسة، ينهض القتل سبيلاً لحل الصراعات وتصفية النزاعات. وعندما يغيب العقل، يفسح الطريق إلى الغريزة، وعندما يستيقظ وحش الانتقام، لا شيء يقف في وجهه، حتى يروي عطشه من الدم.

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.