18 نوفمبر 2024
في الاقتصاد السياسي للحرب على الإرهاب
يكتب جامعي تونسي، بلغة فرنسية شاهراً بها حداثته، أن مرتكبي الأعمال الإرهابية في منزلة ما دون الإنسانية، بل أقل مرتبة من الحيوانية، ولذلك علينا ألا نراعي في التعامل معهم أدنى مقتضيات حقوق الإنسان، ونرمي بهم خارج المنظومات الحقوقية، حتى لا تشملهم، فيعاملوا آنذاك كبشر، في حين أنهم لا يستحقون حتى محاكم استثنائية، تقودهم إلى الإعدام. يتلقى الشباب ما كتبه أستاذهم على جداره الخاص، وبعضهم من طلبته، فيؤيدون ما دعا إليه، بل ويعتبرون ما جاء في قوله رؤوفاً رحيماً، فيصرون على سحل أولئك، وقتل من يشتبه بهم في حرب استباقية شعبية. في اليوم نفسه، يدعو محام و"حقوقي" في صفحات الموقع الاجتماعي، وهو من الكوادر الوسطى لحزب نداء تونس (ترميم لحزب زين العابدين بن علي بنكهة يسارية)، إلى قتل رموز حركة النهضة، بصريح العبارة، ويذكرهم اسمياً كونهم إرهابيين. تعلمنا تجارب شبيهة كيف تدحرجت بلدانٌ، أوكلت مهمة مكافحة الإرهاب إلى أجهزة موازية خارجة على القانون، إلى حرب أهلية، ارتكبت فيها أبشع الجرائم ضد الإنسان، ولازالت أسرارها خفية، ما عدا بعض شهادات ومذكرات من صحا ضميره، متأخراً، لكن من دون أن يحوز ثقتنا في صدق ما روى.
إنها معركة الإرهاب التي لا صوت يعلو فوق صوتها، ولو كان صوت العقل. معركة لا حياد فيها. هذا ما يكرره الإعلام التونسي، بما فيها نقابته، وتردده قيادات أمنية مرات عديدة، بنبرة فيها وعيد، لو تجرأنا على مناقشة الأمر، أو حتى مجرد الاستفسار. يهزأ رؤساء نقابات أمنية متناسلة من بعضها، معازل في جلها تصونهم من المحاسبة، من دعوات احترام حقوق الإنسان "إذا تعلق الأمر بأمن الوطن". معركة تحشد فيها عواطف الناس واستثمار أشد المشاعر عنفاً وعدوانية. تصور هذه المعركة على أنها بين مخيمين لا ثالث لهما، الخير والشر، فإما أن تكون محارباً للإرهاب أو أن تكون إرهابيا. يحشرك هذا التقسيم الثنائي في المعسكرين اللذين هما من تصنيفات ذهنٍ قد من رصاص.
يسوقنا هذا الخطاب الانشطاري إلى الانخراط في رياضة صيد، ولكنها في هذه الحالة صيد البشر. فنتحول إلى قناصة يتصيدون الإرهابيين. ملامح الطريدة لا تحتاج إلى تروٍ: أشخاص ملتحون يلبسون جلابيب طويلة أحياناً، إذا صادفك أحدٌ منهم لا تتثبث، أطلق الرصاص وأرده قتيلاً، فالواجب الوطني يدعوك إلى ذلك.
في هذه المعركة، يدعونا بعضهم إلى أن نتحول إلى كلاب صيدٍ مدربةٍ، على شم طريدتها والفتك بها. ولكي نصل إلى ذلك، علينا أن نتدرب على قتل ما هو إنساني فينا قبل كل شيء.
يُراد بنا أن نتحول "شعب الإصبع على الزناد"، في حالة استعداد دائم للموت أو القتل، كما في معارك القلادياتور الرومان الفاقدة أي قواعد، ما عدا إبهام نازل إلى أسفل، طلبا للموت، ولا شيء غيره.
ابتليت تونس، ولا شك، بمعركة مع الإرهاب، داهمتها في سياقٍ دقيقٍ، لم تجربه بلاد من قبل مطلقاً. إنه سياق الانتقال الديمقراطي، فالدول التي شهدت قبلنا مثل هذه المرحلة لم تصطدم، لحسن حظها، مع الإرهاب، كما أن الدول التي خاضت معارك الإرهاب كانت تعيش استمرارية صلبة، لنظمها السياسية وأجهزة الدولة فيها كانت متماسكة وقوية. أما تونس، فإنها تخوض معركتها ضد الإرهاب، في سياق من الانتقال الديمقراطي الهش، وفي سياقٍ تتحالف فيه الدولة العميقة مع بقايا النظام السابق. عرفت الجزائر الشقيقة الإرهاب مثلاً، ولكن، في سياق مغاير تماماً، كان النظام السياسي فيه متماسكاً، والدولة تبسط هيمنتها بمؤسسات وأجهزة صلبة ومتينة.
لا شك أن المعركة مع الإرهاب تفتح، وتفضي إلى معارك أخرى، لا تقل شراسة لدى بعضهم عن المعارك التي يخوضها الجيش وقوات الأمن مع العناصر الإرهابية، ولكن، يعمد من يشتهي خوض المعارك الموازية تلك، إلى استراتيجيات لا علاقة لها مباشرة بمواجهة الإرهاب والإرهابيين، في استثمار اقتصادي وسياسي لتلك المعركة. فيعمد إما إلى الانقضاض على ما أفتك من حريات وحقوق، نتيجة آلام أجيال عديدة وتضحياتها، لنواجه إرهاب الدولة وتوابعها، أما البعض الآخر فإنه يعمد إلى توسيع جبهات المعركة، لتصبح فوهة البندقية موجهة إلى التاريخ والجغرافيا. لذلك، يتبرأ بعضهم، حالياً، من انتماء تونس إلى محيطها العربي والإسلامي الذي لا يرى فيه هؤلاء إلا مصادر للإرهاب، داعين إلى اجتثاث تونس من هذا المحيط، باعتباره بيئة حاضنه في جينتها له. للأسف، يعلو هذا الصوت حاليا لإيجاد مناخ من القرف تجاه تاريخنا.
كما أن خلق الحاجة إلى الأمنين، الاجتماعي والسياسي، وتنامي الطلب الاجتماعي عليهما، مع ارتفاع منسوب الإرهاب، سيمنح الفرصة لشراء صكوك براءة لقيادات أمنية تورطت في قتل شهداء الثورة، وبدأت أصوات، حالياً، تنادي بإعادتهم الى قيادة المعركة ضد الإرهاب.
يتغافل بعضهم، عمداً، عن إدراك حقيقة أن الإرهاب ظاهرة معقدة، وأن اختزال معالجتها في تشطير المجتمع إلى أخيار وأشرار لن يحل المعضلة.
تضعنا المعركة ضد الإرهاب إلى جانب اختبار ضرورة الفوز فيها، أمام اختبارين آخرين، لا يقلان أهمية عن ذلك، هما اختبار المحافظة على الديمقراطية، وأنبل ما فيها حقوق الإنسان في كل معاركنا ضد الإرهاب، والثاني اختبار الحفاظ على الانتقال الديمقراطي. يستثمر بعضهم اقتصاداً سياسياً ريعياً للمعركة ضد الإرهاب من أجل إجبارنا على التنازل عما اكتسبناه بدماء شهدائنا: الحرية وحقوق الإنسان معاً.
إنها معركة الإرهاب التي لا صوت يعلو فوق صوتها، ولو كان صوت العقل. معركة لا حياد فيها. هذا ما يكرره الإعلام التونسي، بما فيها نقابته، وتردده قيادات أمنية مرات عديدة، بنبرة فيها وعيد، لو تجرأنا على مناقشة الأمر، أو حتى مجرد الاستفسار. يهزأ رؤساء نقابات أمنية متناسلة من بعضها، معازل في جلها تصونهم من المحاسبة، من دعوات احترام حقوق الإنسان "إذا تعلق الأمر بأمن الوطن". معركة تحشد فيها عواطف الناس واستثمار أشد المشاعر عنفاً وعدوانية. تصور هذه المعركة على أنها بين مخيمين لا ثالث لهما، الخير والشر، فإما أن تكون محارباً للإرهاب أو أن تكون إرهابيا. يحشرك هذا التقسيم الثنائي في المعسكرين اللذين هما من تصنيفات ذهنٍ قد من رصاص.
يسوقنا هذا الخطاب الانشطاري إلى الانخراط في رياضة صيد، ولكنها في هذه الحالة صيد البشر. فنتحول إلى قناصة يتصيدون الإرهابيين. ملامح الطريدة لا تحتاج إلى تروٍ: أشخاص ملتحون يلبسون جلابيب طويلة أحياناً، إذا صادفك أحدٌ منهم لا تتثبث، أطلق الرصاص وأرده قتيلاً، فالواجب الوطني يدعوك إلى ذلك.
في هذه المعركة، يدعونا بعضهم إلى أن نتحول إلى كلاب صيدٍ مدربةٍ، على شم طريدتها والفتك بها. ولكي نصل إلى ذلك، علينا أن نتدرب على قتل ما هو إنساني فينا قبل كل شيء.
يُراد بنا أن نتحول "شعب الإصبع على الزناد"، في حالة استعداد دائم للموت أو القتل، كما في معارك القلادياتور الرومان الفاقدة أي قواعد، ما عدا إبهام نازل إلى أسفل، طلبا للموت، ولا شيء غيره.
ابتليت تونس، ولا شك، بمعركة مع الإرهاب، داهمتها في سياقٍ دقيقٍ، لم تجربه بلاد من قبل مطلقاً. إنه سياق الانتقال الديمقراطي، فالدول التي شهدت قبلنا مثل هذه المرحلة لم تصطدم، لحسن حظها، مع الإرهاب، كما أن الدول التي خاضت معارك الإرهاب كانت تعيش استمرارية صلبة، لنظمها السياسية وأجهزة الدولة فيها كانت متماسكة وقوية. أما تونس، فإنها تخوض معركتها ضد الإرهاب، في سياق من الانتقال الديمقراطي الهش، وفي سياقٍ تتحالف فيه الدولة العميقة مع بقايا النظام السابق. عرفت الجزائر الشقيقة الإرهاب مثلاً، ولكن، في سياق مغاير تماماً، كان النظام السياسي فيه متماسكاً، والدولة تبسط هيمنتها بمؤسسات وأجهزة صلبة ومتينة.
لا شك أن المعركة مع الإرهاب تفتح، وتفضي إلى معارك أخرى، لا تقل شراسة لدى بعضهم عن المعارك التي يخوضها الجيش وقوات الأمن مع العناصر الإرهابية، ولكن، يعمد من يشتهي خوض المعارك الموازية تلك، إلى استراتيجيات لا علاقة لها مباشرة بمواجهة الإرهاب والإرهابيين، في استثمار اقتصادي وسياسي لتلك المعركة. فيعمد إما إلى الانقضاض على ما أفتك من حريات وحقوق، نتيجة آلام أجيال عديدة وتضحياتها، لنواجه إرهاب الدولة وتوابعها، أما البعض الآخر فإنه يعمد إلى توسيع جبهات المعركة، لتصبح فوهة البندقية موجهة إلى التاريخ والجغرافيا. لذلك، يتبرأ بعضهم، حالياً، من انتماء تونس إلى محيطها العربي والإسلامي الذي لا يرى فيه هؤلاء إلا مصادر للإرهاب، داعين إلى اجتثاث تونس من هذا المحيط، باعتباره بيئة حاضنه في جينتها له. للأسف، يعلو هذا الصوت حاليا لإيجاد مناخ من القرف تجاه تاريخنا.
كما أن خلق الحاجة إلى الأمنين، الاجتماعي والسياسي، وتنامي الطلب الاجتماعي عليهما، مع ارتفاع منسوب الإرهاب، سيمنح الفرصة لشراء صكوك براءة لقيادات أمنية تورطت في قتل شهداء الثورة، وبدأت أصوات، حالياً، تنادي بإعادتهم الى قيادة المعركة ضد الإرهاب.
يتغافل بعضهم، عمداً، عن إدراك حقيقة أن الإرهاب ظاهرة معقدة، وأن اختزال معالجتها في تشطير المجتمع إلى أخيار وأشرار لن يحل المعضلة.
تضعنا المعركة ضد الإرهاب إلى جانب اختبار ضرورة الفوز فيها، أمام اختبارين آخرين، لا يقلان أهمية عن ذلك، هما اختبار المحافظة على الديمقراطية، وأنبل ما فيها حقوق الإنسان في كل معاركنا ضد الإرهاب، والثاني اختبار الحفاظ على الانتقال الديمقراطي. يستثمر بعضهم اقتصاداً سياسياً ريعياً للمعركة ضد الإرهاب من أجل إجبارنا على التنازل عما اكتسبناه بدماء شهدائنا: الحرية وحقوق الإنسان معاً.