يعيش أهل اللبوة على وقع هذا الهاجس منذ أسابيع، مع اشتداد حدّة المعارك في الجرد الممتدّ على طول الحدود بين لبنان وسورية.
تنتقل صور مجازر داعش من هاتف لآخر ومن ديوانية لأخرى في اللبوة. تصل أصوات الاشتباكات ومعها تتوالى أنباء عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف حزب الله. يزداد القلق ليصبح التعويل على قوّة الحزب ضرورة وحاجة. هم ينتظرون "غزواً مسلحاً لقرى الشيعة"، بحسب ما يقول معظم الناس هنا. بات سهلاً في اللبوة، التي كانت بعيدة كل البعد عن أي لفظ مذهبي، وهي المعروفة تاريخياً باحتضانها حالة يسارية وازنة، سماع مصطلحات "شيعي" و"سنّي". أصبحت جزءاً من منظومة الحرب بين الطرفين. وفقاً لأهلها، مقاتلو داعش باتوا داخل عرسال الجارة، "لا في جردها فقط".
تتحوّل المعركة شيئاً فشيئاً إلى حرب مع عرسال وأهلها. هؤلاء متّهمون بإيواء المقاتلين وتأمين الدعم لهم. حتى إنه في بعض مجالس اللبوة يقال إنّ التنظيم المتشدّد أمسك ببلدة عرسال وبأهلها، "مقاتلوه وأنصاره يقيمون الحواجز ويتحكّمون بمفاصل الحياة اليومية للناس". أكثر من ذلك، برأي عدد كبير من أهل اللبوة، لقد "نفذ الداعشيون استعراضاً عسكرياً في حَواري البلدة، شاركت فيه آليات ومدافع وقاذفات وآلاف المقاتلين". كما يتناقل أهل اللبوة أرقام ومعلومات عن "تصدير 12 ألف ربطة خبز يومياً من عرسال إلى الجرد الشرقي (باتجاه الحدود مع سورية) لمقاتلي المعارضة"! أي أنّ مقاتلي داعش وأخواتها يفوق 24 ألف مقاتل وفق هذه الحسابات. ويتناقل أبناء البلدة رسائل عبر تطبيق "واتس أب" عما يقولون إنه "إعلان الجهاد في بعض مساجد عرسال" أو "اشتباكات تحصل فيها بين العرساليين ومقاتلين متشددين".
أما رئيس بلدية اللبوة، رامز أمهز، فيؤكد لـ"العربي الجديد" أن "لا مشكلة بين عرسال واللبوة ولا بين أهل البلدتين". يقول إنّ "الاشتباكات بعيدة جغرافياً"، من دون أن يكون لهذا الاعتراف الضمني والفعلي أيَّ وقع طمأنة. فالأقاويل والشائعات قادرة على إزالة مفاعيل التهدئة وخلق أجواء التوتر والقلق في نفوس أهل اللبوة. أن تكون داعش أصبحت داخل عرسال يعني أنّ الخطر بات هنا، على بعد خمسة كيلومترات. وهذا ما يفسّر "العراضة" العسكرية التي نفّذها حزب الله قبل عشرة أيام في بلدات اللبوة، والنبي عثمان، والعين ونحلة، ثم كرّرها قبل يومين في بلدة الفاكهة بعد "شيوع معلومات عن إحباط محاولة تسلل لمقاتلي داعش". لكن فعلياً، تبعد المعارك والاشتباكات عن اللبوة والفاكهة أكثر من عشرين كيلومتراً في الجرد، عند مثلث عرسال ــ نحلة ــ رأس المعرّة.
ساهم ذلك الاستعراض غير الرسمي في طمأنة الناس. أثبت الحزب وجوده وأكد للجميع أنه يستنفر لحمايتهم والدفاع عنهم. يعتبر أمهز أنّ "الاستعراض تطمين للناس ورسالة لداعش"، لكن في الوقت عينه يتساءل عن دور الدولة وقوّاتها العسكرية ومهامها الرئيسية في حماية الناس.
مع العلم أنّ آليات حزب الله، خلال العراضة العسكرية، مرت على مركزين للجيش اللبناني، من دون أي اعتراض. ويمكن لمن يزور بعض المنازل القريبة من طريق اللبوة ــ عرسال أن يرى مدافع وآليات عسكرية في البساتين المجاورة. هي موزّعة بين الناس وتحيط بهم وتحميهم، لكن في الوقت نفسه تؤكد لهم أنهم في خطر.
يعرف أهل اللبوة أنّ عناصر حزب الله منتشرون في الجرود المرتفعة بين اللبوة وعرسال وما بعدها. هم قادرون على الإشارة إلى تلك المواقع العسكرية المتقدمة. هم يحصونها ويتابعونها عن بعد. يلحظون أعمالاً فيها وتحصينات يمكن رؤيتها بالعين المجردة، ويمكن أيضاً ملاحظة تغيّر في معالم الجبال وألوانها، بعد عمليات حفر أنفاق أو بناء تجهيزات عسكرية تنفذها جرّافات ظاهرة للجميع.
لا يزال القلق والخطر من داعش يمثلان أمام أهل اللبوة وغيرها من القرى المحسوبة على حزب الله في منطقة بعلبك. يقول الناس إن الحزب "هاجم الإرهابيين" حيناً، "وتعرّضت مواقعه لهجوم" حيناً آخر. ومع أًصوات المعارك والقذائف الآتية من بعيد، تصل سيارات إسعاف إلى مستشفيات بعلبك. يسقط قتلى وجرحى، فيعيش الناس نكسات تعود وتحاول محوها أرقام يجري التداول بها: "سقط 10 شهداء للحزب و32 جريحاً، بينما قتل 82 مسلحاً وعشرات الجرحى". لا يعلم أحد من أين يأتي تحديد عدد قتلى العدو الداعشي، إلا أن هذه الأرقام تساهم في تطويق النكسات ومعالجتها.
وخلال أحاديثهم، يصل البعض إلى خلاصات أو تساؤلات "لماذا لحق الحزب بمقاتلي المعارضة إلى الجرد؟" وسرعان ما يستدركون: "في كل الأحوال كان هؤلاء ليهاجموا قرانا". لا يترك الناس هنا ولو خيطاً رفيعاً لمساءلة حزب الله أو انتقاده. كل شيء مبرّر له وكل تحركاته وقراراته تأتي في قالب واحد: الحزب يعلم ما يفعل وقيادته حكيمة ومقاتلوه يحمون الأرض. أما من يترك هذا الخيط الرفيع في فكره، فيحتفظ به لنفسه، لا يجرؤ على البوح به أمام أهله وأبناء بلدته.
دفع الحزب الناس إلى هذه الحال. بات يسيطر عليهم ويكبح أفكارهم وتساؤلاتهم. عدّل تباعاً كل شيء فيهم، لم يعد بإمكانهم التساؤل ولا الاستغراب. هو حرّر الأرض في الجنوب، واليوم يدافع عن البقاع. كل ما يقوله صحيح وكل ما يفعله مباح في ظل الخطر الداهم لـ"الدواعش"، أي داعش والتنظيمات المتطرفة الأخرى بحسب لغة أهل اللبوة. هكذا يعزّز حزب الله هذا الخطر ويثيره أكثر بين الناس، ليحكم سيطرته عليهم ويبقيهم تحت السيطرة.