دهاء إيراني قصير المدى

دهاء إيراني قصير المدى

29 يوليو 2015
+ الخط -
لا أختلف مع من يتغنّون، هذه الأيام، بدهاء ساسة إيران "الحاذقين"، فلقد أبلوا، بحق، بلاء حسنا في أغلب الملفات التي يديرونها، وإن لم يحققوا فيها انتصارات حاسمة. 
نعم، تمكّن قادة طهران من بسط نفوذهم في أربع ساحات عربية؛ وباتوا قوة لا يستهان بها، ورقما لا يمكن تجاوزه. وعلى الرغم مما يقال عن الاتفاق النووي من آراء مختلفة، فإن المراقبين يكادون يجمعون على أنه سيعود بفوائد سياسية واقتصادية كبيرة على الجمهورية، وهو ما أشعر دولاً عربية بالقلق الشديد، ودفعها إلى دراسة خياراتها المتاحة، لمواجهة تداعيات ما سيسفر عنه.
باختصار، لا نستبعد أن تحقق إيران، على المدى المنظور، انتصارات وإنجازات كثيرة، على حساب العرب بالدرجة الأولى. لكن، ماذا عن نتائج الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة على المدى البعيد.
هل من الحكمة ما تمارسه من سياسات تؤجج الكراهية، وتُذكي النعرات الطائفية، والمذهبية، والقومية، وتؤسس لعداوات دينية، وعصبية، قد لا تُبقي ولا تذر؟
إيران تدعم نظام بشار الأسد، ضد شعبه في سورية، وتناصر أقلية طائفية، تحتكر السلطة في وجه أغلبية تريد الانعتاق من نير العبودية. وتؤجج سياساتها الطائفية في العراق، وهو ما أغرقه في حرب أهلية مدمرة، أهلكت الحرث والنسل، وبددت ثرواته الكبيرة. كما تسبب دعمها الحوثيين في اليمن بسيطرة أقلية طائفية على معظم مناطق البلد، وأدخلته أيضا في حرب أهلية. وفي لبنان، الكل يعلم أن إيران باتت قادرة على التحكم في مجريات الأحداث من خلال حزب الله.
وترافقت هذه السياسات مع تصريحاتٍ أثارت مخاوف العرب، وسخطهم، ومن ذلك قول حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات الإيراني السابق، إن بلاده "تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية"، وقول مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات، علي يونسي، إن العراق "عاصمة لإمبراطورية إيران الجديدة".
هل تدعم هذه السياسات المصالح الإيرانية على المدى البعيد؟. ألا يدرك قادتها وحكماؤها ما أسفرت عنه من مشاعر عدائية هائلة لدى الشعوب العربية، والإسلامية تجاهها؟
ألم يصل إلى قادة طهران أن عرباً كثيرين (في منطقة الخليج خصوصاً)، باتوا يعتبرون دولتهم أكثر خطرا عليهم من إسرائيل؟ (إنه أمر كارثي ومؤسف). وألا يعرفون أن الشعوب العربية باتت تضع طهران، جنبا إلى جنب، مع أميركا وإسرائيل والغرب، في خانة السعاة لوأد حلمهم في "الحرية"، عبر العمل على إجهاض ثوراتهم. وهل من الحكمة أن تخسر إيران عديدين من حلفائها، كحركتي حماس والجهاد الإسلامي، لرفضهما تبني وجهة نظرها تجاه سورية واليمن؟
قد يعتقد قادة إيران أن الضعف العربي الحالي سيتيح لهم الفرصة للسيطرة على المنطقة، لكنهم لا يدركون أن واشنطن، من خلال سياسة (فرق تسد)، لن تسمح لهم بذلك، وستسعى إلى بقاء الصراع محتدما بينها وبين العرب، حسب قانون "لا غالب ولا مغلوب"، حتى تنهك الطرفين.
الغريب أن دهاة طهران يهدمون اليوم، بكل جرأة ولا مبالاة، ما بنوه طوال عقود (سبقت موجات الربيع العربي)، فلا أحد ينكر أنهم نجحوا في إيجاد صورة إيجابية للجمهورية الإسلامية في بعض المناطق العربية، ونجحوا في تجنيد حركات وشخصيات، عملت، ليل نهار، على نشر فكرها، ورسم صورة ذهنية طيبة عنها، دولة مناصرة للحقوق العربية في وجه "الاستكبار" الأميركي الذي يدعم إسرائيل، ويسعى إلى إضعاف العرب.
وكأني الآن بالحركات السلفية، التي طالما حذرت من إيران، وفكرها، تبتسم ملء شدقيها، شامتة بدعاة "التقارب السني الشيعي"، قائلة لهم: "ألم نقل لكم؟".
تخطئ إيران إن اعتقدت أن واقع العرب "البائس" سيستمر للأبد، ولتأخذ من التاريخ العبر والدروس، فكل الحضارات السابقة والحالية لم تنجح إلا بعد أن مرت بانتكاسات كثيرة، ومآس عديدة.
سينهض العرب، ولو بعد حين، بعد سنوات، أو عقود، وحينها ستجني إيران ثمار ما زرعته، فالأيام دول، ومن سره زمنٌ ساءته أزمان.
EE1D3290-7345-4F9B-AA93-6D99CB8315DD
ياسر البنا

كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في قطاع غزة